المواطن الصحفي وأخلاقيات المهنة!

أصبحت مهنة الإعلام مهنة سهلة للغاية، لا تتطلب دراسة أكاديمية ولا اجتياز امتحان الثانوية العامة والنجاح فيه، ومن ثم الدخول إلى الجامعة والدراسة لسنوات في هذا التخصص الشيق، وإنما ما عليك فعله هو امتلاك هاتف محمول  ذكي متصل بالانترنت  لمباشرة مهنتك المفضلة، بنشر صور وبث فيديوهات عبر مختلف وسائط الميديا الجديدة والتعليق عليها، إذن هكذا باتت مهنة السلطة الرابعة وظيفة من لا وظيفة له.

قلبت الثورة التكنولوجية الاتصالية في مجال الإعلام عناصر العملية الاتصالية، فلم يعد المرسل هو دائمًا القائم بالاتصال في الوسائل الإعلامية التقليدية التي ألفناها، ولم تعد الوسيلة هي ذاتها؛ بل بات المستقبل مرسلًا، والمرسل مستقبلًا هو الآخر، وتحولت الوسيلة أيضًا إلى وسائط الميديا الجديدة التي تتيحها شبكة الانترنت، كمواقع التواصل الاجتماعي، المدونات، البلوجر، اليوتيوب وغيرها.

وقد أغرت خصائص وسمات الميديا الجديدة الكثير من الأفراد إلى امتهان الإعلام تحت مسمى «صحافة المواطن» أو «المواطن الصحفي»، ذلك أن سهولة استخدام الهاتف المحمول المتضمن لمختلف الوسائط المتعددة أعطت دفعًا لرواج وانتشار صحافة المواطن، ناهيك عن ميزات أخرى تتعلق بطبيعة الوسيط من سرعة وآنية في نشر الأخبار والصور والفيديوهات، وإمكانية تعديلها أو تحديثها، إلى جانب خاصية التفاعل الفوري للجمهور مع ما يُبث أو يُنشر.

وما زاد من رواج وانتشار المواطن الصحفي هو لجوء العديد من المؤسسات الإعلامية التقليدية إلى مضامينه ومحتوياته كمصدر لأخبارها ومعلوماتها، ولا بأس أن نعطي مثالًا هنا، ففي مرحلة الثورات الشعبية التي عرفتها المنطقة العربية، وفي العديد من الميادين التي تعذر على الإعلام الرسمي الأجنبي دخولها، نابت عنهم كاميرات وهواتف المواطنين التي وثقت الأحداث بكل تفاصيلها.

لكن كإعلاميين يحق لنا أن نتساءل عن مدى إلمام ممارسي صحافة المواطن بفنيات التحرير والتصوير الصحفي، وبأخلاقيات المهنة الإعلامية ككل، فقد ثبُت وقوع العديد من الصحفيين ومن ثم القنوات الإعلامية في فخ النسخ واللصق، باعتمادها صحافة المواطنة ومواقع التواصل الاجتماعي كمصدر لأخبارها، من أجل تحقيق السبق والتفرد الصحفي في نقل الأخبار للجمهور.

يلجأ الصحفي المواطن إلى الاختفاء وراء هويات مستعارة، إلى جانب قيامهم بالتصوير في الكثير من الأحيان في أماكن غير مصرح بها، ناهيك عن غياب الشفافية والموضوعية في نقل الأخبار والمعلومات، وكثيرًا ما يصل الصحفي المواطن إلى مواطن الدنائة والقذارة بابتزازه وتهديده بالصوت والصورة لكل من وقعت عليه عين كاميرا هاتفه، ليكسر بذلك كل قواعد وأخلاقيات المهنة المتعارف عليها عالميًا ومحليًا.

إن الالتزام بأخلاقيات المهنة الإعلامية هو جوهر هذه المهنة النبيلة، فلن تقوم للإعلام قائمة ما لم يكن شفافًا موضوعيًا محايدًا، ولا يكون كذلك إلا بالتحلي بالمصداقية أثناء نشر الأخبار أو بثها، والتأكد من مصادرها وصحتها، تحقيقًا لاحترافية العمل الصحفي ولسمعة المؤسسة الإعلامية، وكسبًا لثقة وولاء الجمهور لها.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة