الفاجومي الذي أثار الجدل في كل العصور

أثارت سيرة الشاعر أحمد فؤاد نجم الجدل على وسائل التواصل والإعلام خلال الأيام الماضية، بعد انتقاد الإعلامي محمد الباز لرجل الأعمال نجيب ساويرس، على خلفية السِجال الدائر بينهما منذ فترة، والذي نتج عنه إقحام الباز للشاعر الراحل في المشاجرة الكلامية.

أشار الباز إلى أن علاقة نجم وساويرس بدأت حينما رفضت دار الأوبرا توفير قاعة لأصدقاء «الفاجومي» من أجل إقامة عيد ميلاده. وأضاف: «نجيب ساويرس قاله تعالى هعملك عيد ميلادك، وقتها عادل حمودة، كتب مقال في الأهرام بعنوان (الجياد لا تباع في السوبر ماركت)، لأنه كان شايفه شاعر ثوري واستصعب أنه يروح يرمي نفسه في أحضان ساويرس، اللي هو عكس كل ما يمثله نجم». ووصف الباز نجم بأنه يشبه طلعت حرب.

وردت نوارة نجم، ابنة الشاعر الراحل، على هجوم الباز ببيان رسمي عبر صفحتها على فيسبوك. وتحدثت عن جائزة الأمير «كلاوس» الهولندية المرموقة التي منحها لنجم عام 2013 لإبداعه الشعري الحقيقي مستخدمًا العامية العربية التي تتصل بشكل كبير بالشعب، ولاستقلاله، ولنزاهته التي لا تقبل المساومة، ولالتزامه الشجاع والدئب بالنضال من أجل الحرية والعدالة، ولقوله الحق في وجه السلطة، وفقًا لخطاب لجنة الجائزة عن حيثيات منحها لنجم.

وأوضحت نوارة، أنها حررت محضرًا، الاثنين، ضد الباز في مباحث الإنترنت. متابعة: «مفيش حاجة اسمها فرصة للتصالح».

فيما كتب المخرج مراد منير، على فيسبوك: « نجم شاعر كتب لي أشعار مسرحيتي الجميلة (الملك هو الملك) التي غناها محمد منير ولم يقبض فيها جنيه واحد.. ثم كتب لي مسرحية (لولي) التي اعتبرها النقاد درة المسرح الغنائى مقابل سبعة آلاف جنيه قبل الضرائب بعد ما دوخته فى كتابتها تسعة أشهر.. نجم عاش ومات فقيرًا، وحين زرناه في دمشق سدد الدكتور هاني عنان ديونه المتراكمة، والتي أدت لقطع خط تليفونه ودفا حجرته المتواضعة. عشت مع نجم عشرين سنة فى الغورية وسوريا وقبرص وباريس ولم ألمح في جيبه سوى فتات النقود، وأشهد أنه رفض أن يبيع ضميره وشرفه طول عمره رغم المغريات الكثيرة».

وأضاف منير: «إلى نوارة نجم إذا لجأتِ للمحكمة سأشهد معك لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس».

من هو نجم؟

ولد أحمد فؤاد نجم «الفاجومي» عام ١٩٢٩ في كفر أبو نجم بالشرقية. وهو شاعر بارع، وناقد اجتماعي وسياسي، عرف في الدوائر الثقافية بقيمة وبلاغة وجمال أعماله، بداية من قصائد الحب وحتى أشعاره الأكثر راديكالية في سخريتها اللاذعة، حيث نقل العامية العربية شديدة التعقيد والدقة إلى مستويات غير مسبوقة.

ويعد أحمد فؤاد نجم من أهم شعراء العامية المصرية، وتميزت أشعاره بمضمونها الثوري، وقد شكل مع رفيق دربه الشيخ إمام ثنائيًا اشتهر خلال عقدي السبعينيات والثمانينات من القرن الماضي.

كانت النكسة نقطة التحول في مسيرة إمام ونجم الفنية، إذ تحولا بعدها إلى مجال الأغنية السياسية، مما أدى إلى اعتقالهما عدة مرات، ولاسيما في عهدي جمال عبد الناصر وأنور السادات.

بداية من عام 1951، كان أحمد فؤاد نجم في فايد، إحدى مدن القناة، والتي كانت في ذلك الوقت مركز تجمع لمختلف القوى السياسية والعمالية، خاصة الشيوعيين. عمت المظاهرات مختلف أرجاء مصر في تلك الفترة، وشارك فيها الفلاحون والطلبة والعمال، وانضم نجم إلى تلك الحركات الاحتجاجية التي كانت تطالب بإلغاء معاهدة 1936 بين مصر وإنجلترا.

كان لتلك الفترة أثر كبير ومهم على حياة نجم، فقد تمكن خلالها من قراءة عدد كبير من الكتب، أولها رواية «الأم» لـ«مكسيم جوركي» التي وصفها قائلًا: «شكلت بداية وعيي الحقيقي والعلمي بحقائق هذا العالم, والأسباب الموضوعية لقسوته ومرارته».

خلال فترة الخمسينيات، اعتقل أحمد فؤاد نجم وذهب إلى السجن بتهمة التزوير، وهناك استطاع أن يلتقي بعدد من سجناء الرأي الذين كان معظمهم من الشيوعيين، وهكذا كان يستمع إلى مناقشاتهم وحواراتهم، بالإضافة إلى ما كانوا يلقونه من قصائد، وخصوصًا للشاعر «فؤاد حداد». وقد أورد نجم خلاصة تجربته في السجن في ديوانه الأول «صور من الحياة والسجن».

وبعدما تم الإفراج عن أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام، بعد تولي أنور السادات رئاسة مصر، عاد الاثنان إلى ممارسة نشاطهما السياسي، واستمر نجم في كتابة القصائد السياسية التي كان الشيخ إمام يغنيها في المظاهرات وضمن الأمسيات التي كان الطلاب يعقدونها في الجامعة.

وفي السبعينيات من القرن الماضي، كان نجم وإمام نزيلين شبه دائمين في السجون المصرية، وخاصة بعدما بلغ خلافهما مع السادات أشده، حين هاجمه نجم في سلسلة قصائد لاذعة سخرت منه سخرية حادة أشهرها: «شعبان البقال»، و«بيان هام»، و«شيد قصورك» وغيرها.

من ناحية أخرى، كانت علاقة نجم بالطبقة الثقافية والفنية في مصر مضطربة للغاية، فقد ألف عدة قصائد هجاء لرموز الفن والأدب في مصر، مثل صلاح جاهين وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ وعبد الرحمن الأبنودي ومحمد حسنين هيكل. وفي المقابل، كان له قصائد كثيرة في مدح الزعماء مثل «تشي جيفارا» الذي كتب عنه القصيدة الشهيرة «جيفارا مات»، كما ألف قصيدة عن الزعيم الفيتنامي «هوشي منه»، وقد غنى الشيخ إمام القصيدتين.

وألف نجم قصائد عديدة عن فلسطين، أبرزها «يا فلسطينية»، و«تل الزعتر»، و«في ذكرى الميلاد العشرين».

كما صدر بحق نجم قرار منع من السفر، تم إلغائه في الثمانينات، وسافر بصحبة الشيخ إمام  في جولة فنية شملت عددًا من الدول العربية والأوروبية مثل تونس، والجزائر وفرنسا وألمانيا، بصحبة الشيخ أمام.

تزوج نجم  العديد من المراد، وله ثلاث بنات هن: عفاف، ونوارة، وزينب. وأشهر  زوجاته الفنانة عزة بلبع، والكاتبة والناقدة صافيناز كاظم، والدة نوارة.  

توفى أحمد فؤاد نجم في القاهرة في ديسمبر 2013، عن عمر يناهز 84 عامًا، بعد عودته مباشرة من العاصمة الأردنية عمان التي أحيا فيها آخر أمسياته الشعرية، بمناسبة ذكرى اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، لتختتم بذلك مسيرة شاعر أبى إلا أن يكون ناطقًا باسم الجماهير العربية ومدافعًا عنها.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة