شروط الزواج.. حلول غير كاملة لمؤسسة الزواج في مصر

في نهاية عام 2022 شهدت مصر حالة من الجدل الواسع حول ما عُرف بشروط الزواج الجديدة، والتي جاءت ضمن تصريحات للرئيس السيسي شملت أبرز ملامح مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد، وكانت كالتالي: إنشاء صندوق لرعاية الأسرة ووثيقة تأمين لدعمها ماديًا في مواجهة النفقات والتحديات ذات الصلة بمسائل الأحوال الشخصية، حيث تلتزم الدولة بتوفير مصادر تمويل الصندوق ودعمه الكامل.

جاء مقترح شروط الزواج في إطار ما يسمى وثيقة ما قبل الزواج، للاتفاق على بعض الشروط، وستكون مرجعية عند حدوث أي خلاف حتى لا يتم اللجوء إلى المحكمة. الوثيقة تتضمن شروط يتفق عليها الطرفان قبل الزواج، بشرط ألا تخالف الشرع، مثل اشتراط الزوجة عدم الزواج بأخرى وأي اشتراطات أخرى. كما يبحث البرلمان خلال جلساته المقبلة أول مشروع قانون بشأن صندوق دعم الأسرة، بما يشمله من رسوم الزواج الجديدة لتأمين الأسرة المصرية ودعمها، ومبالغ أخرى تضمن تنفيذ الأحكام الصادرة بتقرير نفقة للزوجة أو المطلقة والأولاد أو الأقارب، وهو صندوق مستقل، يتبع رئيس الجمهورية، يكون مقره محافظة القاهرة، ويجوز له إنشاء فروع أو مكاتب أو مراكز نوعية لتحقيق أهدافه في جميع أنحاء الجمهورية، وفقًا لما تحدده اللائحة التنفيذية من ضوابط وإجراءات في هذا الشأن.

يأتي صندوق الأسرة كخطوة هامة لنظام التكافل بين كل فئات المجتمع، لحل أزمة الأسرة المصرية بعد الطلاق، من منطلق مسئولية اجتماعية تجاه الأسرة في ظل الأزمات الاقتصادية وازدياد عدد حالات الطلاق في عام 2021، التي بلغت 254777 مقابل 222036 حالة في 2020، بزيادة سنوية 14.7 بالمئة. بالإضافة إلى عجز الأب عن توفير الاحتياجات الأساسية للأسرة، وما تعانيه النساء من كثرة النفقات ومحدودية ما تحصل عليه من خلال حكم المحكمة بعد الطلاق. حتى في حالة قدرة الأب على الإنفاق يُترك الأمر لتقدير القاضي، كما تعيش النساء المعيلة عدة مشكلات وأزمات متشابهة تحكم عليها دائرة العنف الاقتصادي المباشر وغير المباشر، من الشريك أو من منظومة الزواج المصرية، حيث نسبة كبيرة من النساء المعيلات يعشن حياة بدون مسار مهني يؤمن لهن دخل مادي مستدام يكفل لهن حياة كريمة، بل تعيش هذا الصراع وتبدأ من تحت الصفر بعد حدوث الطلاق واحتياجها إلى مصدر دخل، في ظل أحكام النفقة الضعيفة نسبيًا لاحتياجات الأسرة المكونة من أم مطلقة تقوم بدورها في تربية وخدمة أطفالها، وهو دور أساسي يعيق مسارها المهني، وأطفال لهم احتياجات أساسية من مأكل ومشرب وكسوة وتعليم وغيره.

لذلك يأتي مقترح صندوق الأسرة حل مهم وأساسي، لكن ليس كافي للنظر في حل قضية الأم المعيلة، من خلال توفير إعاشة أو معونة لها عبر صندوق تكافلي. بل هناك حلولًا أخرى تحل أزماتهن الحالية، كتوفير برامج تأهيلية للأمهات المعيلات على مختلف حالتهن الاجتماعية، لتدريبهن وتأهيلهن لسوق العمل، بالإضافة إلى أن هناك أيضًا واجب مجتمعي  للشركات، ودور أساسي للدولة في تمكين هؤلاء النساء للحصول على وظائف مناسبة بأجور تكفل لهن معيشة كريمة. وهو ما تقوم به بعض المبادرات والمؤسسات النسوية بشكل تطوعي، لمساعدة النساء في إيجاد فرص عمل أو مصدر دخل، لكن بسبب استمرارية التعنيف الاقتصادي لهؤلاء النساء من توقف مسارهن المهني أو الحد من تطوير ذواتهن بسبب العنف الأسري أو الأعباء الملقاة على عاتقن كأمهات معيلات، يظل إيجاد فرصة عمل لهن أمر شديد الصعوبة.

ومن هنا ننطلق يجب لنلقي الضوء على ما يسمى بوثيقة الزواج وشروط الزواج الجديدة، وهو مشروع مقترح كما ذكرنا للحد من حالات الطلاق وحماية كيان الأسرة المصرية، من خلال التأكد من سلامة الصحة النفسية للمقبلين على الزواج أمام محكمة مختصة، كما يتيح فرصة وضع الشروط كما ذكرنا وتنظيم الولاية على المال للأطفال وغيرها من الأمور التي يجب الاتفاق عليها قبل الزواج. لكن هناك عدة أمور غير واضحة في هذه التصريحات، فمثلًا صلاحية القاضي المختص في النظر في شهادة الصحة النفسية، أو الشكل الإجرائي والقانوني للوثيقة، كما لم يتم أي توضيح لحل أزمات قانونية مثل الطلاق الشفهي أو الغيابي، وهل ستلزم الوثيقة الزوجين بالتطليق أمام القاضي ذاته للتأكد من تطبيق الشروط المرفقة؟

كما غفل هذا المشروع عن ما يحل بالمرأة المعيلة/ المتزوجة/ المطلقة من عنف أسري واقتصادي وجنسي وغيره، مما يكلف المجتمع والأسرة والنساء أعباء إضافية تعيق تحقيق العدالة الاجتماعية والاستقرار الأسري الذي تسعى له مثل هذه المقترحات. لذلك على الدولة ألا تغفل جزء أساسي في التعديلات المقترحة لقوانين الأسرة، وهو فلسفة القانون ذاته، والتوقف عن تعديل القشور، وحل فقط ما نتج عن فلسفة قانون تعامل المرأة كمفعول به لا شريكة في المجتمع، ملقى على عاتقها عبء تربية الأطفال وتوفير النفقات والتكيف مع ما هو مقدر من جهة القاضي، بالنيابة عن الأب المطلق أو المخلوع. كما تتحمل المرأة عبء مجتمع معنف لها بدون قانون صريح يجرم العنف ضدها ويحميها.

لذلك فإلى جانب تلك المقترحات، التي يجب أن تطرح للنقاش المجتمعي والمؤسسي للبحث عما هو أفضل من أجل الأسرة المصرية، وعدم الاكتفاء بطرح هذا المشروع أمام مجلس النواب، لكن هناك أيضًا بعدًا أعمق يجب على المشرعين الآن النظر إليه، وهو التغير الاجتماعي الذي طرأ على الأسرة المصرية، والسلوك العنيف المتزايد من جهة الرجال تجاه النساء وراء جدران المنازل، مما يعيق تحقيق ما تسعى له هذه الوثيقة، وهو ما حرصت أن تقدمه مؤسسة «قضايا المرأة المصرية» ومجموعة من المؤسسات النسوية، من خلال مقترحها لقانون أسرة أكثر عدالة، حيث عمل هذا المقترح على حل المشكلة من جذورها، وتعامل مع الأسرة على أنها كيان تشاركي يسعى الشريكان فيه (الزوجة والزوج) إلى تأسيس حياة مستقرة معًا، لذلك كفلت حق الاتفاق والشروط للطرفين، كما وضعت الطلاق كحل على بعد متساوي للطرفين أيضًا، بمعنى إلغاء حق الطلاق الشفهي والغيابي للرجل، وإلزامه بالتطليق أمام المحكمة. كما قدمت المؤسسة – من منظور نسوي وفلسفة واضحة تحافظ على مفهوم المواطنة للنساء كما هو للرجال-  حلولًا لتقاسم الثروة المشتركة، والبت في قضايا النفقة بشكل يحمي حق النساء والأطفال في العيش بكرامة، وخاصة في حالات الطلاق بعد سنين طويلة.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة