تاريخ “موائد الرحمن” في مصر

تتميز مصر بإقامة مواد الرحمن طوال شهر رمضان المعظم، فما هو تاريخ ظهور موائد الرحمن في مصر؟

كانت بداية ظهور موائد الرحمن في عصر رسول الله صلي الله عليه وسلم، حين قدم إليه وفد من الطائف، أثناء وجوده في المدينة، ليعلنوا إسلامهم، واستقروا في المدينة لفترة من الزمن، فكان الرسول صلي الله عليه وسلم يرسل إليهم الإفطار والسحور مع “بلال بن رباح”.

وبعدها اقتدى الخلفاء الراشدون بالرسول صلي الله عليه وسلم، حيث قام سيدنا عمر بن الخطاب بإعداد دارا للضيافة يُفطر فيها الصائمون، لتظهر بعد ذلك فكرة موائد الرحمن.

فكانت أول مائدة رحمن في مصر في عهد الخليفة أحمد بن طولون عام 880م، وقد أخبر الجميع بأن تلك المائدة سوف تستمر طوال أيام شهر رمضان الكريم، فكان يقيم موائد الطعام للصائمين خاصة فى الثلاث سنوات الأولى من خلافته، حتى جاءت السنة الرابعة فأعد مائدة كبيرة دعا إليها كبار الأعيان والتجار- بجانب الفقراء – وأمرالأعيان والتجاربفتح بيوتهم وقصورهم وإمداد موائد طعامهم وتجهيزها بأفضل الأطعمة وتخصيصها للفقراء، على أن تستمر تلك الموائد طوال الشهر ويعاقب من يتجاهل تنفيذها، وقد استمرت الموائد على هذا المنوال حتى عهد الفاطميين وعرفت وقتها (بدار الفطرة)، فكان يخرج من قصر المعز لدين الله الفاطمي  1100 من الصحون بهم جميع ما لذ وطاب من ألوان الطعام توزع على الفقراء، كما كانت تقام  موائد رحمن بطول ما يقرب من 500 متراً في هذا العهد، ولكن تراجعت تلك الموائد في عهد المماليك والعثمانيين بسبب الحروب ثم عادت الموائد مرة أخري مع الاستعمار الانجليزي والفرنسي لمصر، فقد بدأت الجمعيات الخيرية فى إعادة إحيائها  مرة أخرى خلال هذه الفترة.

كذلك أهتم الملك فاروق بإحياء موائد الرحمن، فكان يقيم مائدة إفطار فى الفناء الداخلى لقصر عابدين لعامة الشعب، وطلب الملك فاروق كذلك من المحافظين إقامة موائد الرحمن فى عدد من المراكز التابعة لكل مديرية.

فكانت تُقام سرادقات فى مراكز إمبابة والجيزة والحوامدية والبدرشين والصف والعياط، يتم تلاوة القرآن الكريم بها قبل آذان المغرب يعقبها تقديم (موائد ملكية) لإطعام الفقراء.

وفي العصر الحديث ظهرت موائد الرحمن على نطاق ضيق، حيث كانت تختص ببعض أصحاب الورش والمصانع الذين يقومون بإعداد موائد صغيرة لإفطار عمالهم، وكان أثر هذه الموائد إيجابي لتعود على إثرها موائد الرحمن مرة أخري للشوارع، بعد أن أقام بنك ناصر الاجتماعي عام 1967 مائدة رحمن بجوار الجامع الأزهر، وإفطار أربعة آلاف صائم من أموال دافعي الزكاة.

والأمثلة كثيرة لفاعلي الخير في الشهر الكريم، فنجد الكثير يقومون بعمل موائد الرحمن فالبعض يقوم بها بمفرده والبعض الآخر يتعانون لعملها فمن الأمثلة التي يتعاون فيها مجموعة لعمل هذه الموائد هي (مطابخ الخير) في مختلف محافظات الجمهورية، حيث يقيم المطبخ مائدة رحمن يومية، بالإضافة الي توزيع وجبات بشكل يومي علي الأسر الأكثر إحتياجاً.

كذلك موائد رحمن يقيمها الفنانين ورجال الدين، والسياسيين وأصبح الجميع يتسابق في تقديم أفضل أصناف الطعام في موائدهم بهدف التقرب من الله.

وبالإضافة الي كل ذلك الموائد المنتشرة علي مستوي الجمهورية والتي تقيمها القوات المسلحة.

ومن الأمور المحمودة أيضا بجانب الموائد الموجودة في الشوارع قيام المنظمون لهذه الموائد بإرسال وجبات الطعام الي منازل كبار السن ومن لا تسمح ظروفهم بالحضور، وهي العادة التي انتشرت بشكل كبير في فترة حظر إقامة هذه الموائد خلال جائحة كورونا، ونجد أيضا في كثير من الشوارع وعند إشارات المرور في المدن وفي الطرق التي تربط بين القري والمدن شباباً يوزعون أكوابا من العصير وأكياساً من التمر وزجاجات المياه علي المارة وراكبي السيارات في وقت الإفطار، لدرجة ان البعض يقومون بعمل أكياس بها تمر وسجائر لتوزيعها علي الرجال الصائمين في الطرق.  

وقد وصلت عدد موائد الرحمن فى القاهرة إلى أكثر من 40 ألف مائدة يستفيد منها أكثر من 3 ملايين مواطن – وفقاً لعدد من الدراسات الصادرة من جامعة الأزهر – وينفق على تلك الموائد ما يزيد أيضاً عن مليار جنيه سنوياً في القاهرة فقط.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة