نساء القرن الواحد والعشرين ووتيرة التعديلات التشريعية ومعركة عبء الإثبات في قوانين الأحوال الشخصية

ترتبط الأزمة الخاصة بقضايا النساء، وبالأخص القضايا التي يثار حولها الجدل، بوضع التشريعات في مصر من قوانين ولوائح، والتي وضعت من قبل مجموعة من الذكور من دون وجود نساء لمشاركتهم التشريع، ونتج عن ذلك عدالة ذكورية منقوصة تجعل عبء الإثبات دائمًا يقع علي النساء.

لا تزال قضايا النساء تواجه العديد من التحديات، ولا تزال العديد من الممارسات التي كانت تُرتكب قبل تعديل تلك القوانين مستمرة، بسبب القصور التشريعي في القوانين المصرية، بالإضافة إلى القوانين الفضفاضة التي أدت إلي تصاعد العنف الممارس ضد المرأة، ما جعلها تطرق باب القضاء المعني بالأحوال الشخصية، وترفع قضايا طلاق للضرر و خلع وغيرها.

ولا زلنا نقف حتى اليوم أمام قانون يُطبق منذ 100 عام، برغم اختلاف الأزمنة وتطور إشكاليات التقاضي في قضايا الأحوال الشخصية، وكان يتم تعديل مواد وإضافة مواد، من دون النظر في إعادة صياغة القانون برمته، ما وضع نساء القرن الواحد والعشرين أمام معركة عبء الإثبات فيما يخص قوانين وقضايا الأحوال الشخصية. وكمحامية تعمل علي قضايا الأحوال الشخصية منذ 12 عامًا، لا أجد وصفًا آخر غير هذا، ومن هنا سوف أعرض ما يتم من إشكاليات إجرائية في مواجهة النساء وحدهن.

عبء الاثبات

نساء في ساحات المحاكم لسنوات للحصول علي حكم نفقة، أو تطليق للخلع أو للضرر، أو التمكين من مسكن الزوجية. وكما نعلم ليس هناك قانون إجراءات للأحوال الشخصية، ولكن هناك مواد إجرائية داخل قانون رقم 1 لسنة 2000، وهناك مراحل قبل الحصول على الأحكام النهائية وإشكاليات التنفيذ.

من المفترض أن تكون هناك إجراءات أكثر إنصافًا للنساء في قضايا الأحوال الشخصية، ولكن ما يحدث في ساحات المحاكم ما هو إلا عبء على النساء، حيث يمر التقاضي بعدة إجراءات، بينها تأجيل الدعوى لإعادة إعلان عرض الصلح الأول، وهناك دوائر قضائية تؤجل بالثلاثة أشهر، ثم يأتي عرض الصلح الثاني، ومقدم الصداق، وتؤجل لنفس المدة، ثم تؤجل من جديد لانتظار تقرير الخبيرين، ثم دفع أمانة تقرير الخبيرين، ثم حجز الدعوي للحكم لنفس المدة، ما يستهلك وقتًا مضاعفًا من النساء حتى يحصلن على أحكام في قضايا الطلاق للضرر أو الخلع بالتطليق.

قضايا النفقة

يقع على المرأة عبء إثبات دخل للزوج، إما بتقديم مفردات مرتب أو تحريات شيخ الحارة، لتأتي في نهاية المطاف أحكام النفقات بـ 300 أو 500 أو 1000جنيه، مهما كان عدد الأطفال، ومهما كان مرتب الزوج!

 وهناك معركة أخرى مرتبطة بزيادة النفقة بها خلاف أمام المنصات القضائية، فهناك دوائر تلغي نفقة أجر الحضانة لأن الصغير/ة قد أتموا 10 سنوات، ولذلك ليسوا بحاجة لنفس القدر من الرعاية!

ونقف بذلك أمام سؤالين، هل نحن أمام سلطة تقديرية للقضاة؟ أم أمام قانون لا يطبق؟ ولا تتوقف النساء عند المرحلة الأولي من درجات التقاضي، فعليها المرور بالمرحلة الثانية، وهي الاستئناف، والتي تمر بدورها بنفس المراحل، فتتخطى الدعوى السنة والنصف والسنتين وأكثر.

الولاية علي النفس

كما لا زالت النساء تعاني مع عدم حصولها علي الولاية التعليمية، أو الحق في سفر الصغير/ة بالحضانة، وإنما يجب عليها أن ترفع طلبًا إلى قاضي الأمور الوقتية للحصول عليهما، فهل سيعالج القانون الجديد تلك الإشكالية فتكتسب الأمهات الحضانة كاملة بالولاية على النفس؟ أم سنقف أمامها أيضًا في القانون الجديد؟

إعلانات المحضرين

كم عدد النساء اللاتي يجب أن يحصلن على إعلان المدعي عليه؟ وهو ما يعد بمثابة دائرة عنف أخرى، فكم من مبالغ تُدفع حتى لا يستلم المدعي عليه الإعلان! وبالتالي يزيد ذلك من عبء الإثبات على النساء، التي تدخل في خطوات وإجراءات تقاضي طويلة، حتى نعلن المدعي عليه في مواجهة النيابة العامة، فهل سيعالج القانون الجديد تلك الإشكالية الخاصة بإجراءات التقاضي؟

العبء الأقتصادي

ما تم عرضه سابقًا فيما يتعلق بإجراءات التقاضي له دور في زيادة العنف الاقتصادي علي النساء، فكم من نساء ليس لديهن دخل في ظل ما يحدث من تغييرات اقتصادية، وتضطر النساء لدفع مبالغ كبيرة، بداية من توقيع المحامي الذي يجب أن يكون على العريضة، وحتى رسوم الدعاوى والضرائب على الرسوم، مرورًا بأماكن الأختصاص التي يجب أن يتم إعلان المدعي عليها في السكن المثبت في البطاقة، فتُرفع الدعاوى في محافظة  الزوجة، والزوج يسكن في محافظة أخرى، وهذا يضاعف من النفقات الواقعة عليها، وتستمر في المعاناة مع السفر والإجراءات حتى انتهاء الدعوى بعد سنتين أو أكثر، فهل سيعالج المشروع الجديد هذه الإشكاليات التي تزيد من عبء الإنفاق المادي على النساء؟ مع العلم أننا لم نطرح حتى الآن ما تمر به النساء من عنف نفسي، وربما يومًا ما تحدث تغييرات كثيرة يمكن أن نحمي بها النساء من جميع النواحي.

ختامًا، لقد عانت المجتمعات العربية، وبالأخص المجتمع المصري، من خلل في تشريعات الأحوال الشخصية، أدى إلى تفشي انتهاك الحقوق، وانعكس بالسلب على الحفاظ على الأسر المصرية وعلى الأطفال، كما رفع نسب العنف بين الأطفال. إن القوانين الوضعية في قانون الأحوال الشخصية هي موازنات تشريعية بين المرجعية الدينية الفقهية وبين المرجعيات القانونية الوضعية، ونشير إلي أن تلك الموازنات الفقهية أو الأكاديمية كانت تحدث دائمًا في سياقات سياسية واجتماعية شديدة التعقيد، حيث أعلنت الحكومة المصرية في عام 2022 عن تشكيل لجنة قضائية من وزارة العدل من أجل إعداد مشروع أحوال شخصية جديد، ينتهي خلال شهرين، ثم يطرح لحوار مجتمعي، قبل عرضة علي مجلس الوزراء واحالته للبرلمان، ومن هذا التوقيت ونحن جميعًا ننتظر الإرادة السياسية في طرح قانون أحوال شخصية جديد أكثر عدالة، ونأمل أن تكون جميع الإشكاليات مطروحة على مائدة اللجنة، من الطلاق الغيابي والنفقة والتمكين من مسكن الزوجية وغيرها من الإشكاليات، مرورًا بقانون إجراءات آليات أكثر إنصافًا لتطبيق القانون الجديد.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة