20 فبراير: بين العدالة الاجتماعية والاستراتيجيات الوطنية

تحتفل الأمم المتحدة ومنظمة العمل الدولية في 20 فبراير باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، الذي حددته الجمعية العامة في نوفمبر 2007، للتذكير بأهمية العدالة الاجتماعية ومناقشة الخطط الدولية لتحقيقها، عبر السعي للقضاء على الفقر والتمييز والبطالة.

تسعى الأمم المتحدة خلال هذا العام لتعزيز الحوار مع الدول الأعضاء والشباب ومنظمات المجتمع المدني وكيانات الأمم المتحدة وغيرها حول الإجراءات اللازمة لتقوية العقد الاجتماعي، الذي تمزق بسبب تزايد الفقر واتساع  أوجه التفاوت داخل البلدان، بالإضافة إلى الصراعات والمآسي الإنسانية التي آثرت على عالم العمل، وضعف المؤسسات العاملة في مجال حماية حقوق العمال.

ومع اختلاف النظريات حول التعريف الأدق للعدالة الاجتماعية، يدور المفهوم حول تمتع الجميع بحقوق أساسية متساوية، ضمن نظام اقتصادي قائم على المساواة والمشاركة والتنوع واحترام حقوق الإنسان، ويضمن للجميع الوصول إلى الموارد.

فيما شددت توصيات المنظمة لهذا العام على ضرورة اتخاذ إجراءات للتصدي لأوجه الفقر المتزايدة، وتمكين النساء والفتيات، والتصدي لحالة الطوارئ المناخية.

عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية

كانت العدالة الاجتماعية هي المطلب الثالث لثورة 25 يناير، التي دعت إلى العيش بحرية وكرامة إنسانية تحت ظلال العدالة الاجتماعية، وهو ما أكدت عليه المواثيق والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر، كما أكد عليه الدستور المصري في المادة (8) من الباب الثاني التي نصت على أن: «يقوم المجتمع على التضامن الاجتماعي. وتلتزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سبل التكافل الاجتماعي، بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين، على النحو الذي ينظمه القانون».

ويعود الدستور في المادة (27) للتأكيد على أن: «يهدف النظام الاقتصادي إلى تحقيق الرخاء في البلاد من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، بما يكفل رفع معدل النمو الحقيقي للاقتصاد القومي، ورفع مستوى المعيشة، وزيادة فرص العمل وتقليل معدلات البطالة، والقضاء على الفقر. ويلتزم النظام الاقتصادي بمراعاة الاتزان المالي والتجاري والنظام الضريبي العادل، وضبط آليات السوق، والتوازن بين مصالح الأطراف المختلفة، بما يحفظ حقوق العاملين ويحمي المستهلك. ويلتزم النظام الاقتصادي اجتماعيًا بضمان تكافؤ الفرص والتوزيع العادل لعوائد التنمية وتقليل الفوارق بين الدخول والالتزام بحد أدنى للأجور والمعاشات يضمن الحياة الكريمة، وبحد أقصى في أجهزة الدولة لكل من يعمل بأجر، وفقاً للقانون».

وفي فبراير 2016، أطلق الرئيس السيسي استراتيجية التنمية المستدامة: رؤية مصر 2030، التي ترتكز على الارتقاء بجودة حياة المواطن المصري وتحسين مستوى معيشته في مختلف نواحي الحياة من خلال التأكيد على ترسيخ مبادئ العدالة والاندماج الاجتماعي ومشاركة كافة المواطنين في الحياة السياسية والاجتماعية. وتتمثل رؤية الاستراتيجية للعدالة الاجتماعية في «بناء مجتمع عادل متكاتف يتميز بالمساواة في الحقوق والفرص الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وبأعلى درجة من الاندماج المجتمعي، مجتمع قادر على كفالة حق المواطنين في المشاركة والتوزيع العادل في ضوء معايير الكفاءة والإنجاز وسيادة القانون، ويحفز فرص الحراك الاجتماعي المبني على القدرات، ويوفِّر آليات الحماية من مخاطر الحياة، ويقوم على التوازي بمساندة شرائح المجتمع المهمشة ويحقق الحماية للفئات الأولى بالرعاية».

أطلق الرئيس أيضًا في سبتمبر 2021 الاستراتيجية الوطنية الأولى لحقوق الإنسان، والتي تمت بلورتها ضمن عدة محاور رئيسية، بينها الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية داخل البلاد. تذكر الاستراتيجية أن رؤية الدولة التنموية ترتكز على مفاهيم النمو الشامل والمستدام والمتوازن، بما يتيح التوزيع العادل لعوائد التنمية، وتحقيق أعلى درجات الاندماج المجتمعي لكل الفئات، وضمان حقوق الأجيال الحالية والقادمة في استخدام الموارد، وضمان الحق في الصحة، والحق في الضمان الاجتماعي، والحق في الغذاء، والحق في السكن، وهو ما تنص عليه كافة مفاهيم العدالة الاجتماعية.

على أرض الواقع، وبينما يستشهد المسئولون بمبادرات وبرامج مثل «حياة كريمة» و«100 مليون صحة» و«تكافل وكرامة» للدلالة على جهود الحكومة لتوفير حياة أفضل لمحدودي الدخل، لا زال المعارضون يشيرون إلى الإشكاليات الحالية الموجودة في قانون التأمينات الاجتماعية، خاصة مع ضم كافة التأمينات تحت غطاء «تكافل وكرامة»، في الوقت الذي يصرف فيه البرنامجين – «تكافل» و«كرامة» – معاشات ضئيلة تبلغ قيمتها 325 جنيه شهريًا تقريبًا، كما أن البرامج وقفت صرف المعاشات لبعض الفئات والأشخاص بسبب الحصول على مساعدات من الجمعيات الأخرى، وأخرجت آخرين ممن صنفتهم «غير مستحقين» من مظلة التأمينات. فيما شهدت مخصصات معاش الضمان الاجتماعي وبرامج «تكافل وكرامة» ثباتًا في الموازنة الجديدة، رغم الزيادة المتوقعة في أعداد المعرضين إلى الفقر والفقر المدقع نتيجة الأوضاع الاقتصادية المتدنية.

هذا ولم يتم حتى اليوم إقرار قانون العمل الجديد، وتم إرجاء مناقشته خلال دور الانعقاد الحالي بالبرلمان، لوجود بعض النقاط الخلافية في القانون الذي يواجه الكثير من الانتقادات، بينها انتقادات من منظمات المرأة لتمييزه الصريح بين النساء والرجال، فعلى سبيل المثال لا يشمل قانون العمل الحالي النساء العاملات بالزراعة أو العمالة المنزلية، كما تظل بعض مواده غير مفعلة، مثل المادة 60 التي تلزم صاحب العمل الذي يستخدم مائة عاملة فأكثر في مكان واحد أن ينشئ دارًا للحضانة. كذلك تظل المواد المفعلة غير كافية لحماية حقوق العمال، وتظل العقوبات المفروضة على أصحاب العمل غير رادعة. إلى جانب غياب دور مكاتب العمل في المراقبة على أماكن العمل المختلفة.

وبينما يكفل الدستور المصري حد أدنى مناسب للأجور، لا يوجد حد أدنى تشريعي يطبق على العاملين في كافة القطاعات – العام والخاص- بحدٍ سواء. هناك أيضًا فرق شاسع بين الأجور في القطاعات الأدنى والأعلى أجرًا، فعلى سبيل المثال، بلغ متوسط أجور العاملين في قطاع التعليم في عام 2019 10.8 جنيه مصري للساعة، بينما بلغ متوسط أجر العاملين في قطاع الوساطة المالية والتأمين 70.4 جنيه مصري للساعة، بحسب نشرة التوظيف والأجور وساعات العمل لعام 2019 الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. هذا بالإضافة إلى الفجوة في الأجور بين الجنسين وغياب زيادات حقيقية في الأجور المتقاضاة في كافة القطاعات.

وفي أحدث تعداد للسكان وفئاتهم العمرية الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغت معدلات بطالة الشباب في الفئة العمرية 15-29 لعام 2019 نسبة 16.7%، وتمثل هذه المعدلات اتجاهًا هابطًا في معدلات البطالة لهذه الفئة العمرية من 25.9% إلى 24.8% ثم 22.5% في السنوات 2016 و2017 و2018 على التوالي. بحسب مؤشر التقدم الاجتماعي. أما بالنسبة لتقديرات المعدلات العامة للبطالة فقد بلغت 12.5%، و11.8%، و9.9% لنفس السنوات.

في مصر 30 مليون فقير.. وانخفاض الإنفاق على الصحة والتعليم

ورغم إطلاق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في 2014، ثم إطلاق المرحلة الثانية منها في عام 2019، تستمر مصر في التراجع على مؤشر الفساد الخاص بمنظمة الشفافية الدولية، الصادر في 31 يناير الماضي، والذي يعتمد في قياسه على سلوكيات ترتبط بالرشوة واختلاس المال العام واستغلال السلطة لتحقيق مصالح شخصية والمحسوبية في مجال الخدمة المدنية، حيث احتلت مصر المركز الـ 130 بين 180 دولة، بتراجع 3 درجات عن العام قبل الماضي الذي كانت فيه بالمركز 127.

من ناحية أخرى، بلغ معدل الفقر في مصر خلال العام 2019/ 2020 نحو 29.7%، أي ما يقرب من 30 مليون مصري، حسب بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. كما بلغ معدل الفقر المدقع، أي عدم القدرة على الإنفاق للحصول على الغذاء فقط – تكلفة البقاء على قيد الحياة- 4.5%. فيما لا يستطيع 42.8% من سكان الصعيد الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من الغذاء وغير الغذاء.

ويعد الحق في الصحة حق شامل، وينص الدستور المصري على التزام الحكومة بتحقيقه. وبينما يتمثل هدف رؤية مصر 2030 في خفض الإنفاق الشخصي على الصحة إلى 28٪ بحلول عام 2030، تتحمل الأسر المصرية أكثر من 59% من إجمالي المصروفات على الصحة من الجيب، ما يتسبب في إفقار خمس الأسر المصرية سنويًّا، ووصول 6% منهم إلى فقر مدقع، وهو ما يساهم بشكل أساسي في تزايد فجوة العدالة الاجتماعية، بحسب تقرير المباردة المصرية للحقوق الشخصية عن الحق في الصحة لعام 2018.

وفقًا لحسابات المبادرة، انخفض إنفاق الدولة على الدعم في الموازنة، وخاصة على البنود التي يستفيد منها القطاع العائلي، مثل دعم التأمين الصحي والأدوية الذي انخفض نسبيًا رغم استمرار وباء كورونا، ودعم المواد البترولية الموجه إلى القطاع العائلي الذي تراجع من 5.6 مليار جنيه إلى 3.7 مليار جنيه.

تؤكد أحدث الأرقام الرسمية المنشورة أن الدولة ما زالت بعيدة عن المسار الصحيح لتحقيق هذه الأهداف. فوفقًا لأحدث بيانات الإنفاق الصحي المتاحة عن بيانات مصر بموقع البنك الدولي لعام 2019، شكل الإنفاق الصحي من الجيب الخاص 62.7٪ من إجمالي الإنفاق الصحي في مصر، وفقًا للمنشور بـ«مؤشر التقدم الاجتماعي» – الذي يقيس ستة مواضيع: الصحة، والتعليم، والعمل، والعمران، والغذاء والمياه والأرض الزراعية، والسياسات الاقتصادية كعامل محدد للتقدم الاجتماعي.

كما ذكر تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء حول «إنفاق الأسرة المصرية على الخدمات والرعاية الصحية»، أن الإنفاق على الصحة والخدمات الصحية عامي 2017/2018 كان المصدر الثالث لإنفاق الأسرة المصرية بعد الطعام والشراب والمسكن. وبحسب «مؤشر التقدم الاجتماعي»، فمثل هذه النسبة المئوية المرتفعة للإنفاق الشخصي تعد انعكاسًا لعدم كفاءة النظام الصحي والفوضى وانعدام التنظيم في السوق الطبية، مما يؤدي إلى لجوء الكثيرين إلى القطاع الخاص لتلبية احتياجات الرعاية الصحية الخاصة بهم. كما يذكر المؤشر أنه وفقًا لبيانات يونيو عام 2017 المقدمة من الهيئة العامة للتأمين الصحي، فإن 58.8٪ من السكان فقط مؤمن عليهم بموجب مخطط التأمين الصحي الوطني، وبناءً على هذه الأرقام، يعيش ما يقرب من نصف الأسر المصرية دون أي نوع من تغطية التأمين الصحي.

وبينما يُلزم الدستور الدولة بإنفاق ما لا يقل عن 4% من الناتج القومي الإجمالي لها على التعليم، سارت الحكومة في مجمل إنفاقها خلال السنوات السابقة لعام 2020 في اتجاه معاكس تمامًا لالتزاماتها الدستورية، بينها الإنفاق على قطاع التعليم، ومحاولة زيادة العائدات من خلال التوسع في ضرائب الاستهلاك المباشرة على المواطنين، كضريبة القيمة المضافة، أو رفع قيمة كثير من الرسوم المحصلة من المواطنين نظير خدمات بعينها، بحسب نص الدعوى القضائية التي أقامتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية لإلزام الحكومة برفع قيمة الإنفاق على التعليم.

فيما حذر البنك الدولي في 3 أكتوبر الماضي من تراجع حجم الإنفاق على التعليم في مصر، موضحًا أن هذا التراجع سيؤدي إلى نقص أعداد المعلمين والفصول، مما يضع التعليم العام في البلاد تحت ضغط كبير.

وبخلاف أزمات المناهج الدراسية، يعاني التعليم في مصر من عدة مشكلات، أبرزها نقص المعلمين نتيجة وقف التعيينات الجديدة، في وقت ترتفع فيه أعداد طلاب المدارس بكثافة. وبحسب البنك الدولي أدى نقص المعلمين واكتظاظ الفصول الدراسية إلى انخفاض جودة التعليم المقدم، في ظل تولي الوزير الجديد رضا حجازي حقيبة التربية والتعليم، خلفًا لطارق شوقي الذي أثارت خطته الإصلاحية لقطاع التعليم جدلًا واسعًا على مدى الأعوام الأخيرة. إلى جانب ضعف رواتب المعلمين وعدم تناسبها مع ارتفاع الأسعار.

مصر السادسة عالميًا في ارتفاع أسعار الغذاء

ووفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ارتفعت معدلات الفقر لتصل إلى 32.5% من عدد السكان بنهاية العام المالي 2017/ 2018، ثم انخفضت في 2019/ 2020 إلى 29.7%، لكن تظل هذه النسبة أعلى من عام 2015 البالغة 27.8%.

يرجع المسؤولون السبب الرئيسي في ارتفاع معدلات الفقر إلى تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي في السنوات الأخيرة، وهو ما تطلب تكلفة على المجتمع و الدولة، بينما أثرت «الإصلاحات الاقتصادية» المزعومة على الظروف المعيشة للمواطن العادي، خاصة مع تحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار، الذي يسجل اليوم 30.65 جنيه مصري وفقًا لبيانات البنك المركزي، وهو ما ضاعف المعاناة على كاهل المواطن المصري، مع ارتفاع معدل التضخم السنوي إلى 25.8% خلال يناير من العام الحالي، مقارنة مع 21.3% خلال ديسمبر الماضي، ليرتفع على أساس شهرى بمعدل يصل إلى 4.7%، بحسب بيان للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في 9 فبراير الجاري، أرجع فيه الجهاز الزيادة في معدل  التضخم إلى ارتفاع أسعار الطعام والمشروبات، فيما سجل معدل التضـخم السنوي لإجمالي الجمهورية (26.5%) لشهر يناير 2023 مقابل (8.0%) لنفس الشهـر من العام السابق.

كما صنفت مصر في المرتبة السادسة عالميًا في ارتفاع أسعار الغذاء، وفق أحدث تقرير صادر عن البنك الدولي بعنوان «أمن غذائي» حول ارتفاع معدلات التضخم للسلع الغذائية عالميًا. حيث كشف التقرير أن مصر من بين أكثر الدول عالميًا تأثرًا بموجه التضخم في أسعار السلع الغذائية، مع تحقيقها معدل 37.3 % تضخم (زيادة) في أسعار السلع الغذائية خلال عام 2022، وتحقيق نسبة 16% تضخم حقيقي لأسعار الغذاء جعلها سادس أعلى دولة في العالم.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة