الرقص في محاكم تفتيش “الأخلاق”

محمد السعيد

بالتأكيد الأخلاق هي الدرع الواقي من الانهيار، والضمير هو الموعز لأخلاق الشخص، فلابد من تنمية الضمير، لأنه المتحكم الرئيسي في التصرفات والأفعال.

ارتبطت الفضيلة والمنطق منذ قديم الأزل ارتباطا وثيقا، فهما مترادفان لابد لهما التواجد سوياً عند الحكم على الأفعال، فلا يمكن لمجتمع أو لشخص الحكم على فعل ما من دون أن يكون سند الحكم منطقيا وأخلاقيا.

من الحَكَم على تصرفات وأخلاق الأشخاص؟
هل هو التعليم الإجباري؟ هل يكون التعليم المكتسب؟ هل الضمير؟ أم مدعو الفضيلة والأخلاق؟ هل المجتمع ككل؟ أم الدين هو من يكرس فكرة الأخلاق عند البشر؟

إذا كان الدين هو المصدر الوحيد للأخلاق، وباعتبار أن منطقتنا العربية هي المكان الذي نشأت فيه الأديان السماوية، وشعوبها من أكثر شعوب العالم تدينا، فكيف نفسر انتشار أزمات أخلاقية مثل الرشوة والفساد والتحرش الجنسي والعنف ضد المرأة والطفل والحكم على الأشخاص على نطاق واسع في مجتمعاتنا؟!

بالطبع لا أقصد هنا التقليل من دور الدين في مسألة الأخلاق، ولكن المقصود ببساطة هو محاولة فهم الآخر المختلف، ومراجعة النظرة الأخلاقية -الاستعلائية- غير المبررة لدينا، والتي تدفعنا لرؤية غيرنا باعتبارهم “غير أخلاقيين”.

لقد اعتدنا في مجتمعاتنا المغلقة أن نختصر الأخلاق في الجسد، وأصبحنا نرى أن الحرية الشخصية انحلالا أخلاقيا، وكل من يحاول أن يستمد حريته هو بالضرورة منحل، كما نصب أشخاص مثلنا أنفسهم حكاما أخلاقيون، وأصبحوا هم أصحاب الفضيلة والأخلاق السامية، متغافلين جميعا أن الأخلاق مفهوم واسع، يشمل العدل والأمانة واحترام حقوق وحريات الآخرين، وتقديس حقهم في الاختلاف دون اضطهاد، وأمور أخرى كثيرة.

نشأ معظمنا في العالم العربي على فكرة معينة ووحيدة، وهي أن الدين هو مصدر الأخلاق، وإن كنت تبحث عن الإجابة، فلابد أن تفرق جيدا بين أخلاق الشخص وأخلاق المجتمع، وأن تعي جيدا العامل المشترك بين الاثنين.

فماذا تعني الأخلاق؟

الأخلاق، هي مجموعة من القيم والمبادئ والعادات والتقاليد التي تجعل الفرد في حالة توافق مجتمعي، وإذا تحلينا بها يصبح معظم الناس في حالة رضا نفسي وقبول للآخر وأفكاره، ولكي يتحقق هذا لابد من توافر مجموعة من الاشتراطات في المجتمع، أولها أن يكون الشخص ذو السلطة الأعلى قابلا للمحاسبة، وثانيها ألا يكون هناك شخصا رقيبا على الأخلاق.

تنبع الأخلاق من البيئة والمجتمع، فالبيئة الصالحة والمجتمع الرشيد ينتجان أخلاقا طيبة، والأخلاق بشكل عام مقياس لتقدم الأمم وثمرات حضاراتها، ومن ثم فإن المشروع الأخلاقي هو الحل، وأية تطوير أو تغيير مادي نرجوه – وإن كان ضروريا- سيظل غير كافي أو مؤثر من دون التمكن الأخلاقي في نفوس الناس وسلوكياتهم وتعاملاتهم وواقعهم اليومي.

نعيش الآن حالة من الانفلات في إصدار الأحكام على الأشخاص بدعوى الأخلاق والقيم المصرية الأصيلة التي تربينا عليها، فهل ما تربيتم عليه هو الحكم على الأشخاص من وجهة نظركم التي اكتسبتموها من الاغتراب في بلاد النفط، وتأثرت بتدفق المال الممزوج بالتشدد الذي اقتحم ثقافتنا عن طريق شيوخ الفضائيات وفنانين الزيت، وعقول اعتادت على الحكم والتحكم بأفعال الآخرين؟!

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة