مبادرة إسقاط الديون الأفريقية

في بادرة هي الأولى من نوعها، قامت أحزاب المحافظين والدستور والإصلاح والتنمية بإطلاق مبادرة وقع عليها عدد من الأحزاب السياسية المصرية والأفريقية ومؤسسات المجتمع المدني، للمطالبة بإسقاط عبء الديون عن الشعوب الأكثر فقرًا بالقارة السمراء، والنظر بعين المسئولية إلى قدرتها على الإنتاج والتنمية المستدامة. تعد هذه المبادرة هي الأولى من نوعها التي تطلقها مجموعة من الأحزاب المعارضة المصرية، مما يدلل على وعي تلك الأحزاب بالدور المعارض المنوط بها، فالمعارضة في كل الديمقراطيات هي الجناح الآخر للدولة، ولولا وجودها ما استطاعت أي دولة التحليق والمضي قدمًا للأمام وفتح آفاق المستقبل.

واختيار ملف إسقاط الديون عن دول قارتنا العريقة هو اختيار شديد الذكاء، ويسقط أكثر من عصفور بحجر واحد، فتلك القضية تشغل معظم الشعوب الأفريقية وخاصة الشعب المصري المتأثر بالأزمة الاقتصادية بشكل كبير، فالأزمة نالت من كافة طبقات المجتمع وفئاته، ومن ناحية أخرى لا يستطيع النظام الحاكم توجيه اللوم أو التضييق على تلك المبادرة لأنها ببساطة تصب في مصلحته في المقام الأول حال نجاحها في تحقيق هدفها، ومن جهة ثالثة وضعت المعارضة نفسها في موضوع الشراكة في المسئولية مع النظام الحاكم بطريقة وضع اليد السياسية.

ونتمنى جميعًا سواء المناصرين للنظام أو المعارضين نجاح تلك المبادرة، حتى نرفع تلك الأعباء الملقاة على كاهل المواطن المصري المطحون في دوامة الأزمة الاقتصادية. ولكي تنجح تلك المبادرة لابد من دراسة ملف ديون الدول الأفريقية بشكل عام ومصر بشكل خاص، فديون البلدان الأفريقية تضاعفت 5 مرات خلال الفترة ما بين العام 2000 إلى نهاية 2022 لتتجاوز مبلغ الترليون دولار، وسط توقعات بتعثر كبير عن السداد في العام الحالي 2023.

وتتركز 66% من ديون أفريقيا الخارجية في 9 دول فقط، تتصدرها جنوب أفريقيا بحصة 15% ومصر 13% ونيجيريا 7% وأنجولا 7% والمغرب 6% والسودان 6% وتونس 4% وكينيا 4% وزامبيا 4%. وتشير الإحصائيات إلى وجود 10 دول أفريقية يتجاوز حجم ديونها نحو 75% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي جيبوتي وأنجولا وموزمبيق ورواندا والسودان وتونس وزامبيا وسيشل والرأس الأخضر وموريشيوس. ووفقًا لصندوق النقد الدولي تعاني 22 دولة أفريقية بالفعل من أعباء الديون، أو غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الدائنين، فخلال العقدين الماضيين أفرطت الدول الأفريقية في الاقتراض دون استخدام تلك القروض في تحريك عجلة الإنتاج، الأمر الذي يشكل ضربة مزدوجة للاقتصادات الأفريقية حيث تضغط أقساط الديون البالغة نحو 100 مليار دولار سنويًا على ميزانيات العديد من الدول، وتستقطع أكثر من 15% من الناتج الإجمالي، كذلك فتح الإفراط في الإقراض الباب واسعًا أمام زيادة معدلات الفساد وتوسيع الهوة الطبقية في العديد من البلدان الأفريقية، خصوصًا تلك التي توجد فيها أنظمة حكم هشة أو ديكتاتورية.

وقد أثارت أنباء تخلف غانا عن سداد ديونها الدولية وإعلان نيجيريا عجزها عن تسديد متأخرات تصل إلى 50 مليار دولار من إجمالي ديونها البالغة 102 مليار دولار قلقًا كبيرًا في أوساط المستثمرين العالميين، تلاه تخفيضات في التصنيفات الائتمانية لبعض الدول الأفريقية.

وفي ظل الأوضاع الحالية تواجه الدول الأفريقية المعتمدة بشكل كبير على الديون والتمويلات الخارجية لدعم ماليتها العامة خطرًا حقيقيًا، في ظل توقعات بوقف مؤسسات التمويل الدولية تمويلها للاقتصادات الأقل قدرة على السداد، ويتوقع الخبراء عواقب كارثية يمكن أن تنجم عن التعثر المتتالي عن سداد ديون الدول الأفريقية، وبالفعل بدأت بعض دول القارة المتأثرة أكثر بأزمة الديون في اتخاذ إجراءات سريعة للحد من التأثيرات السلبية واستعادة ثقة المستثمرين، وفي حين لجأت نيجيريا إلى معالجة الأزمة من خلال إعادة هيكلة الدين المحلي البالغ نحو 45 مليار دولار عبر طرح سندات طويلة الأجل للمستثمرين المحليين والدوليين، تتجه جنوب أفريقيا إلى تخفيض قيمة الراند ورفع عوائد السندات والودائع من أجل استعادة تدفق الاستثمار الأجنبي.

وعلى الجانب الآخر بدأت غانا بالفعل في برنامج لهيكلة الديون السيادية المحلية التي تصل إلى 25 مليار دولار، رغم الجدل الكبير الذي صاحب تلك الخطوة التي وصفتها الحكومة بالضروية لمعالجة أزمة الديون الكثيرة. وعجزت غانا بالفعل عن دفع الأقساط المستحقة لمعظم ديونها الخارجية المقدرة ب 30 مليار دولار، في ظل استهلاك أكثر من 70% من الإيرادات في تغطية تكاليف خدمة الدين، مما سبب عجزًا كبيرًا في ميزان المدفوعات، ترتب عليه التوقف عن تسديد مستحقات خدمة الديون، بما في ذلك سندات «اليوروبوندز» ومعظم القروض التجارية والثنائية.

وكل هذه الأمور تضع الدول صاحبة الناتج المحلي المنخفض على مشارف كارثة إنسانية تهدد حق شعوبهم في الحياة وتغرق تلك الدول في دوامة الديون وأقساطها وخدماتها، وعلى الجانب الآخر لم تضع الدول الدائنة والمؤسسات المانحة للديون على حكومات الدول الفقيرة المقترضة أي شروط تتعلق بالحوكمة أو الشفافية أو الديمقراطية أو حقوق الإنسان، بما يضمن استفادة شعوب تلك الدول من هذه الديون بشكل دائم.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة