عبد الله نمير
لماذا يجب أن أكتب عن ( أم ميمي)؟
أثرت هذا التساؤل في نفسي قبل أن أنتهي من قراءة الرواية الأخيرة للأديب المصري بلال فضل.
ربما يكون السبب هو الصعوبات في الحصول عليها؛ كما لا يخفي عليك حيث أن الرواية ممنوعة في مصر من المكتبات؛ ربما سبب آخر يكون في العلاقة الشخصية مع شخص كاتبها حيث أنني دوماً أضع نفسي منه موضع التلميذ المتلقي من أستاذه الذي يفتح له أسوار القراءة.
هذه الأسباب كانت في البداية قبل أن تفتح لي أم ميمي عالمها لأدخله شغوفا بمعرفة مصائر الأبطال
1_ كيف بدأت أم ميمي:
خلال حوارين أجراهما بلال فضل مع الأديب أحمد ناجي في بودكاست ( عشوائي مع أحمد) و حواره مع موقع جدلية بثه علي قناته علي اليوتيوب يقول بلال فضل أن هذا العمل هو جزء من ثلاثية تأريخ للقاهرة في سنوات التسعينيات كما عاشها بلال؛ و هو لم يلبث أن أزال لدينا أي غموض في آخر أسطر الرواية عندما يخبرنا:
(كان هذا آخر عهدي بشعراوي الزناوي و من معه و حوله، و بداية رحلتى نحو حارة سمكة التى سأنبئك بأخبارها إن عشنا)
لكن ما الذي يستحق أن يذكر عندما نكتب عن تاريخ التسعينات؛ هذه السنوات الخاملة في الظاهر حتى أنك ربما تبذل جهداً كبيراً في تذكر ما الذي حدث فيها.
في التسعينات حدث زلزال أكتوبر 1992م، عرفت مصر ما عرف بالاصلاح الاقتصادي، حقق منتخب مصر بطولة إفريقيا؛ و ماتت أم ميمي!.
تمثل أم ميمي و حكايتها نموذج البطل الضد في الرواية؛ نحن لسنا بصدد ذكر محاسن تستدعي منك الانبهار؛ بل أمام قصة تدعوك أن تعرفها أولا؛ تتسرب إليك ثانياً؛ ثم تفكر أي نموذج مثلته أم ميمي؟.
لا يذكر لنا بلال فضل من تاريخ أم ميمي الكثير؛ لكنك مطالب بالتفكير في هذا التاريخ للشخصية.
محاولا فهم مصير البداية لهذه الشخصية التي وصمها المجتمع بالعهر الذي لم تمارسه بينما صمت نفس هذا المجتمع علي نقائص موجودة.
و نجح بلال فضل في بداية الرواية من أن يخرجك من سلطان الحكم على الشخصية؛ أو إصدار أحكام قيمية أو منطقية عليها؛ فالمنطق المقبول هنا هو الحكي و الحكاية فقط.
2- هل تمثل أم ميمي تيارا أدبيا ما ؟
يذكرنا الكاتب المصري رجاء النقاش بدور نجيب محفوظ في الأدب العربي عامة خاصة الرواية بأن الرواية المصرية تحتاج أن تخرج من تحت عباءة نجيب محفوظ؛ و هو ما أرادت بعض من جماعات أدب الستينيات القيام به مثل نموذج عبدالحكيم قاسم، و صنع الله إبراهيم بتقديم طريقة مختلفة لكن هذه المحاولات لم تكن مجتمعة أو مكثفة.
إلا أننا و في سنوات قليلة خرجت إلينا تجارب متتالية مثل ( عطارد) للروائي محمد ربيع، ( نساء الكرنتينا) لنائل الطوخي و حتي أعمال ( أحمد ناجي) مثل روايتيه ( استخدام الحياة، و النمور لحجرتي)
كلها تتشابه في لغتها مع أم ميمي؛ اللغة و السرد الذي يميل إلى السوداوية في بعض الأحيان؛ و يتأرجح إلى كوميديا سوداء في أحيان أخري.
إذا كان بلال فضل نقل إلينا بقلم أديب ساخر له خبرة و تجربة مع السخرية مشهد موت أم ميمي و اللحظات التى سبقته في كوميديا ربما تنتزع من شفتيك البسمة وسط قتامة الأحداث؛ فإن محمد ربيع مثلا في عطارد اختار القتامة الكاملة و هو يصف مشهد بسيط عبارة عن إنتاج موسيقي جديدة لتناسب أحداث روايته؛ اختار أن يقوم الشخصية بتمزيق رأس خنزير ضربا؛ ليصنع من صراخه نغمة تنتشر..
نحن هنا لا نقارن بين اختيارات الكتاب بل هو ربما نفس الخيار و يتدرج.
و ربما يكون هذا هو الخروج الكبير للرواية العربية.
3_ كيف تستخدم اللغة لترسم الشخصيات:
مرت الرواية بتحدى صعب و هو فرضية استخدام اللغة للتعبير عن الواقع بطريقة لا يمكن من دونها التعبير؛ و هو التحدى الذي نجح فيه بلال فضل بلا شك.
تستطيع أن تكتب مئات الكلمات للتعبير عن وضاعة شخص ما؛ لكن ماذا لو كان اسمه ( شعراوي الزناوي) و الزناوي هي من الزنا و ليس الزينة كما يستدرك بلال فضل مع أول سطر نتعرف فيه إلى الشخصية.
رسم الشخصيات في الرواية كان الحد الفاصل الذي نجح بلال فضل في تخطيه؛ فميمي الذي لم يكن ميمي كيف ستعبر عن هذه الشخصية بكل ما داخلها بدءاً من الرسم الشكلي إلى تلك الصراع الحيواني داخله.
كل هذا يحتاج إلى خلفية تنطلق منها الشخصية داخل الأحداث.
4- السرد و الحوار:
سار السرد في الرواية بالعربية الفصحى؛ بينما كان الحوار هو البطل.
جرى الحوار في الرواية على ثلاث مراحل
الأولى هى حوار البطل مع ذاته؛ و فيه كشف للشخصية و رسم لها، حيث كان دافعاً للسرد ذا فائدة كبيرة.
أما المستويين الآخرين من الحوار فكانا داخل دائرة البطل يمكن تقسيمهم أثناء وجودأم ميمي و ما بعدها.
ما قبل أم ميمي
في النهاية نحن أمام رواية أما أن تحبها تماماً أو تكرهها تماماً كما رأيت في الانقسامات بين الأصدقاء حولي؛ لكنها و بلا شك تجربة تستحق.