أثار تطبيق الفاتورة الإلكترونية غضب عدد من النقابات المهنية، أبرزها نقابة المحامين، التي ترجمته في وقفات احتجاجات استقبلتها ساحة النقابة بشارع رمسيس، رفضًا لتطبيقها، فيما أصدرت نقابات أخرى بيانات .....
يأتي توجه وزارة المالية المصرية في تطبيق الفاتورة الإلكترونية ضمن عملية رقمنة الدولة، التي بدأتها الحكومة خلال السنوات القليلة الماضية. فما هي الفاتورة الإلكترونية؟
تعد الفاتورة الإلكترونية وثيقة رقمية موحدة معترف بها في مصلحة الضرائب، تستخدم لإثبات عملية بيع السلع والخدمات المختلفة؛ وتشتمل كل وثيقة على توقيع إلكتروني خاص يوضح هوية المُوقع، لمنع التزييف وضمان الأمان والخصوصية.
تم تطبيق المرحلة الأولى من منظومة الفاتورة الإلكترونية بمصر في منتصف نوفمبر 2020، عن طريق إلزام 134 شركة مسجلة بالمركز الضريبي لكبار الممولين بالانضمام إلى المنظومة، واستمر بعد ذلك تطبيق العديد من المراحل في سبيل إلغاء الفواتير الورقية والاتجاه كليًا نحو عالم الفواتير والتعاملات الرقمية.
اتجهت الكثير من الدول إلى إصدار الفواتير الالكترونية، في إطار الرقمنة والاعتماد على التكنولوجيا، مثل البرازيل والصين والهند وأمريكا الجنوبية، والسعودية والإمارات، وعدد كبير من دول الاتحاد الاوروبى.
ورغم مجانية التسجيل، يحتاج الاشتراك في بعض الخدمات إلى سداد رسوم، مثل الحصول على التوقيع الإلكتروني ونظام التكويد الموحد.
النقابات المهنية والضرائب
بدأت الحكومة تطبيق الفاتورة الالكترونية بشكل تدريجي على مدار العامين الماضيين، حتى وصلت إلى مرحلة التصادم مع بعض النقابات المهنية، بينها نقابات أطباء الأسنان والصيادلة والمهندسين والمحامين.
تعد أبرز أوجه اعتراض النقابات على نظام الفاتورة الإلكترونية ارتفاع رسوم التسجيل الإلكتروني، التي قد تصل إلى 20 ألف جنيه سنويًا، يتحملها طبيب أو محامي مبتدئ، إلى جانب الضرائب المفروضة عليه، وذلك بالإضافة إلى تعقيد إجراءات التسجيل.
وأعلنت نقابة المهندسين المصرية رفضها تسجيل المهندسين في منظومة الفاتورة الإلكترونية، وتضامنها مع النقابات الأخرى في موقفها من التسجيل في المنظومة بالشكل الصادر به القرار من وزارة المالية.
وفي بيان لها سردت نقابة المهندسين أسباب رفضها، وقالت: «مهنة الهندسة مهنة غير تجارية، طبقًا لقانون نقابة المهندسين، وطبقًا لقرار وزير المالية رقم 531 لسنة 2005 بتحديد المهن غير التجارية في تطبيق حكم المادة 70 من تطبيق قانون الضريبة على الدخل، الصادر بالقانون 91 لسنة 2005. ولا يمكن معاملة المهنيين عامة والمهندسين خاصة معاملة الأنشطة التجارية».
يُجبر نظام الفاتورة الإلكترونية المهندسين على تحمل أعباء إدارية ومالية وإجراءات لا قبل لهم بتحملها ماليًا وإداريًا، ولا ضرورة لها، في إطار وجود سجل هندسي وملف ضريبي ملزم لكل من يمارس العمل الهندسي. فضلاً عن أن تطبيق الفاتورة الإلكترونية يفرض رسومًا للتسجيل والتوثيق والتوقيع الإلكتروني مبالغًا فيها في السنة الأولى، ويتم تكرارها سنويًا، بما لا داعي له، وهو ما لا يتناسب مع دخول جموع المهندسين الممارسين للمهن الحرة.
أوضح البيان أن تطبيق نظام الفاتورة الإلكترونية يحرم المهندس من إثبات تكاليف التشغيل غير المقيدة بمستندات، ويقوم بتحديدها بنسبة 10% من الإيرادات، وهذه النسبة غير واقعية، خاصة وأن طبيعة الخدمات الهندسية تتطلب أداء العديد من التخصصات والمهن المساعدة غير الممكن قيدهم ويتعذر قيدهم بالفاتورة الإلكترونية، مما يؤدي لأعباء زائدة وغير حقيقية. بالإضافة إلى أن فرض وجود وسيط في تطبيق منظومة الفاتورة الإلكترونية (شركة (E-TAX يهدد بنقل قواعد البيانات لغير أهلها، وخاصة مع وجود شراكة أجنبية كما هو معلن.
كما أشار البيان إلى أن طبيعة الخدمات المهنية، ومنها الهندسية، تخضع لقواعد الاتفاق بين طرفيها، ويمكن الاتفاق على التراجع أو الإكمال، مما يجعل الفاتورة الإلكترونية في هذا الشأن غير مبررة وسابقة لاستحقاقها، وتحمِّل مُصدِر الفاتورة أعباء ضرائب القيمة المضافة وضرائب غير حقيقية، وتهدد نشاط عشرات الآلاف من ممارسي المهنة بالإغلاق وزيادة نسبة البطالة.
واختتمت النقابة بيانها بأن فرض هذه النوعية من الإجراءات، وزيادة الأعباء على مقدمي الخدمة، سيؤدي في النهاية إلى زيادة نسبة التضخم والأعباء الإضافية على المجتمع ككل، وهو ما لا يتوافق مع توجه الدولة.
من جانبهم، نظم مئات المحامين احتجاجات أمام مقر نقابتهم بشارع رمسيس، اعتراضًا على تطبيق الفاتورة الإلكترونية. يأتي في مقدمة أسباب اعتراض المحامين صدور القانون من دون حوار مجتمعي مع المهن الحرة، لمراعاة بعض الأمور الخاصة بأعمالهم، فجاء غير متناسب مع ممارسي المهن الحرة، وبخاصة المحامين.
يخضع المحامي لضرائب الدخل والقيمة المضافة، بالإضافة إلى الدمغات والرسوم واستخراج التصاريح وطلبات الاطلاع على القرارات، إلى جانب محاسبة المحاميين ضريبيًا على كل قضية يقومون برفعها في جميع مراحل التقاضي، من محكمة أول درجة أو ثاني درجة أو استئناف أو في النقض، وفي كل مرة يقوم المحامي بتقديم صورة من البطاقة الضريبية، وفي المقابل لا يتمتع المحامين بخدمات مقابل ذلك، مثل التأمين الصحي والاجتماعي، إلى جانب حرمانهم من القروض الشخصية وقروض السيارات وغيرها.
وفي تصريح لـ«مدى مصر»، يقول المحامي أسعد هيكل إنه منذ تطبيق قانون القيمة المضافة أبرمت النقابات المهنية بروتوكولات خاصة مع مصلحة الضرائب، فبالنسبة للمحامين، يدفعون جزءًا مستقطعًا من قيمة الضريبة خلال رفع الدعاوى أمام المحكمة، بواقع 20 جنيهًا في الدعاوى الجزئية و40 في الابتدائية و60 في الاستئنافية و200 جنيه في الدعاوى أمام المحاكم العليا، على أن يلتزم المحامي بإثبات باقي قيمة الـ14% ضمن الإقرارات الضريبية الشهرية والسنوية، مشددًا على أن المستفيد من التسجيل في المنظومة ليس مصلحة الضرائب ولكن الشركات التي ستقدم خدمات التوقيع الإلكتروني مقابل أموال طائلة سنويًا، لن تحصل مصلحة الضرائب منها سوى على 10% فقط.
وإلى جانب المهندسين والمحامين رفض الأطباء القرار، وتقدم نقيب الأطباء الدكتور حسن خيري قبل أيام بطلب لعقد لقاء مع وزير المالية ومصلحة الضرائب لمناقشة القضية، مشيرًا إلى أن مجلس النقابة العامة للأطباء أصدر عدة قرارات بالطعن على قرار وزارة المالية بتطبيق الفاتورة الإلكترونية على الأطباء.
وأكد المشرف العام على مشروع العلاج لأعضاء نقابات المهن الطبية الدكتور رشوان شعبان أن الموقف الرسمي لمجلس النقابة تمثل في رفع دعوى قضائية أمام المحكمة المختصة لوقف تنفيذ القرار، لأنه لا ينطبق على الأطباء، متابعًا: «لأننا لا نبيع سلعة إنما نقدم خدمات طبية».