أخلاقنا إلى أين؟!

لم يكن عمِّي محمد صاحب الستين عامًا ونصف، العامل بمهنة الدليفري بأحد المطاعم العصرية، يتصور أن صورته ستحتل مواقع التواصل الاجتماعي والعديد من القنوات الفضائية الوطنية والعربية، بسبب موقف حدث له أثناء مهمة عمل، حين طلب منه أحد الزبائن أن يوصل له الأكل حتى شقته التي كانت في أحد الأدوار العالية، ما جعل العم محمد يعتذر بلباقة ويطلب من الزبون أن ينزل ويأخذها من أمام باب العمارة، لا لسبب إلا لأنه كبير في السن لا يقوى على الصعود، ليقوم هذا الزبون بحملة ضده وضد المطعم ككل، ويطالب بطرده من العمل، لتشن إدارة المطعم حملة مضادة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتعلن تضامنها وتمسكها بالعم محمد، لمعرفتهم الجيدة بمستوى أداء موظفهم وحسن أخلاقه.

إذن هي واقعة من بين آلاف الوقائع التي تحدث يوميًا في محيطنا، والتي تدق ناقوس الخطر عن تدني مستوى أخلاقنا وغياب التواضع لدى العديد من الناس، فلن تخسر لا مالك ولا مركزك إن نزلت أنت بنفسك وأخذت طلبيتك بيدك بكل تواضع، وشكرت العم محمد على حسن صنيعه وابتسمت في وجهه ثم ودَّعته.

نعم أحبتي إنه غياب خلق التواضع لدى الكثيرين منا، ممَّن يبالغون في تقدير ذواتهم، ولا يحلو لهم المقام إلا بالتقليل من شأن الآخرين والترفع عنهم. ولا يمكن أن نحصر غياب التواضع في فئة معينة من الناس كمحدودي التعليم أو الثقافة، ذلك أننا أصبحنا نلمسه لدى فئات اجتماعية متعددة، بل وحتى في أوساط من هم نخبة المجتمع، أو من يُسمون أنفسهم كذلك.

ولن أستفز تفكيرك أكثر عزيزي القارئ، سأطلب منك فقط أن تلقي نظرة على برامجنا الحوارية الإخبارية في العديد من قنواتنا الفضائية العربية، ممَّن تتخذ من تعدد الآراء وحرية الفكر شعارًا لها، لترى كيف يتمادى ضيوف العديد من البرامج الحوارية في الكِبر والعلو الذي يستهدف استفزاز الطرف الآخر من الحوار ومحاولة تكذيبه، ويصل الأمر في الكثير من الأحيان إلى الشجارات والتشابك بالأيدي، متناسين أنهم أمام جمهور من المفروض أن يكونوا هم قدوته ومثله في التعبير عن الرأي بكل هدوء واتزان، وتقبل وجهات نظر الآخرين ولو كنا على اختلاف معهم.

إذن فمهما بلغ مركزنا الاجتماعي والمادي، ومهما بلغ مستوانا العلمي والأكاديمي، لابد وأن نتزين بسِمة التواضع التي ستحقق لنا الرفعة والمكانة الاجتماعية والقبول بين الناس، من دون أن تكون لنا يد في ذلك، فالتواضع إن دلَّ على شيء فإنما يدل على انفتاحنا العقلي وتميزنا الفكري وقوة شخصيتنا في مواجهة أخطائنا والتعلم منها لا أن نداريها.

*طرقعة: ثمَّ إن تفسيراتك العجولة لا تمنحك الحق في الحكم على سلوكات وأفعال الآخرين مهما بلغت شدَّة فِراسَتِك وحَذاقَتك.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة