2022 عام من العنف ضد النساء

بدأت حملة 16 يوم لمناهضة العنف ضد النساء حول العالم، وتستمر من يوم 25 نوفمبر حتى يوم 10 ديسمبر من كل عام في كل أنحاء العالم، وتتلون المباني والمعالم الشهيرة باللون البرتقالي تنديدًا وتذكيرًا بجرائم العنف التي تقع ضد النساء.

خلال عام 2022 شعرنا جميعًا بزيادة معدلات العنف ضد النساء في مصر، ما تعكسه كثرة الأخبار وجرائم قتل النساء والفتيات، والتي يشهدها المارة في الشوارع، ونراها بأعيننا مُصورة على السوشيال ميديا، إلى جانب ارتفاع معدلات الأخبار حول جرائم التشهير والابتزاز الإلكتروني، وحوادث تشويه وهتك العرض، وتهديدات بالقتل بسبب رفض الضحايا الزواج من المجرمين، ما يدفعنا للقول بإن عام 2022 كان عامًا مليئًا بالعنف ضد نساء مصر، ولم تتمكن فيه سيدة من النجاة، فحتى من لم تتعرض لعنف تعيش في خوف من أن تكون هي الضحية القادمة.

وفقاً لإحصائيات مرصد جرائم العنف القائم على النوع الاجتماعي، الصادر عن مؤسسة «إدراك للتنمية والمساواة» في مارس 2020، ازدادت معدلات قتل النساء وتطورت، سواء من حيث عدد الجرائم، أو نوعها. وكانت أغلب حالات القتل على يد الشريك أو أحد أفراد الأسرة. ولكن زادت تلك المعدلات لما يقارب الضعف خلال عام 2021، إذ وصلت إلى 296 جريمة قتل لنساء وفتيات، كما سجّل تطور جرائم عنف كالتحرش الجنسي أو الاغتصاب لتصل إلى قتل الضحية للتغطية على الجريمة، بعد مقاومتها أو مواجهتها للمعتدي.

أما خلال عام 2022، وصلت جرائم القتل ضد النساء إلى 157 جريمة، منها 30 جريمة شروع في قتل، وهو رقم مرتفع مقارنة مع أرقام الرصد نصف السنوية للعامين الماضيين. كما بلغ إجمالي عدد جرائم العنف الأسري والمنزلي ضد النساء والفتيات وحدها 413 جريمة خلال 2021، فيما ارتفعت حالات العنف المُسجلة ضد الفتيات الصغيرات إلى 30% من إجمالي جرائم عام 2021، بحسب تقرير المرصد، وهو ما تضاعف في 2022 وصل إلى 813 جريمة عنف تجاه النساء.

#أنا_الضحية_القادمة كان الهاشتاج الأشهر لعام 2022 في مصر، بعد جرائم قتل 4 فتيات في الشارع على يد شريك سابق أو شاب طلب الزواج منهن وقوبل طلبه بالرفض، تلك الجرائم التي جعلت النساء يتشاركن مخاوفهن من العيش في المجتمع المصري والترقب من ما هو قادم، ومن هي القادمة التي ستفقد حياتها، في ظل مجتمع يعزز الذكورية والخطاب العنيف تجاه النساء، ويبارك لغة مفرداتها كراهية المرأة واحتقارها والتقليل من شأنها.

وتتعدد أسباب العنف ضد المرأة في المجتمعات النامية، ما بين الثقافة الذكورية كما ذكرت، والغطاء الديني الذي يسمح بالتحقير من شأن النساء وتشييئهن وتمكين رجال أسرهن منهن بحجة الولاية والطاعة، فضلًا عن الخطاب الديني الذي يعزز من سلطة الذكر على المرأة، ويعتبر الضرب تأديب، والاغتصاب الزوجي حق. كما يمكن أن نضع من ضمن الأسباب التي تزيد من العنف ضد المرأة الظروف الاقتصادية التي زادت من غضب المجتمع، وتجعل الأفراد يفرغون هذا الغضب في الحلقة الأضعف وهي المرأة، التي لا تملك قانونًا يحميها، فلا يوجد حتى الآن قانون خاص لمواجهة العنف ضد النساء والفتيات بشكل شامل، وتظل جرائم مثل العنف الأسري تندرج تحت قانون رقم (58) لسنة 1937 وتعديلاته، والمعدّل مؤخرًا بالقانون رقم (5) لسنة 2018 والقانون رقم (154) لسنة 2004 المعدل لقانون الجنسية رقم (26) لسنة 1975، والقانون رقم (10) لسنة 2004 بشأن إنشاء محاكم الأسرة، والقانون رقم (64) لسنة 2010 بشأن مكافحة الإتجار بالبشر.

فعلى سبيل المثال، في حادثة «عروس الإسماعيلية»، التي قام زوجها بضربها في يوم زفافها، وهاجمته السوشيال الميديا بعد نشر مقطع فيديو للواقعة، تحفظت العائلة على تقديم بلاغ ضد العريس، وبعد 3 أشهر حررت العروس محضرًا ضده بالضرب والاحتجاز، وحُكم عليه بسنة واحدة سجن مشدد، ثم خُفف الحكم إلى شهر، وتم الإفراج عنه بعد انقضاء المدة. شهر واحد هو عقوبة ضرب واعتداء الزوج على زوجته واحتجازها، ويظل هناك احتمال أن تكون ضحية جديدة لجريمة قتل على يد شريكها، وهذا المثال يتكرر مع حالات أخرى، وذلك بسبب فلسفة القانون التي تتعامل على أن العنف على يد الشريك له دوافعه وأسبابه، ومنها التأديب، وله مبرراته، مثل الاستفزاز لرجولته على سبيل المثال.

وتضعنا تلك الفلسفة أمام إشكالية المواطنة الكاملة للنساء، وحقوقهن في العيش بكرامة وأمان، في دولة حديثة تكفل لهن حماية قانونية واجتماعية، وتعزز من المشاركة لا سلطوية طرف على آخر، وهو ما لا يتحقق من دون مواجهة تلك الثقافة الذكورية الموجودة في الخطاب الديني، ومحاسبة المحرضين على العنف الإلكتروني والاجتماعي تجاه النساء والمدافعات، لتكميم أفواههن ومنعهن من استكمال المشوار الذي بدأه جيل كامل من النسويات على مدار تاريخ مصر الحديث، وتعديل المسار القانوني لوضع تعريف واضح للعنف الأسري والعنف القائم على النوع الاجتماعي.

كما يجب تأهيل أفراد من الجهات التنفيذية للتعامل مع مثل هذه القضايا، حتى لا نسمع عن شكاوى من فتيات ونساء قمن بتحرير محاضر عوملت بتجاهل واستهانة بحجم الخوف والخطر اللاتي يعشن فيه. كل هذا وأكثر يمكن أن يحد من التزايد، ولا يمكن أن ننسى أن تصديق الضحايا ودعم أصواتهن يضمن للمجتمع معرفة مستمرة بحجم العنف الحقيقي المختبئ خلف الأبواب وفي الشوارع الخلفية، التي لا نسمع عنها ولا نصل لها بسبب تواطئ المجتمع الذكوري ضد الضحايا المستضعفات.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة