تحت ظلال العنف.. معاناة المرأة في بيتها

على الرغم أن الأسرة تمثل الوحدة الأساسية للمجتمع، قد تصبح في بعض الأحيان بمثابة بؤرة للعنف والإذلال والتحيز ضد المرأة، فعلى سبيل المثال، يمكن للأسرة أن تكون المكان الذي يتم فيه تعليم الأفراد قيم العنف والتحيز الجنسي، ومن المهم أن نتذكر أن العنف لا ينتج عن اللحظة الأولى، بل هو نتيجة لتعليمات ونماذج تلقاها الأفراد في بيوتهم.

يعتبر العنف الأسري مشكلة تؤثر على النساء والأطفال وأحيانًا الرجال، حيث يمكن أن يتخذ العنف المنزلي أشكالًا عديدة، بما في ذلك الاعتداء الجسدي والنفسي والجنسي والاقتصادي، وللأسف العديد من ضحايا العنف الأسري لا يبلغون عن الإساءة أو يطلبون المساعدة بسبب الأعراف الثقافية، أو الخوف من الانتقام، أو الافتقار إلى الحماية القانونية.

ووفقًا لتقرير نشرته الأمم المتحدة في عام 2019، فإن 87٪ من النساء في مصر تعرضن لشكل من أشكال العنف في حياتهن، ويشمل ذلك العنف الجسدي أو الجنسي أو النفسي، والذي غالبًا ما يرتكبه أزواجهن أو أفراد الأسرة الآخرون، ومع ذلك فإن نسبة ضئيلة فقط من هؤلاء النساء يبلغن السلطات عن الانتهاكات أو يطلبن المساعدة من منظمات الدعم.

أحد الأسباب الرئيسية لانتشار العنف الأسري في مصر هو المعايير الثقافية والمواقف المجتمعية تجاه المرأة، فغالبًا ما يُنظر إلى النساء على أنهن أدنى منزلة من الرجال، ويُتوقع منهن أن يخضعن لأزواجهن ولأفراد الأسرة الذكور الآخرين.

كما أن التحرر الاقتصادي والاجتماعي للمرأة يؤدي إلى زيادة نسبة العنف ضدها في بعض الأحيان، وذلك بسبب عدم قدرة الرجال على تحمل تلك التغييرات في الدور الاجتماعي. وهذا يمكن أن يؤدي إلى إحساس بالاستحقاق من جانب الرجال، الذين يعتقدون أن لديهم الحق في السيطرة على زوجاتهم وغيرهم من أفراد الأسرة من الإناث.

كما تعزز الطبيعة الأبوية للمجتمع المصري هذا العنف، حيث يُتوقع من الرجل أن يكون رب الأسرة وأن تكون له سيطرة كاملة على زوجته وبناته، كذلك يُتوقع من النساء أن يطعن أزواجهن وآبائهن، وغالبًا ما يتعرضن للعنف إذا خرجن عن الخط.

عامل آخر يساهم في العنف ضد المرأة في الأسرة، وهو وصمة العار المحيطة بالطلاق، فغالبًا ما يُنظر إلى النساء اللواتي يطلبن الطلاق على أنهن غير أخلاقيات أو غير شاكرات، وقد يواجهن النبذ الاجتماعي وحتى العنف، هذه الوصمة تمنع الكثير من النساء من ترك العلاقات المؤذية، لتستمر دائرة العنف.

بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما يُنظر إلى العنف الأسري على أنه مسألة خاصة لا ينبغي مناقشتها خارج الأسرة، هذا يمكن أن يجعل من الصعب على الضحايا طلب المساعدة أو الإبلاغ عن الإساءة، خشية الوصم الاجتماعي أو النبذ. وعلاوة على ذلك، هناك القليل من الحماية القانونية لضحايا العنف الأسري في مصر، وغالبًا ما يكون نظام العدالة بطيئًا في الاستجابة لحالات العنف الأسري.

في النهاية، إذا أردنا إنهاء العنف ضد المرأة يجب أن نعترف بالدور الذي تلعبه الأسرة في تكريس هذا العنف، وأن ندرك أن العنف ضد المرأة ليس مشكلة فردية، بل هو مشكلة اجتماعية تحتاج إلى جهود مشتركة للتصدي لها، وعلينا أن نتحرك كمجتمع ونعمل على تغيير القيم والتقاليد الاجتماعية التي تعزز العنف ضد النساء، وعلى الأسرة أن تلعب دورًا فعالًا في تربية أبنائها على الاحترام والمساواة بين الجنسين، وعلى المجتمع بأكمله أن يعمل على توفير الحماية والدعم للنساء اللواتي يعانين من العنف في الأسرة، وأن نعمل جميعًا على تحقيق المساواة بين الجنسين وضمان حقوق المرأة في المجتمع، فالمرأة تستحق العيش بكرامة وحرية.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة