تمتلك مصر نحو 15 ميناءً تجاريًا، أبرزها موانئ الإسكندرية والدخيلة ودمياط وشرق وغرب بورسعيد على البحر المتوسط شمالًا. بالإضافة إلى سفاجا والأدبية والسخنة والسويس على البحر الأحمر شرقًا. وقد بلغت معدلات تداول البضائع في الموانئ المصرية خلال العام 2021 نحو 162.7 مليون طن وذلك مقارنة بـ156 مليون طن خلال العام 2020، وفقًا لقطاع النقل البحري.
في منتصف العام الماضي، كلف الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكومة بالإعلان عن برنامج لمشاركة القطاع الخاص في الأصول المملوكة للدولة، على أن يستهدف 10 مليارات دولار سنويًا. وذلك لمدة 4 سنوات، بقيمة إجمالية 40 مليار دولار، يبدو أن هناك استراتيجية جديدة لدى مصر في الاستثمار وموانئها البحرية فما هي؟
وفي 2021 وأثناء عرض مخطط تطوير مشروع ميناء السخنة انتقد الرئيس المشروع وأعلن عن استراتيجية جديدة لتطوير الموانئ، قائلًا: "حاجتي معايا اللي هيديني عرض كويس يتفضل، لكن أنا لما أعمل 3 أو 4 مراحل اديهم لحد يعملهم صعب". فما هي قصة الميناء وما علاقة الإمارات بذلك؟
تعود القصة إلى عام 2008 حين استحوذت موانئ دبي على 90% من ميناء العين السخنة، مع وعود بضخ مليارات الجنيهات وإنشاء محطات ومشاريع جديدة. وفي 2014 هددت الحكومة المصرية بسحب المشروع من الإمارات لعدم تحقيق هذه الوعود، وفي 2021 ظهرت أزمات في الميناء لتعطيل إجراءات تنزيل الحاويات، لترد مصر على ذلك من خلال التحرك نحو إنشاء أرصفة جديدة وساحات تداول مع تشغيل شركات أجنبية ومصرية في المشروع، بعدما كانت تحصل على الحد الأدنى من موانئ دبي الذي علق عليه كامل الوزيري بـ:"كان زمان وجبر احنا مصر وهاخد ما استحقه". بالتزامن مع هذا التصريح ظهر عرض شركة "كيوتيرمنلز القطرية" للدخول في مشروع الميناء.
اقتصاد الموانئ
في 2013 تقريبًا، بدأت ملامح نوع جديد من الصراعات تطفو على السطح بين الدول المطلة على الخليج العربي وبحر العرب، وهو صراع على الملاحة البحرية التجارية، خصوصًا مع ظهور منافسين جدد في المنطقة، ومع انخفاض أسعار النفط منذ نحو 8 سنوات وحتى الآن، باتت الدول المطلة على الخليج تسعى بقوة للبحث عن مصادر للدخل خارج إطار السلعة النفطية، ومن أجل تعزيز المكانة التنافسية لهذه البلدان، أصبح من يمتلك الموانئ يمتلك التجارة العالمية، وإذا ذكرت الموانئ لابد من ذكر دولة الإمارات.
تسعى الإمارات إلى بسط نفوذها على أكبر قدر ممكن من الموانئ، وتضمها إليها لتُزيد من عدد موانيها التي تصل لنحو سبعين ميناء في العالم تديرها هي، كاليمن والجزائر أكبر ميناء في إفريقيا، وموانئ أخرى في أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينيّة، كما تعمل الإمارات على تطوير بعض الموانئ المصرية مقابل التمتع بحق إدارتها كليًا بنظام POT وأولها ميناء "السخنة" الذي من المنتظر أن يكون من أهم موانئ التصدير والسياحة في مصر.
طموح الإمارات العربية
منذ عدة أعوام بدأت الإمارات مشروعًا استراتيجيًا أكثر منه اقتصاديًا، فلم يعد البترول وحده عمود الاقتصاد الإماراتي بل أصبح التوسع على خريطة الملاحة والموانئ في الشرق الأوسط والقرن الأفريقي توسعًا متنامي وملحوظ عن طريق شركتي دبي وأبو ظبي للموانئ اللتان تديران أكثر من ٧٨ ميناء حول العالم من الصين إلى أوروبا والولايات المتحدة.
زحف الإمارات على موانئ الآخرين
الصومال
في عام 2015 حصلت شركة دبي للموانئ على حق إدارة ميناء بربرة في إقليم أرض الصومال لمدة 30 عامًا، كما استأجرت جزرًا وأنشأت ميناءً عسكريًا في عصب الإرترية إلى جانب الاستثمار في ميناء مصوع أيضًا.
وفي الوقت ذاته تلقت تعاقدات الشركة مع كل من دولتي أرض بونت وأرض الصومال معارضة من قبل الحكومة والبرلمان الفيدراليين في العاصمة مقديشو، بسبب عدم أخذ موافقتهما على تلك التعاقدات، مما أدى إلى مقتل رئيس عمليات موانئ دبي على يد حركة الشباب المسلم في العام ٢٠١٩.
اليمن
أما في اليمن منح الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح في 2008 موانئ دبي حق إدارة ميناء عدن وموانئ أخرى لمائة عام قادمة. لكن بعد الثورة اليمنية وخلع صالح قرر مجلس إدارة مؤسسة خليج عدن إلغاء اتفاقية تأجير ميناء عدن لشركة موانئ دبي العالمية، بطلب من وزير النقل اليمني للشركة الإماراتية بتعديل اتفاقية تأجير الميناء أو إلغاء الاتفاقية، التي وصفها بأنها "مجحفة بحق اليمن"، وأنها "أُبرمت في ظروف راعت المصالح السياسية أكثر من الاقتصادية".
الطلب الذي وصفه الخبراء بالحجة المنطقية، فكيف تقوم الإمارات بتطوير وإدارة ميناء هو أحد أخطر منافسي موانئها إلا إن كانت ستستحوذ عليه وتبطئ من إيقاع ووتيرة العمل به ضمانًا لتفوق موانيها، لتعود الإمارات مجددًا لميناء عدن ولكن تحت غطاء "إعادة الشرعية"، حتى أصبحت الإمارات تسيطر على موانئ جنوب اليمن، من المكلا شرقًا وحتى عدن غربًا إلى الموانئ الغربية للبلاد، فيما تستمر المساعي للسيطرة على مينائي المخا والحُديدة. ووصلت إيرادات الموانئ اليمنيّة التي تسيطر عليها الإمارات في 2020 نحو 516 مليون دولار أمريكي.
جيبوتي
في عام 2005 وقع سلطان أحمد بن سلّيم، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الموانئ والجمارك والمنطقة الحرة في دبي، وياسين علمي بوح وزير المالية في جمهورية جيبوتي، اتفاقية تعاون كان يفترض أن تستمر 21 عامًا، تقوم خلالها الإمارات بإدارة وتطوير الأنظمة والإجراءات الإدارية والمالية لجمارك جيبوتي وتطوير العمليات الجمركية ونظام وإجراءات التفتيش. كما كان يفترض أن توفر جمارك دبي نظامًا متطورًا لتقنية المعلومات، إضافة إلى إقامة البرامج التدريبية لمختلف فئات الكادر الوظيفي في جمارك جيبوتي.
ولكن في العام ٢٠١٤ اتهمت جيبوتي الشركة بتقديم رشوة للحصول على العقد بشروط مجففة وأخرى سرية، بحيث حصلت الشركة على نسبة تفوق حصتها في العوائد، كما كانت تدفع مليون دولار سنويًا للمسؤول الجيبوتي المسؤول عن الصفقة والمقيم في دبي، كذلك عدم الاهتمام بالميناء، فعندما استلمت دبي الميناء كانت ٦٠ بالمائة من عملاء الميناء من العملاء الدوليين، وعندما غادرت كانت نسبة العملاء صفر.
خلاصة تسعى الإمارات إلى بناء شبكة من الموانئ والقواعد العسكرية من الخليج إلى أفريقيا، يمكن من خلالها تحقيق الطموح الإماراتي في إنشاء إمبراطورية حديثة ذات نفوذ اقتصادي يجعل منها صاحبة السيادة على في سلاح الموانئ البحرية في الشرق الأوسط كاملًا.