رسالة إلى سانتا كلوز

هذه المرة لن أطرح مشكلات أو قضايا ليس لها حلول، اليوم سنتبادل الأمل. كنت أتجول بإحدي المكتبات لأجد اسم كتاب أو رواية، لا أتذكر جيدًا سوى عنوان الغلاف «في ديسمبر تنتهي كل الأحلام». صارت الجمله تطاردني، لما تنتهي الأحلام في ديسمبر ولا تنتهي في يناير أو حتي يونيو؟ ولما يرتبط شهر ديسمبر بالانتهاء؟ سنجد دائمًا أن الإجابة الأوقع والأهم أن ديسمبر يرتبط بنهاية سنة، والنهاية هنا هي أن كل ما نريد أصبح عدم. ولعل أيضًا ما نريده لا يريدنا، ولكني أريد أن أنفي هذه السمعة السيئة عن ديسمبر ونبدًا تداول أحلامنا الشخصية، لعلها تتحقق بإحدي ليالي ديسمبر..

في طفولتي كنت أسخط على أطفال أوروبا والأجانب، بشكل خاص كلما شاهدت فيلمًا عن بابا نويل وهدايا عيد الميلاد. أذكر أني في إحدى المرات زعمت أن سانتا زارني بأحلامي وأبلغني أن غزلانه لا تستطيع الطيران بسماء بلدنا، وأن الهدايا الخاصة بي أنا وكل أطفال بلدتي يحتفظ بها في مكان ما. حتى سانتا كلوز وجدت له عذرًا لغيابه وأملا في نيل هدايا سانتا.

ومرت الأيام وبلغت مرحلة مراهقتي، بعقل أقل ومشاعر وتهور أكثر. في ذاك الوقت كنت أحب مدرس اللغة الإنجليزية بمدرستي، وكنت أغمض عيني كل ليلة وأنا أنظر للسماء، وأقول: أرجوك سانتا اجعله يراني أكبر لربما أعجب بي، وتذكرت فيلم سعاد حسني واسكتش «الحلوة لسه صغيرة» وحلم البلوغ وأن أصبح امرأه كاملة يمكنها أن تعشق وتجد من يعشقها في المقابل.

كبرت أكثر ولازلت أؤمن بالأحلام وبوجود سانتا وغزلانه، وبزغت فكرة أخرى بعقلي أن السبب بعدم وجود سانتا هو عدم إيماننا بوجوده، أعلم أني قد ابتعدت عن شيم شهر ديسمبر ونهاية الأحلام أو بدايتها، ولكن كيف يكون شهر نهاية الأحلام ونحن نحتفل بانتهاء سنة بكل ما فيها؟

تحدثت ذات مرة مع صديق لي عن أن شهر ديسمبر شهر الاحتفالات، ليفاجئني بوجهة نظره أن ديسمبر هو شهر المراجعات والحقيقة، شهر لبداية الفرص، لنعلم جميعًا ماذا تغير فينا هذه السنة، وإلى أين وصلنا، وإلى أين سنتجه. وأنا قررت أن أسأل كل من حولي عن ما هو حلمهم المنتظر؟ لعل سانتا يقتنع ويزورهم بإحدى ليالي الشتاء الهادئة. اليوم تنوعت أسئلتي بين هو وهي حتى لا يتهمني البعض بالتحيز لهن، رغم أني لن أنفي تحيزي لهن.

الحلم الأول:

الـ«هي» بنت تبلغ من العمر 25 عامًا، جميلة الملامح والطبع. سألتها سؤالنا: ما هو حلمك المنتظر؟ أجابت بعد تنهيدة طويلة:

– نفسي أشتغل في المجال اللي بحبه، مش اللي مضطرة أشتغل فيه.

الحلم الثاني:

شاب ثلاثيني رب أسرة أجاب:

– نفسي أرجع أسافر تاني وأنقل حياتي بره مصر.

الحلم الثالث:

امراه ثلاثينية أم وزوجة تبلغ من العمر 30 عامًا:

– نفسي سعر البامبرز ما يزيدش عشان كل مرة بشتريه بيزيد.

الحلم الرابع:

وهو لي أنا، بنت ثلاثينية:

نفسي في شقة باسمي، ما أضطرش أنقل كل شوية من مكان لمكان. –  

الحلم الخامس:

سيدة في منتصف الأربعين زوجه وأم:

– نفسي أعرف أعلم ولادي تعليم كويس من غير ما أضطر أبيع كليتي عشان يكملوا دراستهم.

وأجاب آخر:

– أنا عايز أقدر أخلص اللي ورايا عشان أتجوز بس.

وأجابت امرأة أخرى خمسينية:

– عايزة أجوز البنات.

عزيزي سانتا، أعتذر منك كثيرًا لأن الأحلام هنا ما هي إلا حقوق يجب أن يحظى بها الجميع، ففي بلادنا العربية تختلط الحقوق بالأحلام. أحلامنا هي حقوق غيرنا بمجتمعات أخرى، لذا سأتنقل معك في عربتك نحقق معًا أمنيات الأطفال لنخلق جيلًا جديدًا يؤمن بالفارق بين حقوقه وأحلامه، لنملأ جعبتك بالهدايا وننثر العديد والعديد من الأحلام في خيال الأطفال، ليستطيعوا الإيمان بوجودك وبوجود أحلام يمكن أن تحقق.

عزيزي سانتا، أمنت بك وأنا طفلة، ولازلت مؤمنة بك حتى الآن، ففي ديسمبر لن تنتهي الأحلام بل ستبدأ كل الأحلام، أحلام صالحة لنعيشها. أتعلم عزيزي سانتا أني ذات يوم في خيالي منحت نفسي الحق في تحقيق أحلام وأماني الغير؟ وحلمت بأني أطير وأشاهد الحكايات وأضع لها النهايات السعيدة، لأنفي جملة أن النهايات السعيدة هي نهايات غير مكتملة. عزيزي سانتا، أعلم أن مهمتك صعبة، وأنك لن تستطع إسعاد الجميع، فلربما إذا وصلت بلادي صَوَّرتك إحدى الرادارات، أو سُرِقت منك إحدى غزلانك، أو حتى وجدت من يكفر بك وبما تقدمه، لكني لا أريد لكل هذه الفروض أن تجعلك لا تأتي، لأننا نبحث عن أي شيء يمكن أن يبث الأمل في نفوسنا. أتعلم عزيزي سانتا أني خالفت قواعد عملي وعملت قائمة بأغاني عيد الميلاد وشغلتها بصوت جهور ليستمع لها الجميع؟ لنجعل العام القادم يأتي وهو محمل بالتفائل، وأدعي وأقنع من حولي أن العيب ليس فينا، بل في هذه السنة اللعينة.  لذا نويت أن أنفي التهمة عن ديسمبر وعنك.   

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة