ليس أم الشهيد فقط هي من حرمت من هذا يا عزيزي القارئ كما استنتجت، ليس وحدها هي من فقدت ابنها و ليس وحدها من أعطت حب وحنان وتربية وإخلاص، لأنه توجد أخريات يستحققن الدعم والمساندة حتى ولو بالكلمة.
بطلة يومنا هذا يوم الأمومة هي أم شنودة، سيدة مصرية مسيحية حرمت من نعمة الإنجاب، وبعد محاولات وعمليات عدة كانت قد فقدت الأمل. السيدة آمال هي وزوجها فاروق ذهبا في يوم منذ ٥ سنوات إلى الكنيسة، وإذ بأب من الكنيسة قد وجد طفلًا داخل أسوار الكنيسة بجوار المسبح عمره أقل من يوم، حمل الأب الطفل وتطوعت آمال في رعايته وتبنته واحتضنته بكامل حبها وأمومتها.
ولكن لأنه ليست كل النفوس سوية وطيبة مثل آمال، قدمت قريبة زوجها محضرًا كيديًا بأن الطفل ليست ابنهما وأنهما وجداه في الشارع، خوفًا من أن يقوم الزوج بكتابة أي من ممتلكاته له، وكان الإرث هو شوكة الشيطان لزعزعة النفوس وتفريق الأم عن طفلها بعد ٤ سنوات من الرعاية الطيبة، في كنف زوج وزوجة وبيت صغير يحتمي فيه الطفل ويأوي إليه ويلبس ويضحك ويعيش مثل أي طفل غيره، كان يتعلم رياضة الكاراتيه ويذهب إلى الحضانة، وكان طموحه "يطلع دكتور ويعالج الناس"، فكيف للناس الآن أن تعالج ما حدث له من تشوه نفسي؟ وكيف يتصور أي إنسان أن شندوة - أو يوسف عبدالله كما هو اسمه الآن- يمكن أن يكبر في دار الرعاية ويصبح سويًا بأي شكل من الأشكال؟ فكيف تكون رعاية دار مثل رعاية وحضن أم وأب.
بعد المحضر الذي قدم ضدهما طلبت الشرطة آمال وابنها، فذهبت إلى القسم بكل حسن نية وبعدها ذهبوا بهم إلى الدار وأخذوا من بين ذراعيها طفلها ليلعب الكمبيوتر في الدور العلوي، ثم تم إعلامها من المحقق أنه يمكنها الذهاب الآن حتى من دون توديعه، يمكنك الذهاب الآن من دون ابنك بهذه البساطة، من دون إنسانية حتى ولا تدريج لأي منهما، لا للطفل ولا الأم، طلبت منهم العمل حتى كخادمة كي تكون بجوار ابنها، ولكنهم رفضوا وقالوا لا نحتاج إلى خادمات.
ذهبت أم شنودة إلى المنزل من دون شنودة، وهي تضع كل آمالها في الله، ورفعت قضية لضم الطفل مرة أخرى، وحكمت المحكمة بعدم الاختصاص، ومن هي المحكمة المختصة التالية؟ وكيف سيكون حكمها؟ وسيكون على أي أساس إذا كان لا يوجد قانون يمكنه القضاء في مثل هذه القضايا؟
يقول الفقه: "الطفل يولد مسلمًا ما لم يثبت أهليته غير ذلك"، لكن أي طفل هذا الذي يولد مسلمًا داخل أسوار الكنيسة بالحمام الخاص بها؟ ومنذ متى كان القانون يحمل ديانة واحدة في دستوره؟ أليست الأم هي التي تحتضن الطفل وتقوم برعايته؟ بصرف النظر عن ديانتها فهي أم ربت وسهرت!
كيف لقانون أن ينص في هذا إذا كانت محكمة مجلس الدولة بذاتها حكمت بعدم الاختصاص خوفًا من التدخل في أمور دينية؟ وحدها الإنسانية في نظري هي التي يمكنها الحسم الآن، ولكننا للأسف في عصر مجرد من إنسانيته تتقدم فيه سيدة بمحضر وينفذ المحقق تعليمات مجردة من الإنسانية، ودار أيتام تحرم أم من رؤية ابنها بتوصية من الوزارة لمدة تزيد عن سنة ولا تقبل حتى عمل الأم كخادمة لدى الدار!
لا يوجد أي إنسانية طوال هذا الوقت، مجرد تعسف وتعنت للأسف ليست وزارة التضامن وحدها هي المشاركة فيه، لكن كل من كان طرفًا من بادئ الأمر وحتى الآن، كما قالت أم شنودة هي ومحاميها، المسألة هنا ليست دين هذا الطفل الذي لا يزيد المسيحية فردًا ولا ينقص الإسلام فردًا، فمصر مليئة بالملايين من الديانتين، فنرجو أن يحدث العكس وتأخذ وزيرة التضامن موقفًا عكسيًا، وأن يتم الفصل في قضية أم شنودة في أسرع وقت، فكل لحظة تمر تنهار وتتدمر فيها أسرة كانت مكونة من أم وزوج وطفل.
بالتأكيد يوجد ما يمكن فعله لضم الطفل لحضن أمه مرة أخرى، كتابة البيانات والتوقيع عليها وانتشار الهاشتاج على السوشيال ميديا أو حتى الدعوة من قلب كل شخص، فمصر ستعيش الشهر القادم في صيام للديانتين، فلا يمكن لديانة سماوية أيًا كانت أن ترضى بفعل غير إنساني مثل هذا، ولا يرضي سيادة رئيس الجمهورية بظلم وانفطار قلب مثل قلب أم شنودة، فهذا الرجل الذي أفرج أمس عن ٨٥ غارم وغارمة يمكنه أن يرجع طفل لحضن أمه، ليكون هذا الفعل الختام المسك لشهر المرأة.