ماذا يُعني مصطلح الأمن الإنساني؟

لم يعرف مصطلح “الأمن الإنساني” إلا في وقت متأخر، مقارنة بالأمن العسكري، إذ ظهر لأول مرة خلال التقرير السنوي الذي أعده ونشره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 1994. 

يعالج مفهوم الأمن الإنساني مسائل واهتمامات تناولتها بشكل مباشر الوسائل المبتكرة لضمان الأمن بالمعنى التقليدي، فهو يتناول المخاوف الأمنية من منظور جديد، مما قد يؤدي إلى بروز أولويات أخرى، وتشمل منهجيته على سبيل المثال قضايا الأسلحة الصغيرة والألغام المضادة للأفراد، فضلا عن قضايا نزع الأسلحة التقليدية، فيما لا يهدف بأي حال من الأحوال إلى تقويض سيادة الدولة، بل على العكس فمن غير الممكن تحقيقه إلا من خلال مؤسسات الدولة الفعالة.

ويمكن تتبع جذور مفهوم الأمن الإنساني في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، إذ ركز على إرساء بعض القواعد الكفيلة بحقوق الإنسان وكيفية حمايتها، والتي من خلالها يتم تحقيق الأمن الإنساني.

وعلى الرغم من ظهور عدد من المبادرات المحدودة لطرح فكرة  الأمن الإنساني بعد ذلك، إلا أنه لم يكن لديها صدى كبير ودور مؤثر في طرح المفهوم على أجندة العلاقات الدولية، حيث ظهرت لأول مرة نظرية سيكولوجية كندية المنشأ في عام 1966، تحت اسم الأمن الفردي، تلاها في بداية السبعينات مجموعة من اللجان التي قامت في إعداد العديد من التقارير حوله، ومنها جماعة “نادي روما”، واللجنة المستقلة للتنمية الدولية، واللجنة المستقلة لنزع السلاح والقضايا الأمنية، إذ أكدت تلك اللجان في إعداد تقاريرها على أهمية تحقيق أمن الإنسان، فضلا عن متابعة أوضاع الأفراد في كافة أنحاء العالم، من فقر وتلوث وغياب الأمن الوظيفي في مجال العمل، ومن ثم تركيز الاهتمام بمشاكل الأفراد.

ويعتبر الإسهام الحقيقي لظهور هذا المفهوم من خلال تقرير التنمية البشرية لعام 2004، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والذي تناول – تحديدا في الفصل الثاني منه- مجالين مهمين: الأول هو الحرية من الحاجة، والثاني هو الحرية من الخوف، وهو الأمر الذي أكده الأمين العام للأمم المتحدة الأسبق كوفي عنان في تقريره للأمم المتحدة الصادر عام 2000، تحت عنوان “نحن البشر”، حيث تضمن التقرير أمن الإنسان من منظور واسع، فهو يشمل حقوق الإنسان، والحكم الرشيد، وإمكانية الحصول على التعليم والرعاية الصحية، وإتاحة الفرص لكل فرد لغرض تحقيق طموحاته، كل ذلك من أجل الحد من الفقر وتحقيق نمو اقتصادي يتلاءم وتطلعات البشر.

وفي سياق متصل، برزت نظرتان متنافستان للأمن البشري من خلال الممارسات الدولية، تمثلتا في المبادرتين اليابانية والكندية، وكانت الرؤية اليابانية واسعة، ارتكزت على الصيغة الأصلية التي أقرها برنامج الأمم المتحدة التنموي، ويمكن تلخيصها في عبارة “التحرر من العوز”، فالأمن البشري يتمثل تقريبا في تأمين الحاجات الأساسية للإنسان، كالحاجات الاقتصادية والصحية والغذائية والاجتماعية والبيئية، وهو ما عكسه بصورة مباشرة تقرير لجنة الأمن البشري لسنة 2003، والأنشطة الممولة من قبل الصندوق الياباني للأمن البشري، الذي ركز على مسائل التجارة والرعاية الصحية والتربية والحريات الأساسية، فضلا عن دراسة حالات النزاعات، في الوقت الذي أولى فيه الصندوق اهتماما بمشاريع مثل الأمن الغذائي للمزارعين في شرق تيمور  أو الأمن الصحي في طاجيكستان.

أما المبادرة الثانية وهي الكندية، فلها رؤية أقل اتساعا من الرؤية الأولى، فهي أكثر ارتباطا بشبكة الأمن البشري، وشعارها الأساسي “التحرر من الخوف”، إذ يمثل الأمن البشري أساسا للتخلص من استعمال القوة والعنف، أو التهديد بهما، من حياة الناس اليومية.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة