سوس التنمر ينخر في مدارس مصر “رودينا آخر الضحايا”

خلال السنوات القليلة الماضية، وتحديدًا منذ عام 2018، أصبحت كلمة «تنمر» متداولة بشكل أكبر في المجتمع، حيث أدى الضوء الذي سلطته الإعلانات والحملات والأعمال الدرامية على التنمر إلى تعريف المجتمع بهذه الكلمة وأضرارها، لكن هذا لم يكن كافيًا حتى يُنهي ظاهرة التنمر في المجتمع المصري، وبخاصة بين طلاب المدارس.

كانت طالبة تدعى رودينا، تدرس بإحدى مدارس محافظات الجيزة، آخر ضحايا هذه الظاهرة، إذ توفيت إثر تعرضها لأزمة قلبية حادة عقب وقوعها ضحية للتنمر من قبل زميلاتها بالمدرسة، الأمر الذي تسبب لها في هبوط حاد بالدورة الدموية، أدى إلى لفظها أنفاسها الأخيرة قبل نقلها إلى المستشفى.

يقول والد رودينا إن ابنته سقطت مغشيًا عليها داخل شقتهم، بعد تعرضها لأزمة نفسية بسبب مشادة كلامية حدثت بينها وبين زميلاتها بالمدرسة، وتوقفت عن الحركة والتنفس، فطلب سيارة الإسعاف ونقلها إلى المستشفى لكنها فارقت الحياة قبل وصولهم.

وأوضح أن مشادة دارت بين ابنته وزميلاتها اللاتي كتبن أسمائهن على «الديسك» الخاص بها في الفصل متعمدين مضايقتها، لتبوبخها إحداهن بقولها: «مش شايفة شكلك عامل إزاي»، وحين اشتكت إليه ما حدث، أكد لها أنه لا داعي للقلق كون مثل هذه الأمور عادية.

وأضاف الأب المكلوم: «ابنتي حكت لي إنها تعرضت للتنمر من قبل ذات الزميلة أثناء الفسحة، وقالت لها: أنتِ مش من مستوانا علشان تلعبي معانا».

تُعرف المادة 309 مكرر من قانون العقوبات مفهوم التنمر بأنه كل قول أو استعراض قوة أو سيطرة للجاني أو استغلال ضعف المجني عليه، أو لحالة يعتقد الجاني أنها تسيء للمجني عليه، كالجنس أو العرق أو الدين أو الأوصاف البدنية أو الحالة الصحية أو العقلية أو المستوى الاجتماعي، بقصد تخويف المجني عليه أو وضعه موضع السخرية أو الحط من شأنه أو إقصائه من محيطه الاجتماعي.

وبحسب خبراء فإنه يمكن أن يكون للتنمر المدرسي مجموعة واسعة من التأثيرات على الطلاب الذين تعرضوا له، بينها الغضب والاكتئاب والتوتر والانتحار.

وفي عام 2018، أطلقت مصر بالتعاون مع منظمة اليونيسف والمجلس القومي للطفولة والأمومة حملة مجتمعية تحت عنوان «أنا ضد التنمر»، شملت حملات تلفزيونية ولافتات دعائية بالشوارع والميادين بمناطق متنوعة، للتوعية ومكافحة ظاهرة التنمر التي غزت المدارس المصرية.

ورغم جهود الحكومة المصرية في مكافحة ظاهرة التنمر، أظهرت بيانات تابعة لمنظمة اليونيسيف في 2019 أن نسبة 70% من أطفال مصر يتعرضون للتنمر من قِبَل زملائهم في المدارس. علاوة على ذلك، أن تنامي ظاهرة التنمر بدأ يتخذ منحنى أكثر حدة ويخرج عن جدران المدارس وبين الطلاب والأطفال، حتى أصبح بمثابة ظاهرة تبرز على السطح في المجتمع المصري ما بين الحين والآخر، وباتت مشاهد مقاطع الفيديو المصورة التي تروج لحوادث تنمر جزءًا لا يتجزأ من حياة المصريين في الآونة الأخيرة.

وفي تقرير له، سلط مرصد الأزهر لمكافحة التطرف الضوء على ظاهرة التنمر المدرسي، مشددًا على ضرورة تصدي المؤسسات الدينية والرسمية وأطراف المجتمع كافة لهذه الظاهرة، باعتبارها ظاهرة  ضارة وأحد العوامل الأساسية في تهديد السلم المجتمعي والإضرار بالنشء والأجيال القادمة نفسيًّا وسلوكيًّا وفكريًّا، الأمر الذي لم يغب عن الأزهر الشريف؛ تلك المؤسسة العريقة التي لطالما كان لها قصب السبق في التوعية والتوجيه بما تصلح به المجتمعات، ومن ذلك التحذير من ظاهرة التنمر وما قد تتسبب فيه من عواقب وخيمة على الأسرة والمجتمع.

وأشار الأزهر في تقريره الذي أصدر في فبراير الجاري، إلى أن ظاهرة التنمر المدرسي تنامت في السنوات الأخيرة وبرزت بشكل كبير على السطح، وبدأت تسترعي انتباه دول ومنظمات دولية عدة.

وفي تصريحات صحفية، قال الأخصائي النفسي باسم بدر حامد، إن الطفل الذي يمارس التنمر على الآخرين بشكل واضح وعنيف هو بالأساس يعاني من اضطرابات نفسية وسلوكية تحتاج إلى المعالجة والمراقبة من قبل الأهل، لأنه معرض أيضا لأن يؤذي نفسه قبل أن يؤذي الآخرين.

وأضاف، أن التطور التكنولوجي وإقبال التلاميذ على استعمال الهواتف الذكية والألعاب الإلكترونية ومواقع التواصل كان له دور في استفحال ظاهرة التنمر المدرسي، حيث ساهم في نشر الكثير من الأفكار العنيفة والتأثير في سلوكيات الأطفال منذ الصغر، لا سيما أولئك الذين لا يخضعون لرقابة وتوجيه من قبل الأهل بطريقة صحيحة وواعية.

وتابع: «لكن مع ذلك لا يمكن إلقاء اللوم كله على هذا الجانب، فهناك عوامل أخرى قد تلعب أدوارًا هامة في تشكيل شخصية الطفل بشكل سلبي كالعنف المنزلي والتفكك الأسري».

وفي السياق نفسه، يرى خبراء وأطباء في علم النفس، أنه عند ملاحظة سلوكيات العنف والتنمر عند الأطفال لا بد أن تتبع الأسرة عددًا من الخطوات التي تساهم في علاج الطفل المتنمر مبكرًا، حتى لا يتطور الأمر ويتحول إلى شخص سيء الطباع يؤذي غيره ويؤذي نفسه، وتتضمن تلك الخطوات أن يراجع الوالدان سلوكهما داخل البيت، لأن الطفل بشكل لا إرادي يقلد والديه في سلوكهما وتصرفاتهما، ومراجعة سلوك إخوته معه، بالإضافة إلى: تجنب استخدام العنف البدني مع الطفل والتوبيخ أو السخرية منه، إذا كان الأهل يعتمدون تلك الطريقة في التعامل معه، وتنمية التعاطف لدى الطفل، من خلال النقاش معه وتعليمه القيم الأساسية المرتبطة بالرحمة والتسامح والصداقة، وإقناع الطفل بأنه شخص يعتمد عليه، من خلال تكليفه بمسؤولية شقيقه الأصغر، أو مسؤولية كائن حي آخر أضعف منه كقطة أو كلب أو حتى نبات.

كذلك شدد باسم على ضرورة مشاركة الأب في تعديل سلوك طفله، من خلال النقاش معه وتخصيص وقت للعب معه، والمشاركة والتواصل مع المدرسة ووضع آلية مشتركة للتعامل مع الطفل، من خلال توعيته مرارًا ومعاقبته إذا اضطر الأمر. كما يجب تشجيع الطفل على الاعتذار لضحاياه، ومن الجيد تقديمه هدايا رمزية لهم، وفي حال إصرار الطفل على اتباع تلك الطريقة، لا بد أن يعاقب بالحرمان من لعبة يحبها، أو من نزهة كان ينتظرها، ولابد أن تتخذ المدرسة إجراءً فوريًا إذا اعتدى على زميله، وأخيرًا ضرورة الاستعانة بمتخصص في تعديل سلوك الطفل مبكرًا بجانب الخطوات السابقة.

وفي منتصف فبراير الجاري، طالبت النائبة ريهام عفيفي عضو مجلس الشيوخ وزارة التربية والتعليم بتكثيف حملات التوعية والرقابة داخل المدارس، لمواجهة مخاطر التنمر بين الطلبة والطالبات، وتدريب الأخصائيين الاجتماعين للتعامل مع هذه الظاهرة.

وأشارت النائبة، في اقتراح برغبة ستتقدم به إلى رئيس مجلس الشيوخ ووزير التربية والتعليم، إلى ضرورة إعداد مقترح تشريعي يخول لوزير التربية والتعليم توقيف الطالب لمدة أسبوع عن الحضور للمدرسة حال ثبوت تنمره على زملائه، مع التدرج في العقوبات لتصل إلى الحرمان من دخول امتحانات نهاية العام حال تكرار الفعل، الأمر الذي سيُعرض صاحبه إلى الرسوب.

وتابعت: «نحن بحاجة إلى وضع آليات واضحة لمواجهة ظاهرة التنمر بين طلاب المدارس، لاسيما وأن بعض الطلاب أصبحوا يرفضون للذهاب إلى المدرسة بسبب تعرضهم للتنمر من قبل زملاء أخرين».

وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي أصدر القانون رقم 189 لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937 وذلك بعد موافقة مجلس النواب. وبحسب تم تشديد عقوبة التنمر بإقرار الحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 10 آلف جنيه، ولا تزيد على 30 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة