محمد المهدي
غياب للسينما في دول عربية كاليمن والعراق وسوريا والصومال وليبيا، وحضور طاغي للحروب والنزاعات والصراعات التي لا تنتهي، ربط نستطيع تبريره إن كان الغياب في دولة دون أخرى، لكن عندما تغيب السينما عن كل هذه البلدان، منذ تسعينات القرن العشرين، بالتزامن مع تزايد معدل العنف وتصاعد وتيرة الأحداث والصراعات، فما تبريرنا لذلك؟!
تعتبر السينما البوابة السحرية للعالم، فمن خلالها تستطيع الشعوب التواصل والتعبير عن قضاياها وواقعها وتاريخها وثقافتها، والسينما صناعة وثقافة واقتصاد قومي عظيم وفعال للكثير من الدول، فعلى سبيل المثال تتباهى الهند بإنتاج ما يقارب ربع إنتاج العالم من الأفلام بلغات متعددة، في ما يزيد على 13 ألف دار عرض، ويصل مشاهديها إلى 15 مليون يوميًا، وتنتج ما بين 800 إلى 1000 فيلم كل عام، فيما يستغرق إنتاج الفيلم شهرًا كاملًا، وخمسة أشهر للمونتاج والعملية الفنية، فتخيل الناتج القومي لهذه الصناعة والأيدي العاملة والمبدعين القائمين عليها، إلى جانب الإعلانات والتسويق، لذلك تشكل السينما الهندية جزءًا من هوية الهند، وتتربع على عرش الفنون والثقافة، ولا ننسى أيضًا مساهمتها في تكوين السلم الاجتماعي للهنود، ودمجهم في هوية وطنية واحدة بمختلف دياناتهم وعقائدهم وطوائفهم وأعراقهم ولغاتهم، كما تعمل بالطبع على نشر الكثير من الوعي للمفاهيم والأفكار التي يحتاج إليها المجتمع الهندي، ومنها ما شهدناه في فيلم "Sultan" عن الجندرة في ممارسة رياضات مثل المصارعة، وضرورة تواجد الأب عند الولادة، وغيرها من القضايا المطروحة بعفوية وبكثير من العاطفة.
وبالعودة لليمن، فبالرغم من تمتعها فيما سبق بأكثر من 50 دار عرض في مختلف المحافظات والقرى، وعلى سبيل المثال لا الحصر 4 في الحديدة، وواحدة في باجل، وأخرى في طريق يريمذ و2 في ذمار، و6 في حضرموت، تتوزع على الشحر والقطن وسيئون وتريم، واثنتين في المكلا، وفي ابين كان هناك دارين، إحداهما في جعار وأخرى في زنجبار. المثير للدهشة أن دار السينما الموجودة في جعار تحولت بعد حرب 1994 إلى "مسجد حمزة"، على الرغم من وجود 4 مساجد بالقرب منها تخدم أهل الحي. قصف مسجد حمزة عدة مرات في حرب الحكومة على تنظيم أنصار الشريعة في 2012، حيث أصبح بؤرة للإرهاب، بدلًا من أن يكون مكانًا للسلام والفن والمحبة.
وبالعودة بالذاكرة لزمن الستينات والسبعينات والثمانينات أيضًا- وهذه العصور الذهبية للسينما في اليمن- وكيف كانت حياة الناس وتفاعلهم مع هذه الوسيلة الإعلامية وتعاطيهم معها بزخم وعشق وصل للإدمان في بعض الأحيان. الكثير منهم تأثر وخرج منها حاكيًا ما شاهده من إثارة وحركة في هذا الفيلم وذاك، أو اتجه لتقليد هذا الممثل أو ذاك، ولا ننسى القصص التي ألهمت العديد من الناس وجعلتهم يتحدون واقعهم، أو يدافعون عن عواطفهم أو أحلامهم في الحب والحياة، فهذا تعرف وانبهر لأول مرة على مخلوقات عملاقة كالديناصورات، وآخر علم بوجود فضائيين في كواكب أخرى في الفضاء اللا نهائي، وتلك عرفت أن زواج القاصرات جريمة، وأن الحب نعمة يجب الحفاظ عليها.
ومن القصص المثيرة للاهتمام، يحكى أن أحدهم شاهد فيلمًا من سلسلة جيمس بوند "007" في سينما بلقيس، وكانت أكثر من نصف مشاهد الفيلم محذوفة لكونها مشاهد مثيرة، ثم سافر لمدينة عدن وشاهد نفس الفيلم من دون حذف المشاهد المثيرة، لكنه للأسف وجد حذفًا لمشاهد الاستخبارات الروسية، فتعجب بشدة وقال: "إذا أردت مشاهدة فيلم كامل في اليمن فعليك مشاهدته في صنعاء وعدن لتكتمل الصورة". والمضحك المبكي أن الحكومة اليمنية عام 2009 عندما أرادت محاربة الإرهاب بطريقة أخرى، لجأت للسينما عبر إنتاج فيلم "الرهان الخاسر"، الذي لم يعرض في السينمات، لكن عرض في التلفزيون وعلى الأقراص المدمجة.