صورة على الحيطة (أب ولكن)

استيقظت في السابعة والنصف صباحًا والكسل يغمرني، أنا الآن مضطرة أن أبدأ أسبوعي وأتحمل سخافات البشر لثمان ساعات يوميًا. اليوم مناسب للبقاء بالسرير لكني لا أملك رفاهية المكوث بالمنزل، اعتدت أن أفكر في من يكمن رزقهم باليوم ويأكلون من رزقهم اليومي، فهم مثلي لا يملكون رفاهية البقاء بالمنزل، حتى إن غزا التعب أجسادهم.

انتشلني صوت منبهي الصباحي من فوضى أفكاري، بصوت فيروز في أغنيه «أنا لحبيبي»، لأنتبه أني سأتأخر. لن أزين وجهي اليوم ولا أريد أن ألبس ألوانًا زاهية، سأرتدي السترة السوداء والبنطلون الأسود. أعلم أني اعتدت لبس الأسود هذه الأيام، ولكن لا أشعر برغبة في التلوين، ولا حتى باللعب، الطقس أصبح باردًا الآن، وهو في الحقيقة طقسي المفضل، ليعادل إحساس البرد الداخلي الذي أشعر به دومًا.

اليوم سآخذني في نزهة إلى سينما «زاوية»، فأحد أفلامي المفضلة يعرض هناك الآن، وربما سأشتري لنفسي فيشار، فنفسي تستحق المكافأة لأنها صمدت عامًا آخر. جميع من يعرفني يعلم أسطورتي وأمنيتي بأني سأموت في الخامسة والثلاثين، لم يتبق سوى عام واحد وتنتهي مسيرتي بشكل ما، لا أعلم كيف ستنتهي لكني آمل أن يكون موتي أكثر هدوءَا من حياتي. دعنا مني، ترى كيف هي حياة؟ هل قرأت مقالتي؟ وهل شعرت بأني وصفت ما عانت منه كما تريد؟ مسكينة هي، لعل مقالتي أثارت بها الحزن، ألم يكن يكفيها ما عانته؟ سأتصل بها اليوم لأعلم بقية القصة.

ليرن هاتفي برقم مجهول، أجيب: ألو!

– أنا حياة، أخذت الكثير من الوقت حتى أجد هاتفك.

قلت لها: هل ستصدقينني إن قلت لك أني كنت أفكر بك الآن؟

قالت: سأصدق بالطبع. كيف هي أحوالك؟

أجبت: أنا بخير، وأنتي؟

قالت: قرأت مقالتك ووجدت نفسي هناك. أشكرك أني كنت بطلة مقالتك. كنت أرغب منك أن تذكري أن هذه القصه ليست خيالية، وأن الواقع أكثر بشاعة.

أجبتها: ولكنها قصة لم تكتمل بعد. أشعر أن هناك المزيد والمزيد، دعينا نلتقي. أريد أن أعرف ما حدث، وعندي الكثير والكثير من الأسئلة.

أجابت: سأنتظرك يوم الأحد، سيكون زوجي بعمله ويمكننا التحدث كما نشاء.

اتفقنا، أغلقت الهاتف وأنا يغمرني الفضول حول بقية القصة وحول أبطالها. سأنتظر يوم الأحد بفارغ الصبر لأعلم ما حدث.

يوم الأحد

جاء يوم الأحد واستأذنت من عملي ساعتين لأتمكن من الذهاب والرجوع قبل عودة زوجها. وصلت إلى منزلها، بيت قديم بواجهة من الطوب الأحمر مثل غالبية عمائر القاهرة، أشعر أحيانًا أن مقاولًا ما أنهى البيوت ونسى أن الواجهات مهمة، أو بنى ونسي «التشطيب»،  وغالبًا هذه البيوت في أشكالها تعبر عنا وعن فقداننا لهويتنا وما نريد أن نكون، حتى أصبحنا جميعًا خرسانات قبيحة لا يجدي معها التجميل نفعًا. صعدت على سلم المنزل ووجدتها بانتظاري، رحبت بي ترحيبًا بالغًا، وطلبت منها أن تسرد ما تبقى من حكايتها.

– من أين تريديني أن أبدأ؟

– كما يحلو لك.

الحدث الثالث أو الرابع لا أذكر

– صديقتي ليست صديقتي، فهي زوجة أبي وعليها واجبات وحقوق تجاهه، أما أمي فسقطت حقوقها منذ ذاك اليوم.

– أي يوم؟

– يوم قررت زوجة أبي أن تنتحر حتى لا يدخل أبي غرفة أمي، لتعلن في هذه اللحظة أنها هي سيدة البيت الجديدة، وأن كل ما تريده سيحدث. قامت بتناول الحبوب لتنتحر أو لتزيف انتحارًا، أتعلمين أني أكاد أجزم أن كل من حاول الانتحار بحبوب هم بالنهاية لا يريدون الانتحار، ولكنهم يريدون أن يحظوا بالاهتمام، أو بتنفيذ رغباتهم لا أكثر ولا أقل. منذ ذاك اليوم وأبي لم يخط خطوة داخل غرفة أمي، يومها لم أكن مدركة أن أمي تذبل، ولكن لتذبل، هل هناك فرق أن تكون الوردة مزهرة أو زابلة وهي في النهاية ميتة؟

الحدث الخامس

كان لي صديقة بالمدرسة، وكانت تحضر معي دروسي، ذات يوم حذرني أبي من أن أتعامل معها أو ألتقي بها، مدعيًا أنها سيئة السمعة، وأنه لا يجوز لي أن أقترن بها بأي شكل وإلا سأتعرض للعقاب. لم يكن يدري أني قد ألفت العقاب، ولم تعد قبضة يده تؤلمني، ولا حتى صوته المرتفع وتهديده يخيفني، أصبحت أخطئ وأنا غير مكترثة، أمارس متعة الهروب من العقاب، ويا لها من متعة!  ولكن هذه المرة علمت لما منعني من صديقتي هذه، وذلك لأنه كان على علاقة بها. لا أعلم ما هو مزاج والدي في الفتيات من عمر ابنته أو المتزوجات! ولكن السؤال الاوقع الذي يتردد في ذهني ما الذي تراه تلك السيدات والفتيات في والدي يجعلهم يقعون في حبه المزعوم؟

أجبت أنا: ربما هناك سحرًا ما أو عقدة ما، أريد أن ألتقي بزوجة أبيك هل لا زالت على علاقة بها؟

قالت: نعم، فنحن أسرة مترابطة، نجتمع في نهاية كل أسبوع سويًا، وجميعنا يدعي أن الحياة طبيعية.

قالت هذه الجملة وهي تبتسم ابتسامة ساخرة، وأكملت: لكني أريدك أن تلتقي بأمي.

قلت لها: هل يمكنني أن أزور منزلكم في يوم التجمع القادم؟ يكفيني أن أجلس معكم ساعة واحدة. أريد أن ألتقي بزوجة والدك. أريد إجابات على هذه الأسئلة، وأيضًا أيمكنني أن أرى صورة لوالدك؟

– نعم يمكنك، ها هي معلقة في غرفة الضيوف هناك.

سألت مندهشة ومتعجبة: كيف؟!

قالت: يصر أبي على وضع صورة له بمنازلنا جميعًا، ولا أعلم السبب، ربما أراد أن يظل أكبر كوابيسنا أمام أعيننا طالما حيينا. كدت أنسى أن أقص عليك هذه الواقعة أيضًا.

الحدث السادس

تشاجرت مع زوجي وأردت الطلاق بسبب ضربه وإهانته لي، وكنت في ذلك الوقت قد حاولت كثيرًا أن أكمل معه حياتي، لكنه كما قلت بالسابق بخيل في كل شيء حتى الكلمة، ناهيك عن كونه لا يفقه شيئًا عن معاملة النساء. يوم فض بكارتي أخذني أبي عند الطبيب ليتأكد من عذريتي، فأبي لا يعلم بأن غشاء البكارة خرافة، أما زوجي المصون فقد سعى ليثبت ذلك حتى لا يكتشف أحد ضعفه. ليس هذا ما كنت سأقصه عليك، لكني كنت أقول إنه في ذلك اليوم اتهمني أبي أني على علاقة بآخر ولذلك أريد أن أتطلق.

لم يعد فارقًا معه أني قد عانيت، وأني لم أعد أتحمل أن أهان مره أخرى، لكني وجدت خنجره بجانب خنجر زوجي. أنت تعلمين جيدًا كيف يمكن لذويكِ أن يأذوكِ فقد عانيت أنت أيضًا. أتعلمِ أني أتمنى أن أكون مثلك قوية قادرة على اتخاذ قراراتي بنفسي، لكن حتى الزواج لم يخرجني من قبضة أبي، وأعتقد أن القبر وحده هو ما سيحول بينه وبيني.

قلت لها: لما لا أراك تبكين رغم أني أعلم أن ما تحكيه مجرد تذكره يؤذيكِ؟

قالت: لقد استنزفت رصيدي من البكاء، حتى أني أعتقد أن قناتي الدمعية قد جف مائها. ما رأيك أن نعد الغداء سويًا؟

قلت لها: سأغادر وسنلتقي مره أخرى. أريد أن ألتقي بزوجة أبيك في أقرب وقت.

غادرت وأنا بداخلي سؤال واحد، ما المميز في هذا الرجل حتى يجذب فتيات صغيرات ؟ وهو الذي عجز عن أن يجعل أبنائه يحبوه؟ وأعتقد أن سبب هذا يحتاج أن أستشير أخصائيًا نفسيًا ليفسر لي تصرفات أبطال هذه الحكاية.

وكما أرادت حياة أن أنهي مقالتي السابقة سأنهي مقالتي هذه بجملتها: هذه القصة حقيقية 100%، وقد اقتطعت منها بعض الأحداث المؤسفة حتى لا يتشوه مجتمع اليوتوبيا الخاص بنا، وحتى لا تنهار قيم المجتمع.   

1 تعليق

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة