الثورة ما زالت مستمرة!

تحل علينا الذكرى الثانية عشرة لثورة يناير المجيدة، ثورة الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، وبعد ما آلت إليه الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحالية نواجه أنفسنا ببعض التساؤلات الهامة. هل حققت الثورة أهدافها؟ هل نندم حقًا على يناير؟ وماذا بعد ٩ سنوات من حكم الرئيس السيسي وسيطرة الجيش على مفاصل الدولة ومقاليد الأمور؟

هل كان يستحق أن نثور على الإخوان أم نمنحهم الفرصة؟ هل أخطأنا الحسابات؟

‎هل أخطانا من بداية الأمور عندما قالها الرئيس المخلوع مبارك «أنا ومن بعدى الفوضى»؟

‎هل كان يتنبأ بالأحداث؟ أم أنه كان علم مسبق بما سيفعله الجيش؟

‎هل حقق الرئيس السيسي ما وعد به المصريين؟

زى النهاردة..

ومن المفارقات العجيبة أن ثورة يناير قد اندلعت متزامنة مع عيد الشرطة، التي كانت ممارستها سببًا رئيسًا في إشعال فتيل الشرارة الأول لهذه الغضبة العارمة، وخروج الملايين اعتراضًا على ممارسات العنف والقمع والتعذيب التى كانت تنتهجها الداخلية مع معارضيها. وقد اندلعت كثاني ثورة في ثورات الربيع العربي بعد الثورة التونسية، في 25 يناير 2011، الذي جاء موافقًا للاحتفال بعيد الشرطة.

ضمت الثورة جميع الأطياف السياسية والمجتمعية والحركات الثورية، بينها «حركة كفاية» التي تأسست قبل الثورة بسنوات للمطالبة بالتغيير، وحركة «شباب 6 أبريل» ومجموعات الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» و «تويتر»، ومن أشهرها مجموعة «كلنا خالد سعيد» وشباب الإخوان.

واحتجاجًا على الأوضاع المعيشية والسياسية والاقتصادية السيئة، وكذلك على ما اعتبر فسادًا في ظل حكم الرئيس محمد حسني مبارك، بدأت الدعوة للثورة بإضراب سلمي يوم 6 أبريل 2008، وسرعان ما استجاب ما يقرب من 70 ألف من مواطني مدينة المحلة الكبرى، وتبعها جميع محافظات الجمهورية، فيما يري آخرون أن ما حدث لم يكن سوى محض مؤامرة شاركت فيها أطراف داخلية وخارجية عديدة، ومحاولة إشاعة أن التحديات الخارجية وتحدي الاٍرهاب في الداخل ليس سوى ذريعة لتبرير الاستبداد السياسي وانتهاكات حقوق الإنسان وهيمنة المؤسسة العسكرية على المجال السياسي، وإيهام المواطن بأن هذه التحديات والمشكلات غير حقيقية أو محض مبالغات، ما يشكل خطأً بالغًا في معالجة المخاطر العديدة التي تحيط بالبلاد، حتى وإن تباينت درجاتها ومدى أو حجم مصداقيتها.

A general view shows Tahrir Square, after its renovation, following the outbreak of the coronavirus disease (COVID-19), in Cairo, Egypt July 13, 2020. Picture taken July 13, 2020. Picture taken with long exposure. REUTERS/Mohamed Abd El Ghany

ميدان الثورة

اختلفت الأجواء في الميدان بعد 11 عامًا، توسطته مسلة أثرية وأربعة كباش، بعد خضوعه لعملية تطوير في أبريل الماضي: الميدان أصبح أنظف وأجمل، لكن مطالبنا لم تتحقق بعد. يفتقد الروح والجمال، فقد تغيرت تمامًا ملامحه فصار محاطًا بكم من عربات الشرطة لا مثيل لها وكأنهم يحاصرون عدوًا ليس مكانًا. فهل حقًا كانت محاولة لتطوير الميدان أم تعمد لتشويه رمز الثورة؟!

الثورة لا تقتصر على ميدان التحرير، الثورة قائمة في كل ميادين مصر إن باتت المواجهة حتمية: إن النظام الحالي يريد إزالة الروح الثورية من الشارع المصري والشباب، في الوقت نفسه لم يعد الناس يهتمون بمطالب الثورة، بدليل فشل كل دعوات التظاهر طيلة السنوات الماضية. فالشعب أصبح مهمومًا بلقمة عيشه وتدبير يومه في ظل جنون الأسعار الذي نشهده.

نجونا من فخ التوريث

ووقعنا في فخ توريث الأشد ظلمًا وفتكًا، وفي ظل الأزمات التي نعيشها تتعالى أصوات مغيبة لا تدرك أهمية الحرية والعدالة، ويصيحوا بدولة مبارك، ولكن مهما حدث لا يمكن أن نقول «ولا يوم من أيامك يا مبارك» و«آسفين يا ريس»، وكيف لنا قول ذلك وهو أساس الفساد والعشوائيات والظلم؟

بالمقارنة بما قبل يناير وما بعد الإخوان ووضعنا الحالي.. لسان حال الجميع «طب وبعدين هنفضل كدة؟». تسوء الأمور يومًا تلو الآخر والوضع كارثي، وتتفاقم الأزمات ويتزايد الغلاء ليقضي على كل الطبقات الاجتماعية، ويسحق معيشة وقوت الفقراء.

حقًا آفة حارتنا النسيان

هناك تغيير حدث في التعاطي مع ملفات عديدة، مثل قطاع الصحة والعشوائيات، ومن كان يتخيل أن أوضاع سكان العشوائيات ستتغير إلى الأفضل؟

نعم تقوم الدولة بالكثير من المشاريع القومية والاجتماعية والإصلاحات، وبحسب البيانات الرسمية انتهت مصر من تطوير 80 % من المناطق الخطرة في مختلف المحافظات، ضمن خطتها للقضاء على العشوائيات بحلول عام 2030.

من الجيد جدًا أن تهتم الدولة بذلك، لكن الرقابة الشديدة على تلك المشروعات ضرورة للحفاظ على المال العام و تمكين الدولة من التوسع. توسع الدولة في احترام المعلم ورعايته هو أساس النهضة التعليمية، واحترام الطبيب والتمريض هو أساس الرعاية الصحية.

أصبحنا دولة الكبارى..

الكباري وتطوير الطرق مهم جدًا، لكن ليس بهذا الكم من المبالغ التي أهدرت في توقيت تحتاج فيه البلاد إلى كل جنيه. ترشيد الإنفاق الحكومي ضرورة قصوى في كل الجوانب، ليس على حساب الموظف لكن على مستوى الحكومة نفسها، من رأس الحكومة وكل الوزراء.

أخيرًا نتمنى أن تحتفل الدولة بثورة يناير وشبابها. أن تهتم بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية: إن شرعية الثورة موجودة في الدستور، والحكومة والنظام الحالي جاء من رحمها، ولا يستطيع أحد إنكار شرعيتها الدستورية.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة