الدين خلف أسوار السياسة

منى حميدة

لا يخفى علينا تأثير السلطة على الأفراد العاديين، سواء في نطاق الأسرة أو المجتمع، أو على نطاق المؤسسات والمناصب، إلا أنهم يظلوا في أعيننا بشر يخضعون للتقييم، فماذا حينما يسخر هؤلاء البشر من رجال ونصوص الدين، ليجعلوا من الدين أداة للسيطرة على الأخرين، ويخرجوا عن نطاق التقييم؟!

كشف ما يدور حولنا من تغيرات سياسية في البلاد الإسلامية أن ما كنا نظنه من أحكام الدين هو في الأصل من أحكام السياسة، والحقيقة أن التفاعل بين الدين و السياسة شيء غير مستحدث، وهو ما حاول عالم الاجتماع و المفكر علي الوردي فى العديد من كتاباته رصده، وبالأخص الكتاب محل النقاش “وعاظ السلاطين”، الذي رصد فيه العديد من الثورات الفكرية و الصراعات في تاريخ المسلمين، ونستلهم من أفكاره لمناقشة الدور الذي لعبه رجال الدين لصالح السياسة.

رجال الدين وازدواجية الشخصية والصراع النفسي

كان ذلك العنوان أحد الأفكار التي ناقشها الكتاب، والتي يمكننا لمسها في عصرنا الحالي، فبالحديث عن قضايا المرأة بالتحديد نجد أن قصر الفقة على الرجال غفل احتياجات النساء، فأصبح لدينا فقهًا كتبه الرجال، و لكنه لا يعبر عن النساء، ويظهر ذلك في قضية مثل زِي المرأة، حيث نجد العديد من الوعاظ يشددون على ما يجب أن ترتديه المرأة، بينما لا يتحدث أحد عن احتياج المرأة لتبدو بمظهر يعبر عنها هي، لا عن الاحتياجات الجنسية للرجال، وهو ما دفع الكثير من النساء للتحايل على مفهوم الحجاب، وكره جسدها وبالأخص شعرها، ووصل الأمر للحد الذي نرى فيه شيخًا يتحدث عن مدى إثارة لون “الشنطة” للرجال! وهو ما يضع العديد من النساء في صراع نفسي بين كونها إنسان، وبين رغبتها في إرضاء الله.

وبالحديث عن قضية مثل “التعدد”، فعلى الرغم من وجود آراء فقهية منصفة فيه، إلا أن الآراء المتحيزة للرجال هي ما طغت، وهي أيضًا ما جعلت النساء تخاف التعدد و تهاجم من يؤيده، وتركتها لتعيش صراعًا بين مشاعرها وبين ما زرعه رجال الدين ليبدو لها و كأنه الدين.

وعن علاقتنا بالفن، الذي يعتبر وسيلة لتعبير الإنسان عن الذات، فقد ساهم رجال الدين بجزء كبير في وجود أجيال تحب الفن وتشعر بالذنب تجاه ذلك، غير مدركين أن فصل الفن عن الإنسان هو بمثابة عزله عن ذاته ومشاعره، وهو ما لا يأتي إلا في صالح الديكتاتور الذي يستبدل الفن الحقيقي بالمسخ، و يطوع القانون و الحقوق لمصلحته.

الجانب الحقوقى المخفي للدين لأجل السياسة

و هنا أشار المفكر علي الوردي إلى نقطتين أساسيتين، “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، و”الدين والعدالة الاجتماعية”. وعن النقطة الأولى، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كثيرًا ما أثار استيائي تدخل الآخرين في شؤون غيرهم بشكل سافر، تحت شعار ديني بارق وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو ما دفعني للبحث عن حقيقة الأمر، فكيف لبشر أن يمتلك فرصة للتنظير على غيره ومحاسبتهم؟ وأن يكون له مكافأة دينية على ذلك؟ ولم لا يتم استخدام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا في سياقات التدين الظاهري واضطهاد الأقليات الدينية؟ وكيف تحول الدين لأداة للحشد لأفكار لا تقدم شيئًا سوى أن تزيد الطاغي طغيانًا، و تفصل الدين عن تكوين منظومة أخلاقية للأفراد؟

والحقيقة أن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أبعد ما يكون عن ذلك، لكن السياسة ورجال الدين كان لهم رأي آخر. وحسب ما طرح المفكر علي الوردي في كتابه، وجدت فكرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليكون للمسلم دورًا بارزًا في دفع الظلم عن الآخر ومواجهة الظالم، ولكن بالطبع وجود أمر كهذا من الله واجب تنفيذه يهدد حكم السلطان ووعاظ السلاطين، فتحول الأمر إلى ما يعرف ب”الحسبة”، والتي توجه من الحاكم أو صاحب السلطة ضد المحكومين. وبالطبع بعد تحول الدين لدى غالبية الدول الإسلامية إلى تدين ظاهري، أصبح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أداة لخضوع الأخرين لنفس المنظور عن الدين، فضلًا عن تحوله لأداة في يد الأقوى، يفرض بها سلطانه على الأضعف.

وإذا اتجهنا للحديث عن النقطة الثانية، الدين والعدالة الاجتماعية، يتناول”الوردي” أفكارًا عديدة نحتاجها في عصرنا هذا، متمثلة في جوهر الدين، طارحًا أراءًا بارزة لمفكرين كبار عن دور الدين في تحقيق العدل بين الناس، منهم “أبا ذر”، أحد الشخصيات الهامة التي تغيب عن عالم أهل السنة، ربما بسبب اختلافه الواضح مع عثمان ابن عفان رضي الله عنه الذي نفاه.

كان أبا ذر يرفض التفاوت الشاسع بين النقود التي يمتلكها الأفراد داخل المجتمع الإسلامى، ويرى أنه يجب على المترفين عدم الاكتفاء بدفع الزكاة، بل التخلي عن مظاهر الثراء الفاحش لسد حاجات الفقراء، وهو ما يلفت النظر إلى قضية التفاوت الطبقي الظاهر في بلادنا الإسلامية، ما شبهه علي الوردي بالضرائب التصاعدية في العصر الحالي.

ومن الشخصيات الهامة التي ذكرها الوردي في كتابه، والتي طالبت بالعدل بين الطبقات، عمار بن ياسر، وبالطبع علي بن أبي طالب، الذى خصص فصلًا كاملًا في الكتاب للحديث عنه بشكل مفصل.

السنة و الشيعة

تعد علاقة السنة بالشيعة و الفتنة الكبرى في الإسلام من أبرز القضايا التي تبين علاقة السياسة بالدين، والتي استفاض الوردي بالحديث عنها في كتاب “وعاظ السلاطين”، بداية من شرحه لشخصية الإمام علي الفيلسوف و المفكر، وتوضيحه تاريخ التشيع وما طرأ عليه من تغيرات حتى يمتزج بالخرافات، فالتشيع في نظره كان ثورة على فكر ديني سلطوي تأثر به العديد من الأئمة الكبار، أبرزهم أبو حنيفة والشافعي.

ويختم الكتاب بما يمكننا تعلمه من التاريخ بنظرة الكاتب كعالم اجتماع، فكيف يمكننا البحث والنظر للدين كجوهر لحل مشاكلنا كمسلمين؟ وكيف تجاهل التاريخ العديد من الشخصيات لكونها انهزمت في المعركة؟

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة