في الأربعينات من القرن الماضي قدمت جمعية الاتحاد النسائي المصري برئاسة هدى شعراوي مجموعة من مطالب النساء، على رأسها ضرورة تعديل قانون الانتخابات بما يتيح ممارسة المرأة حق التصويت، وأيضًا أن تمنح المرأة جميع الحقوق السياسية وعضوية المجالس المحلية والنيابية مثل الرجال، وقد وجهت هذه المطالب إلى رئيسي مجلسي الشيوخ والنواب وتم طرحها على الرأي العام المصري.
وبعد سنوات من النضال النسوي صدر دستور 1956 متضمنًا مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق السياسية، وأصبح للمرأة حق الترشيح والانتخاب، وأجريت أول انتخابات برلمانية وفقًا للوضع الجديد عام 1957، وسجل وقتها في كشوف الناخبين حوالي نص مليون صوت نسائي للمرة الأولى.
ورغم أن المرأة المصرية في هذه الانتخابات قد واجهت بعض الصعوبات التي كان لابد من اجتيازها، منها عادات وتقاليد المجتمع المصري التي لا تزال تقيد حركة المرأة إلى حد كبير على المستوى العام، وخاصة في المجال السياسي.
وسجل التاريخ في 14 يوليو 1957 دخول أول امرأة مصرية إلى البرلمان، بعد معركة شرسة وعظيمة خاضتها النائبة الرائدة راوية عطية.
ولدت راوية يوم 19 أبريل 1926 في محافظة الجيزة، من أب كان يتقلد منصب سكرتير عام حزب الوفد عن محافظة الغربية، ودخل السجن بسبب آرائه السياسية، وأكملت تعليمها وحصلت على شهادات جامعية عدة وفي مجالات مختلفة، وهي الليسانس من كلية التربية جامعة القاهرة سنة 1947، ودبلوم في التربية وعلم النفس، وماچستير في الصحافة، ودبلوم في الدراسات الإسلامية، واشتغلت في التدريس لمدة 15 عامًا، وعملت في الصحافة فترة قصيرة.
بدأت راوية مشوارها في العمل السياسي مطالبة بحق المرأة السياسي في الانتخابات، وقد جاء ترشيحها ما بين 8 سيدات فقط على مستوى الجمهورية. تقدمت وكانت ضابط أول اتصال في جيش التحرير الوطني، وعضو باللجنة التنفيذية للاتحاد الاشتراكي.
خاضت راوية عطية المعركة الانتخابية أمام متنافسين مرموقين ولهم باع سياسي كبير، بينهم المستشار عبدالمنعم الغرابلي وصدقي الكانجيبي وعبده مراد المحامي وأحمد فؤاد رئيس مجلس إدارة بنك مصر والمعايرجي رجل الأعمال، وبرغم ذلك فازت وحصلت على 110807 صوت، لتصبح أول امرأة تدخل البرلمان المصري. ونجحت أيضًا السيدة أمينة شكري في 14 يوليو سنة 1957 في انتخابات الإعادة.
وكان لراوية عطية عند دخولها البرلمان المصري مطالب عدة ناقشتها خلال الجلسات، كمشاكل الأسرة، وناقشت ذلك مع وزير الشؤون الاجتماعية والعمل، وطالبت الوزير بتنفيذ المشروع الخاص بإنشاء مكاتب للاستشارات الزوجية والتوجيه الأسري، وذلك لحل مشكلات الأسرة المصرية الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، وطالبت بتعميم هذه الفكرة في جميع أنحاء الجمهورية، وأن تتولى الوزارة الإشراف عليها.
وأيضًا طالبت الوزير بأن تتعاون لجنة العادات والتقاليد بوزارة الشؤون الاجتماعية مع وزارة الإرشاد القومي للقضاء على العادات والتقاليد التي تسيء لسمعة مصر في الخارج، كذلك تقدمت إلى البرلمان المصري بمقترح مشروع قانون بتنظيم الأسرة، والذي أحيل إلى لجنة الاقتراحات والشكاوي، وطالبت بتعديل مشروع لائحة الجامعات لتطويره، إلى جانب مطالبتها الدائمة داخل المجلس بفتح معسكرات لتدريب الشباب على حمل السلاح.
وسبق ذلك سنة 1956 كانت راوية أول امرأة تعمل كضابطة في الجيش المصري، وقد دربت 4000 امرأة على الإسعافات الأولية والتمريض لجرحى الحرب، ووصلت لرتبة نقيب، وفي حرب أكتوبر سنة 1973 حصلت على رئاسة جمعية "أسر الشهداء والجنود"، ولذلك لقبت بأم المقاتلين الشهداء.
كما حصلت على نوط الجيش الثالث لحرب أكتوبر المجيدة، ودرع القوات المسلحة، ودرع الجيش الثالث والثاني، فضلًا عن اختيارها الأم المثالية لعام 1976، وحصولها على نوط الواجب من الطبقة الأولى في عهد الرئيس السادات لخدمتها في العمل التطوعي لمدة 30 عام.