إذًا لنأكل التفاح..

تكمن سعادة الإنسان في إدراكه حتمية عدم الكمال، تُشقينا قلوبنا حين تحن إلى ما كنا نأمل بقاءه و لم يبقَ. يؤلمنا أننا أبناء الهزيمة ويُخزينا أننا صعدنا إلى النجوم، ولكننا اكتفينا بشي الضأن على حرارتها احتفالًا بهذا الإنجاز ثم عدنا من جديد.

هل نحتمل تلك الهزيمة وتلك اللعنة السيزيفية بأن نصل ولا نستقر، و أن نملك لنفقد، و أن ننتصر في المعارك لنهزم في الحروب؟!!

كل هذه التساؤلات قفزت إلى عقلي دفعة واحدة من شهور بعد خسارتي الأخيرة، كنت أخبر الجميع أنني في الجنة، وشعرت بلا مقدمات أني طُردت منها. هذا الوصف تحديدًا كان محور تفكيري لشهور، هل عندما طُرد آدم من الجنة وحُرم من النعيم بعد أكله تفاحته كانت لعنة موسومة على بني جنسه بألا يذوقوا النعيم ما داموا على الأرض؟ وأن كلما وجدوا جنتهم الخاصة سُلبت منهم لأنهم إن وجدوا الهناء والنعيم فما مغزى النعيم السرمدي والثواب الإلهي؟ وما قيمة الجنة في السماء إن وجدناها هنا على الأرض؟!

حين اكتشف الانسان الزراعة وامتلك أدواتها بدأ ما أسماه المؤرخون بالحضارة،عندها زاد الإنتاج عن الاستهلاك، وكان بمقدور البشرية أن تُعلن نصرها وتقول إنها اكتشفت جنتها الخاصة، وأن أصبح لها في الأرض ألا تجوع ولا تُعرى، ولكن على ما يبدو أن الحياة مصممة لغير ذلك، فابتدعت البشرية الملكية الخاصة وتقسيم الأراضي وتنازع الملكية وامتلاك فائض الحاجة واحتكار الخيارات، وادعت أن هذا هو التحضر وسبيل الإنسانية للتقدم، لتظل الجنة في السماء ويبقى الشقاء هنا على الأرض.

انظر إلى كل حركات التغيير عبر التاريخ وعلى الثورات، ستجد أن أهدافها تم الاحتيال والاستيلاء عليها بشكل أو بآخر، وتعود الجماهير إلى الحتمية الأزلية «الجنة في السماء والشقاء على الأرض»، فالدنيا دار ابتلاء ونحن خُلقنا في كبد

لم تكن هذه اللعنة لعنة جيلي أو لعنتي أنا، لكنها نواميس الحياة، ومهما امتلكنا من الجموح لن نتصدَ للنواميس أو نقدر على تغييرها، نحن لسنا أبناء الهزيمة في حد ذاتها، نحن أبناء الإنسانية بهزيمتها وشقائها، نُفينا إلى الأرض ومهما حاولنا لا نستطيع أن نسرق النعيم من السماء، فقط نستطيع أن نأكل التفاح في كل مرة لنسرق لحظات السعادة.. والمزيد من الألم.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة