«العدالة المناخية» مصطلح حديث يتناول مسألة الاحترار العالمي من زاوية أخلاقية وسياسية، على خلاف الزاوية التقليدية التي ترى أنها مشكلة ذات أبعاد طبيعة بيئية أو مادية بحتة. يوجد عدة تعريفات لمفهوم «العدالة المناخية» إلا أنها تشترك بشكل أساسي في أنها السعي لضمان انتهاج طرق عادلة في التعامل مع الناس والكوكب، عن طريق الحد من المزيد من التغيرات المناخية، عبر ما يعرف باستراتيجيات التخفيف، والتي تهدف بشكل رئيسي إلى خفض كميات الوقود الأحفوري التي يتم حرقها لإنتاج الطاقة، وكذلك عن طريق استراتيجيات التكيف مع تغيرات المناخ.
وبالرغم من بروز المصطلح مؤخرًا على أجندة وأولويات العمل المناخي والتنموي، إلا أنه تم تحديده بشكل واضح في الاتفاقيات الدولية منذ عام 1992، من خلال اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
تم وصف تغير المناخ بأنه أكبر تهديد للصحة العامة في هذا القرن. ومن الجدير بالذكر أن ارتفاع درجة حرارة الكوكب حتى اليوم بلغ نحو 1 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة (1850-1900). ومن المُرجّح أن يصل الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية بين عامي 2030 و2052 إذا استمر ارتفاع درجة الحرارة بالمعدل الحالي.
ومع تسارع آثار تغير المناخ تتسبب الظواهر الجوية المتطرفة في خسائر كبيرة في البلدان النامية ولا سيما في أفريقيا وآسيا. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يؤثر طول أمد الجفاف والفيضانات على إمدادات الأغذية أو توزيعها، مما يجعل من الصعب على الناس الحصول على الغذاء الصحي بتكلفة معقولة. كما أن ارتفاع درجة حرارة الكوكب إلى 2˚C من شأنه أن يُعرّض أكثر من نصف سكان أفريقيا لخطر نقص التغذية. أيضاً تشير الأدلة الحالية إلى أن آثار الأحداث المتصلة بالمناخ يمكن أن تتسبب بهجرة بعض الفئات السكانية داخل البلدان وخارجها.
وقد برز مصطلح «العدالة المناخية» بسبب حقيقة عدم تكافؤ توزيع الآثار الضارة الناجمة عن الاحترار العالمي، حيث لا يشعر بها الناس بشكلٍ عادلٍ ومنصف. فكثيراً ما تتأثر المجتمعات المحلية المهمشة أو المحرومة من الخدمات من آثار التغير المناخي أكثر من غيرها. على سبيل المثال، تتأثر أفقر البلدان والفئات السكانية الأشد ضعفاً، ولا سيما البلدان التي تعتمد اقتصاداتها على الزراعة، أكثر من غيرها بالتغير المناخي، على الرغم من أنها أسهمت بأقل قدر في انبعاثات غازات الدفئية المسببة للظاهرة. ومن هنا يربط مفهوم «العدالة المناخية» تأثيرات تغير المناخ بمفاهيم العدالة والمساواة وحقوق الإنسان وصون حقوق الفئات الأضعف والأشد تأثرًا، عن طريق تقاسم أعباء الظاهرة، والتي تتصل مع أنماط وأوجه أخرى للعدالة، مثل العدالة البيئية والعدالة الاجتماعية. وتشمل «العدالة المناخية» الحفاظ على مناخ آمن للأجيال المقبلة؛ والتوزيع المتساوي للتكاليف ولميزانية الكربون العالمية المتبقية بين البلدان؛ كما تشمل تلبية الاحتياجات الأساسية لكل فرد في مجالات الإسكان والنقل واستخدام الطاقة وغيرها من الحاجات الأساسية.
الفئات الأكثر عرضة لآثار التغير المناخي
وفقًا لأحد مدونات الأمم المتحدة، فإن تأثيرات تغير المناخ لن يتم تحملها على قدم المساواة والإنصاف بين الأغنياء والفقراء، وبين النساء والرجال، وبين الأجيال الأكبر سنًا والأصغر سنًا.ً علاوة على ذلك، يؤكد الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو جوتيريس»: «وكما هو الحال دائمًا، فإن الفقراء والضعفاء هم أول من يعاني والأسوأ تضررًا». فالعديد من ضحايا تغير المناخ يتحملون مسؤولية منخفضة بشكل غير متناسب مع مقدار تسببهم في الانبعاثات الكربونية المسؤولة عن تغير المناخ في المقام الأول، ومن أبرز هذه الفئات الشباب وسكان البلدان النامية الذين تنخفض لديهم الانبعاثات بالنسبة للفرد الواحد- مقارنة بالبلدان المسببة للتلوث بشكل رئيس.
بعض الناس أكثر عرضة لتأثيرات التغير المناخي، لأنهم سيكونون أكثر حساسية للآثار السلبية على صحتهم أو رفاههم، أو قد تكون قدرتهم على الاستجابة أقل. غير أن الضعف ليس متأصلًا في فئات معينة - بل يحدده مزيج من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والثقافية والجغرافية، فضلًا عن الممارسات المؤسسية، والتي تتفاعل معًا لخلق التوزيع الفراغي للهشاشة وأوجه التأثر. فعلى سبيل المثال، تشير أبحاث عديدة إلى أن المجتمعات ذات الدخل المنخفض والأشخاص ذوي اللون الداكن والسكان الأصليين والأشخاص ذوي الإعاقة والمسنين والشباب والنساء من الفئات الأكثر عرضة للمخاطر الناجمة عن الآثار المناخية، مثل العواصف المستعرة والفيضانات وزيادة الحرائق والحرارة الشديدة وتردي جودة الهواء واختفاء الشواطئ، فضلاً عن إمكانية الحصول على الغذاء والمياه. نتيجةً لذلك، يمكن أن تؤدي آثار المناخ إلى تفاقم الظروف الاجتماعية غير العادلة.
ووفقًا لكل من الجمعية الوطنية لمكافحة التلوث (NAACP)، ورابطة الرئة الأمريكية، كثيرًا ما تكون المجتمعات المحلية ذات اللون الداكن أكثر عرضةً لخطر تلوث الهواء. بينما يعاني كبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة أكثر من غيرهم للبقاء خلال موجات الحر أو البرد الشديدة، كما أن لديهم قدرة أقل على الإخلاء السريع والآمن من العواصف الرئيسية أو النيران. بالإضافة لذلك، قد يعيش الأشخاص ذوي الدخل المحدود في مساكن مدعومة من الحكومات، والتي غالبًا ما تقع في مناطق سهلية معرضة للفيضانات. وفي كثيرٍ من الأحيان تحتوي هذه المساكن على مشاكل تصميمية مثل عدم وجود عوازل حرارية فعالة أو انخفاض جودة الهواء الداخلي. علاوة على ذلك، تضيف التحديات الاقتصادية ضغوطًا شديدة لتحمّل تكاليف التأمين ضد الفيضانات أو الحرائق أو إعادة بناء المنازل أو دفع تكاليف الفواتير الطبية الباهظة بعد وقوع الكوارث. كما أن المستأجرين أكثر عرضة للمخاطر من المالكين لأنهم لا يستطيعون تعديل منازلهم، ولذلك فهم أقل قدرة على الاستعداد للأحداث المناخية والتعافي منها.
يتفق جميع المدافعين عن العدالة المناخية على أن أولئك الذين أسهموا إلى أقصى حد في تفاقم آثار الظاهرة يتحملون المسؤولية الكبرى عن المساعدة في حلها. ومن ناحية أخرى، ينبغي على الدول التي أسهمت بشكل بارز في زيادة الانبعاثات الكربونية مساعدة الفئات الأكثر عرضة لآثار الظاهرة وإدماجهم في المناقشات حول الإجراءات التي يتعين اتخاذها.
عوامل عدم المساواة في العدالة المناخية
لن تتوزع آثار الاحترار العالمي على جميع أنحاء العالم بالتساوي بسبب عدة عوامل منها:
- الاختلافات الجغرافية.
- تفاوت الحصة التاريخية في إسهامات الانبعاثات الكربونية.
- التنمية غير المتكافئة بين الأمم وداخل كل منها.
- تفاوت الأمم في قدرتها على التكيف مع آثار المناخ.
مسؤولية الدول المسببة للتلوث
أكدت كل من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) واللجنة الحكومية الدولية لتغير المناخ (IPCC)، على أنه يجب على البلدان الصناعية أولًا وقبل كل شيء أن تتخذ إجراءات داخلية محلية لمجابهة تغير المناخ، في الوقت ذاته هي ملزمة بمساعدة البلدان النامية في التخفيف من حدة تغير المناخ والتكيف معه من خلال بناء القدرات ونقل التكنولوجيا. بالتالي تتحقق العدالة المناخية عن طريق ضمان بناء القدرة بشكل جماعي وفردي على الاستعداد لآثار تغير المناخ والاستجابة لها والتعافي منها - وسياسات التخفيف منها أو التكيف معها - عن طريق النظر في أوجه الضعف والهشاشة والموارد والقدرات الحالية.
ومن أهم المسؤوليات الواقعة على عاتق الدول المسببة للانبعاثات الكربونية بشكل بارز ما يأتي:
- الحد من انبعاثاتها من غازات الدفيئة إلى مستويات تمنع التدخل البشري المستحث والخطير في النظام المناخي، وفقًا لمسؤولياتها العامة والمشتركة بالإضافة إلى مسؤولياتها الخاصة والمتباينة.
- توفير التمويل المناخي قصير وطويل المدى لمساعدة الدول الأكثر عرضة لآثار التغير المناخي للتكيف معها، وانتهاج سياسات تنموية خافضة للكربون (وهو وعد قُطع في محادثات «كوبنهاجن» في عام 2009، وتم وضعه رسميًا في 2010، ينص على أن الدول الأكثر ثراءً ستقدم 10 بلايين دولار سنويًا خلال الفترة 2010-2012 لترتفع إلى 100 بليون دولار سنويًا بحلول عام 2020).
- ضمان بناء القدرات ونقل التكنولوجيا لمساعدة الفئات الأضعف على أن تصبح أكثر قدرة على التكيف مع تغير المناخ والاستفادة من النمو الأخضر. على سبيل المثال، تقدم زراعة المحاصيل المقاومة للملح وحلول الطاقة النظيفة فرصة للتكيف بالنسبة للمزارعين.
ويبقى السؤال. هناك أشخاصًا يتحملون مسؤولية تغير المناخ أكثر من غيرهم، وثمة آخرون يتأثرون بسببه أكثر من غيرهم أيضًا. فعلى من يقع اللوم؟ وهل من طريقة عادلة لتحقيق «العدالة المناخية»؟!