عدالة اجتماعية أم عدالة النوع الاجتماعي؟

في اليوم العشرين من شهر فبراير تحتفل الأمم المتحدة باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، والتي تظل هي الهدف الأسمى لأغلب الثورات في بلدان العالم، سعيًا منهم لتحقيقها من خلال المطالبة بتطبيق منظومة كاملة من السياسات الاجتماعية ليس فقط مجموعة من الإجراءات، لضمان العدالة القانونية من خلال تشريعات تحقق مفهوم المواطنة الكاملة لجميع مواطنيها باختلاف نوعهم الاجتماعي وعرقهم وديانتهم أو معتقداتهم، والمطالبة أيضًا بتوفير بيئة آمنة تحمي الحقوق العامة والخاصة للمواطنين، وتحقيق المساواة بين الجنسين، وتوفير الأدوات لكل منهما لتحقيق التكافؤ في الفرص والمهارات والحصول على حياة كريمة.

تعاني النساء حول العالم أنواع مختلفة من القهر  والتمييز على أساس النوع، مع غياب العدالة عنهن بل وانعدام أي ملامح لتكافؤ الفرص، فضلًا عن العداء على المستويين التشريعي (القوانين التي تستخدمها المؤسسات للتمييز ضدها) والاجتماعي (من جهة المواطنين ذو المرجعية الدينية/ الثقافية المعادية للنساء).

ففي مصر  تعاني النساء من غياب تكافؤ الفرص على سبيل المثال في سوق العمل،  فبالرغم من وصول نسبة الفتيات في الجامعات ونسبة النساء من حملة الماجستير والدكتوراه إلى النصف تقريبًا، وصلت نسبة مشاركة المرأة في قوة العمل إلى 15.2 % فقط عام 2021، وبلغ معدل توظيف المرأة 12.8 %. ويعود ذلك أولًا للثقافة الذكورية التي تحرم النساء من فرصهن للحصول على وظيفة بعد التعليم، حتى وإن استمرت لدرجات أعلى من البكالوريوس، حيث تعيش النساء في تنميط مستمر للأدوار الاجتماعية وحصرها بين جدران المنازل للإنجاب وخدمة الزوج ومتعته واحتكار الفرص من جهة الرجال، تحت شعار «هو اللي بيصرف»، لنجد الآن مئات الآلاف من النساء المعيلات مهدورات الحق بسبب منعهن من تطوير مهارتهن أو أدواتهن للحصول على عقد عمل مسجل أو يضمن لهم تأمين طبي وغيره، كما يستغل أصحاب الأعمال حاجة النساء – تحديدًا المعيلات- واضطرارهن للخروج من السجن النمطي لأدوراهن لتوظيفهن برواتب أقل من نظرائهم الرجال، ليعانين ويتحملن العبء الأكبر من الأزمات الاقتصادية.

كما تعيش النساء واقع يومي مجحف بسبب هيمنة الثقافة الأبوية  ذات  المرجعية الدينية على القانون المصري، والتي تحقر وتقلل من شأنهن، وهو ما يتجلى في التصالح مع العنف الجنسي ضد النساء في الشوارع، والحديث كأن النساء ضيوف على الشارع المصري، وتظل ملكيته للمواطن الأول «الرجل»، وتبرير العنف المنزلي من الأب والزوج والأخ، باعتبارهم هم النموذج الإنساني الكامل، أما عن النساء فهن بحاجة إلى تقويم وإعادة توجيه وهو أيضًا ما يكفله القانون بحق التأديب والتعنيف للولي، حيث ينص القانون على أن كل فعل ارتكب بنية سليمة عملًا بحق مقرر بمقتضى الشريعة (وفقًا لمادة ٦٠ من قانون العقوبات المصري لا يسري عليه قانون العقوبات. إلى جانب سقوط الحقوق عن النساء عند ثبوت عدم الطاعة وغيرها من القوانين التي تُعلي من شأن الرجل على حساب النساء، مما يضرب لنا مثالًا صارخًا على انعدام العدالة الاجتماعية والمساواة.

كذلك نرى أيضًا تأثير هذه الهيمنة في افتقارنا لاعتلاء النساء للمناصب العليا أو المشاركة في صنع القرار، بل وتكافح نساء مصر من عشرات السنين لاعتلاء منصة القضاء أو المواقع القيادية.

وبما أن موضوع احتفال الأمم المتحدة هذا العام يأتي تحت عنوان «التغلب على العوائق وإطلاق العَنان لفرص العدالة الاجتماعية»، لذلك نأمل أن نرى تغيير في السياسات العامة في  مصر للعمل على الخروج من حلقة العنف القائم على النوع الاجتماعي، من تغيير للخطاب الديني، ومحاسبة المحرضين والمعادين للمواطنات المصريات، وتغيير الخطاب الإعلامي، والعمل على تطوير المناهج التعليمية في اتجاه احترام النساء واحترام حقوقهن وحريتهن الشخصية. بالإضاقة إلى السعي لتشريع قانون موحد للعنف يوقف النزيف المستمر من أجساد النساء، سواء كان عنف بدني أو جنسي.

في النهاية لا أمل في تعديلات تشريعية من دون تغيير فلسفة القانون ذاته لتحوي مفهوم المواطنة الكاملة لجميع مواطنيها وعدم تغليب طرف على آخر، وتوفير وتمكين النساء من أدوات لتطوير مهارتهن وضمان فعاليتهن كعضو أساسي في سوق العمل، والتوقف عن تصوير حل أزمات النساء من خلال المعونات وصناديق الكفالة الاجتماعية، وكذلك العمل على تمكين اقتصادي للنساء يكفل لهن مستوى معيشة كريمة وخاصة على مستوى الاحتياجات الأساسية.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة