التطبيع مع التنمر في مصر.. «رودينا» لم تكن الأولي وليست الأخيرة

فوجئنا منذ أيام بوفاة طفلة تدعى «رودينا» تبلغ من العمر  16 عامًا، بالصف الأولي الثانوي، بعد تعرضها للتنمر من زميلاتها في الفصل على شكلها وأنها ليست جميلة، وملاحقات متكررة منهم للتنمر عليها وكتابة أسماءهم على الكرسي والديسك الذي تجلس عليه، وعبارات مثل «إيه دا هو أنتي بتحسي؟» و«أنتي ازاي مستحملة شكلك ده؟» و«أنتي مش شايفة عاملة إزاي». وكلما حاولت الانضمام لزميلاتها للعب كانت تواجه تنمرًا وصدًا.

لم يمر على بدء الدراسة وقتًا طويلًا حتى عادت رودينا إلي بيتها منهارة من البكاء، وحاول والدها ووالدتها التخفيف عنها بأن هذا طبيعي ويحدث بين كل الطلاب، وأخبرها أبوها بأنه سيتقدم بشكوى لإدارة المدرسة. سمعت الطفلة الكلمات وذهبت لغرفتها من دون طعام أو شراب، وفي محاولة للتأكد من أنها غير قبيحة سألت أختها: «هو أنا شكلي وحش؟». ولكن بعد ساعات وقعت رودينا وتوفت في الحال أثر أزمة قلبية حادة.

«التعمد - التكرار - اختلال القوى» تلك المعايير أو الكلمات التي استخدمتها الأمم المتحدة لوضع خطوط عريضة لقضية التنمر، وسط أطفال وشابات وشباب ينضمون إلى مجموعات المتنمرين للإحساس بالشهرة أو التقبل أو لتجنب التعرض للتنمر، بينما على الناحية الأخرى يقع ضحايا التنمر واحدًا تلو الآخر، وواحدة تلو الأخرى، وتتعدد أشكال الإيذاء النفسي وربما الجسدي، وقد تدفع هذه الممارسات والضغوطات النفسية بالشخص إلى الانتحار.

ضحايا التنمر

واقعة رودينا لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، حيث توفى محمد أحمد 9 سنوات متأثرًا بحروق أصيب بها نتيجة قيام ثلاثة من زملائه بإشعال النار في جسده النحيل، بعدما تنمروا على عمل والده في جمع البلاستيك من القمامة، وشاب آخر شنق نفسه في سقف غرفة أعلى سطح منزله بالدقهلية هروبًا من تنمر زملائه عليه، بعد بتر يده بسبب إصابته بمرض فيها، بحسب تصريحات والدته.

كذلك انتحر علاء 12 سنة من الجيزة بسبب تنمر شقيقه عليه، لإصابته بمشكلة طبية تجعله يتلعثم في الكلام. وبسبب سخرية شقيقه الدائمة منه بأن: «عندك 12 سنه ولسه مش عارف تتكلم»، انتحر الطفل بعد إصابته بالاكتئاب، وصنع مشنقة من حبل بلاستيكي وثبتها في شجرة وشنق نفسه. وانتحرت إيمان الطالبة بالمعهد الفني الصحي التابع لمستشفى جمال عبد الناصر في الإسكندرية بإلقاء نفسها من الطابق الرابع، بسبب سوء المعاملة والتنمر عليها من زميلاتها والمشرفين بالمعهد بكلمات مثل: «بصي شعرها منكوش إزاي!» و«دي شبه الولاد».

قوانين ضد التنمر

منذ عام 2020 ظهرت نماذج كثيرة لجريمة التنمر في مصر على وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، وهنا كانت بداية تعديل مواد من قانون العقوبات لمعاقبة كل ما يقوم بالفعل، لكن السؤال هل هناك قوانين تحاكم كل من تسبب في انتحار شخص بعد تنمره عليه؟

عقوبات التنمر في القانون المصري رقم 189 لسنة 2020

تضاف إلى قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937 مادة جديدة برقم 209 مكررًا ب، ونصت على أن: «يعد تنمرًا كل قول أو استعراض قوة أو سيطرة للجاني أو استغلال ضعف للمجني عليه.. أو لحالة يعتقد الجاني أنها تسيء للمجني عليه، كالجنس أو العرق أو الدين أو الأوصاف البدنية أو الحالة الصحية أو العقلية أو المستوى الإجتماعي، بقصد تخويفه أو وضعه موضع السخرية أو الحط من شأنه أو إقصائه من محيطه الإجتماعي».

تكمل المادة: «مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في أي قانون آخر، يعاقب المتنمر بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على ثلاثين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين. وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد على مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، إذا وقعت الجريمة من شخصين أو أكثر، أو كان الجاني من أصول المجني عليه أو من المتولين تربيته أو ملاحظته أو ممن لهم سلطة عليه، أو كان مسلمًا إليه بمقتضى القانون أو بموجب حكم قضائي، أو كان خادمًا لدى الجاني. أما إذا اجتمع الظرفان يُضاعف الحد الأدنى للعقوبة. وفي حالة العود، تُضاعف العقوبة في حديها الأدنى والأقصى».

تغليظ عقوبة التنمر على ذوي الهمم في القانون رقم 10 لسنة 2018

ووافق البرلمان المصري على إضافة مادة جديدة برقم 50 مكرر إلى قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وتنص على «الحبس مدة لا تقل عن سنتين وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على 200 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، إذا توافر أحد الظرفين، الأول وقوع الجريمة من شخصين أو أكثر».

قانون «مكافحة جرائم تقنية المعلومات» رقم 175 لسنة 2018

تطرقت المادة 25 من القانون إلى الجرائم المتعلقة بالاعتداء على حرمة الحياة الخاصة والمحتوى المعلوماتي غير المشروع، حيث نصت على أن «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أى من المبادئ أو القيم الأسرية فى المجتمع المصرى، أو انتهك حرمة الحياة الخاصة أو أرسل بكثافة».

وختامًا، برغم كافة ما تم من تعديله من قوانين بشأن التنمر، لا زال لدينا ضحايا تنتهي حياتهم إما بالوفاة أو بالانتحار، من دون وجود أي تشريع يناقش أثر التنمر على حياة البشر ويطرح سبلًا لمعالجته أو الحماية المبكرة منه، فنحن لا نريد سن قوانين بقدر ما نحتاج إلى آليات لتطبيق تلك القوانين، آليات حماية وتدخل سريع وسياسات موجودة بالمدارس للتصدي للظاهرة بحزم.

فما هي معايير المجتمع المصري للجمال؟ ومن قام بترسيخ تلك المعايير والقولبة التي يموت ضحيتها الكثيرون؟ وهل هناك طرحًا من الدولة لتنظيم أنشطة في المدارس أو الجامعات أو أماكن العمل للحد من جريمة التنمر؟ أم أننا نقوم فقط بسن وتعديل القوانين من دون التغلغل داخل تلك الثقافة؟!

على الدولة إيجاد آلية لتنفيذ تلك التعديلات من أجل الحماية المبكرة من جريمة التنمر، لأن ما يحدث ما هو إلا تطبيع مع الجريمة في الشارع والمدارس وبين الجيران، من دون تصدي حقيقي لها.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة