«حرية الفكر والتعبير» ترصد الانتهاكات التي تواجه الصحفيين والإعلاميين المخلى سبيلهم

أصدرت مؤسسة «حرية الفكر والتعبير» ورقة بحثية بعنوان: «لا يزالون سجناء.. هل تنتهي معاناة الصحفيين بالإفراج عنهم؟»، لرصد الانتهاكات التي يواجهها الصحفيون المخلى سبيلهم في قضايا سياسية، والتي  تمنعهم من استكمال مسيرتهم الصحفية، مثل صعوبة العودة إلى العمل والمنع من السفر، وعدم وجود قنوات أو جهات رسمية يمكن اللجوء إليها لحل النزاعات، إلى جانب صعوبة استخراج الأوراق الرسمية.

وأشارت المؤسسة إلى أن أوضاع حقوق الإنسان في مصر في السنوات التسع الأخيرة تعاني من انتهاكات ممنهجة ومستمرة من قبل السلطات المصرية، وفي هذا السياق تعرضت حرية التعبير لتضييقات وانتهاكات من خلال ملاحقات أمنية طالت أغلب فئات المجتمع على خلفية تعبيرهم عن رأيهم أو معارضتهم سياسات وآراء السلطة المختلفة، ويأتي الصحفيون على رأس المستهدفين.

نتج من هذه الملاحقات عشرات المحبوسين من الصحفيين على ذمة قضايا سياسية تتعلق بعملهم الصحفي، بحسب الورقة، ومع خروج عدد من المحبوسين على ذمة هذه القضايا، وبالتزامن مع دعوة الرئيس السيسي إلى إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي، ظهرت انتهاكات ومشكلات متكررة ومماثلة، تتمحور حول صعوبة عودة من تم الإفراج عنهم إلى أعمالهم وحياتهم الطبيعية، كعدم التمكن من السفر، أوعدم القدرة على التصرف فى الأموال واستخراج الأوراق الرسمية.

وبحسب ما رصده تقرير المؤسسة، واحدة من أبرز الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون والإعلاميون بعد الخروج من الحبس هي عدم القدرة على التنقل، حيث ذكرت العديد من الشهادات التي استند إليها التقرير تعرض الصحفيون للتوقيف الأمني المباشر بعد الحبس في الأكمنة، وعدم القدرة على التنقل داخل المحافظة ليلًا، بل وصل الأمر إلى عدم القدرة على التنقل بين المحافظات، كما في حالة الصحفي عادل صبري المدير العام لموقع «مصر العربية»، الذي ظل محبوسًا احتياطيًّا من 3 إبريل 2018 حتى 27 يوليو 2020 على ذمة القضية 441 لسنة 2018 حصر أمن دولة عليا، فتمثل جزء من معاناته في وضع النائب العام ختمًا على رخصة القيادة الخاصة به مكتوب عليه: «يحظر التعامل معه أمنيًّا».

 وبحسب شهادة صبري بالتقرير: «أعاني من حظر التعامل معي أمنيًّا نتيجة وجود ختم مكتوب عليه ذلك على رخصة القيادة الخاصة بي بقرار من النائب العام، وبالتالي لا أستطيع الخروج ليلًا أو التنقل بين محافظات الجمهورية، حتى لا أتعرض للتوقيف الأمني في الأكمنة، وكأني لص، فأنا لا أزال محبوسًا على الأقل داخل السجن، كنت قادرًا على التريض الخروج لمدة ساعة من الزنزانة أما الآن فلا أستطيع».

كما استشهد التقرير بعدة شهادات اشترك أغلبها في الانتهاكات رغم تنوعها، فمعاناة صبري يعيشها يوميًّا أغلب الصحفيين المفرج عنهم، فلم يستطع المصور الصحفي حيدر قنديل التنقل ليلًا نتيجة التوقيف الأمني. أُلقي القبض على قنديل من منزله في مدينة طنطا بمحافظة الغربية في 30 ديسمبر 2019، وبعد ما يقرب من خمسة أشهر قضاها بين القسم والسجن بطنطا تم إخلاء سبيله في 16 أغسطس 2020 بكفالة 5 آلاف جنيه ووضعه تحت المتابعة الأسبوعية.

وإلى جانب التوقيف الأمني، تأتي أزمة المراقبة والتدابير الاحترازية  كانتهاك أخر يتعرض له الصحفيون بعد الخروج من السجن، حيث يقضي عدد من المحبوسين السابقين نوبة مراقبة شرطية ليلية تلزمهم بالمبيت في قسم الشرطة يوميًّا أو أسبوعيًّا كعقوبة تكميلية بعد خروجهم من السجن أو كبديل من الحبس الاحتياطي، وتعد فترة المراقبة اللاحقة شكلًا آخر للاحتجاز التعسفي الذي تمارسه الحكومة المصرية ضد عدد كبير من الصحفيين والإعلاميين، بحسب الورقة، كذلك يعد المصور الصحفي محمود أبو زيد الشهير بـ«شوكان» واحدًا من أشهر الصحفيين المفرج عنهم والذي يتعين عليه أن يقضي كل يوم 12 ساعة في قسم الشرطة التابع له سكنه، من السادسة مساءً حتى السادسة صباحًا، بعد نحو 700 يوم من الحبس قضاها بعد القبض عليه أثناء تغطيته فض اعتصام رابعة العدوية.

أوضح التقرير أن التدابير الاحترازية يتم استخدامها كأداة عقابية من قبل الحكومة ضد الصحفيين بعد الخروج من السجن، مستشهدًا بعدد من الشهادات بينها شهادة الصحفي  مجدي علي (اسم مستعار)، وهو أحد الصحفيين بقناة الجزيرة، والذي قضى 51 شهرًا من احتجازه على ذمة التحقيقات، في التدابير الاحترازية التي تتضمن المبيت ليلتين أسبوعيًّا بمجمع محاكم بدر بالسويس، وهي معاناة مستمرة لا تنتهي بالخروج من الحبس.

وطبقًا للشهادات التي حصلت عليها وحدة الرصد والتوثيق من صحفيين تم إلقاء القبض على خلفية عملهم الصحفي، يقول العديد من الصحفيين إنهم يواجهون صعوبة في العودة إلى أعمالهم ومواصلة حياتهم بشكل طبيعي. بالإضافة إلى عدم قدرتهم على العمل الميداني  لما يشكله الأمر من خطورة أمنية عليهم، كما لا يمكن التغاضي عن أن الصحفيين المحكوم عليهم بسنوات من المراقبة أو التدابير الاحترازية لا يمكنهم الالتزام بعمل بدوام كلي.

وبالإضافة إلى اصطدام  بعض الصحفيين والإعلاميين بقرارات المنع من السفر، والتي تم استخدامها  في السنوات الأخيرة كوسيلة للتنكيل بالصحفيين والمعارضين، حيث تكررت وقائع المنع من السفر ضد الصحفيين سواء كانوا سجناء سابقين أو لا، بسبب نشاطهم المتعلق بعملهم الصحفي أو حقهم في حرية التعبير.

وفي هذا السياق أشارت الورقة الصادرة عن «حرية الفكر والتعبير» إلى سوء الأوضاع المادية التي يعانيها الصحفيون بعد الخروج من السجن، فقد تتسبب فترات الحبس، خاصة الطويلة، في إنفاق مبالغ مالية ضخمة من أسر الصحفيين على ذويهم، متمثلة في الإعاشات الأسبوعية من مأكل وملبس وأموال يتم وضعها في «كنتين» السجن للسجين حتى يستطيع الإنفاق من الداخل، فضلًا عن السجائر التي يتم التعامل بها داخل السجن كعملة، إلى جانب مصاريف التنقل التي تمثل عائقًا آخر خاصة للأسر القادمة من محافظات بعيدة لزيارات في السجون المركزية، ما أدى إلى إصابتهم بضوائق مالية وتزايد الديون التي تنتظرهم بعد الخروج من السجن، هذا إلى جانب فصل الكثير منهم من العمل تعسفيًّا وعدم القدرة على العودة إليه مرة أخرى، وعدم توافر فرص عمل للمساجين السابقين منهم.

كما أكد التقرير على أن هذه الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون المحبوسون سابقًا هي ممارسات غير قانونية، حيث لا توجد قيود قانونية تمنع عودة الصحفيين إلى عملهم بعد الإفراج عنهم، فيمنع قانون الخدمة المدنية المصري إنهاء خدمة الموظف ما لم يتم الحكم عليه بعقوبة جنائية أو عقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف والأمانة أو تفقده الثقة والاعتبار، لكنه يجيز إنهاء عمله إذا انقطع عن العمل لمدة 15 يومًا متصلة أو 30 يومًا منفصلة دون إذن أو عذر مقبول، وهي الحالات التي لا تنطبق على الصحفيين المحبوسين على خلفية قضايا رأي.

وبالتأكيد لا توجد قيود تمنع الصحفيين من السفر، ويعتبر امتناع النيابة عن إصدار شهادة تفيد بالمدة التي قضاها الشخص في الحبس فعلًا غير قانوني، وعادة ما ترفض النيابة إصدار مثل هذه الشهادات، لأنه في بعض الحالات يتجاوز المتهم الحد القانوني للحبس الاحتياطي، وهو عامين كحد أقصى.

الجدير بالذكر أن مصر احتلّت في 2022، المرتبة 168 في قائمة تضمّ 180 دولة يشملها تصنيف منظمة «مراسلون بلا حدود لحرية الصحافة». ولم يصدر بعد رد من الحكومة المصرية على تقرير المنظمة.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة