صناعة الرياضة.. ونحن في خبر كان

كانت الرياضة في العصور القديمة موهبة في المقام الأول، ومع تطور المجتمعات والخبرات والأفكار والتجارب الإنسانية الغزيرة تحولت إلى علم ودراسة وصناعة، بل أصبحت الدول تتبارى في تلك الصناعة على جميع المستويات.

صناعة بطل أولمبي في لعبة فردية، أو جيل كامل من الأبطال، والحفاظ عليهم وتطويرهم في لعبة جماعية، قصة لها أكثر من زاوية، وإذا أمعنا النظر في تلك الزوايا سنصل بالتأكيد لحقيقة الأمر والسبب حول تحول الرياضة إلى صناعة، وحصولها على هذا الاهتمام الكبير.

فعلى الصعيد السياسي، ووسط تعاظم الصراعات الحزبية والعرقية، ورغبة كل دولة في إثبات هيمنتها وسيطرتها، وإرادة كل عرق وجنس في قول “أنا الأعظم”، تحولت الرياضة إلى مسرح لتلك النزاعات، حيث أصبح بإمكان الدول الرد من خلالها على أعدائها، مثلما حدث بين إنجلترا والأرجنتين عقب حرب جزر الفوكلاند عام 1982.
حرب استمرت 74 يومًا بين الدولتين بسبب الجزر المتنازع عليها، وانتهت باستسلام الجيش الأرجنتيني وهزيمته وانتصار الإنجليز، ولم يكن باستطاعة الأرجنتين الرد عليهم إلا في ساحة رياضية، وهو ما حدث في مونديال 1986 بالمكسيك، عندما أرسلت الأرجنتين “مارادونا” ورفاقه لهزيمة الإنجليز في واحدة من أشهر مبارايات كأس العالم، أحرز خلالها الأسطورة الأرجنتينية هدفا تاريخيا، يعد حتى الآن الأفضل في تاريخ كأس العالم، كما أحرز هدفا شهيرا بيده اليسرى، تم احتسابه لأن الحكم لم يشهد الكرة.

ذكر “مارادونا” بعد ذلك، أن هذه المباراة بمثابة الثأر لبلاده لما حدث في حرب جزر الفوكلاند، وردا على سؤاله عن الهدف قال: “إنها ليست يدي بل يد الرب”. هدفين هما الأغرب أحرزهما مارادونا في مباراة لن تنسى من ذاكرة المونديال، مباراة النزاع والحرب والثأر.

ومن أكثر ما تأثرت به الرياضة في طريق تحول ملاعبها إلى معارك قتال وإثبات ذات، ما حدث طيلة أكثر من 40 عامًا بين المعسكرين الشيوعي أو الكتلة اليسارية، وعلى رأسها “الاتحاد السوفيتي”، ومعه في ذلك “الاتحاد اليوغسلافي” وأغلبية دول أوروبا الشرقية، والمعسكر الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية، حيث كانت الساحات الرياضية بين فرق المعسكرين ما هي إلا حروب لإثبات الذات والسيطرة، فتحول الفوز إلى شرف ما بعده شرف، وكان مصدرا لتقدير كل دولة وكل معسكر، حتى أن بعض الرياضيين حصلوا على أوسمة عسكرية تقديرًا لدورهم الرياضي وانتصاراتهم في ميادين الرياضة على “الأعداء”.

وبلغة الأرقام وعالم الاقتصاد والأموال والربحية ستجد أهمية الدور الذي تلعبه الرياضة في اقتصادات الدول والبورصة العالمية، فارتبطت الرياضة بالاقتصاد و العائدات المادية الضخمة، وأصبح دورها يكاد يكون الأهم على الإطلاق في كثير من الدول والمجتمعات، بعدما أصبحت مصدرا للدخل، وموردا اقتصاديا هاما للغاية.

ففي أمريكا الجنوبية، تمثل كرة القدم أهمية قصوى لدول هذه القارة، يكفي أن أخبرك عزيزي القارئ أن اللاعبين المحترفين من أمريكا الجنوبية في أوروبا هم كنز لبلادهم، وما يدفعونه من ضرائب يمكننا من قول إن اقتصاد بعض بلاد القارة قائما على اللعبة.

وفي سياق متصل، إذا أبحرنا إلى منطقة أخرى من العالم، تحديدا “البلقان” والاتحاد اليوغسلافي- بعد تفتت (صربيا/ كرواتيا)، نجد أن هذه الدول تقدمت بشكل كبير في جميع الرياضات والألعاب الفردية والجماعية. دول لا تمتلك اقتصاديا قويا، بموارد محدودة وعدد سكان صغير جدا، استطاعت تحويل الرياضة إلى توجه قومي ومصدر دخل قوي لها، بل وأصبحت متفوقة في غالبية الألعاب الفردية والجماعية.

ومع المعطيات السابقة، وغيرها الكثير، أصبح لا يمكن إنكار أن الرياضة جزء لا يتجزأ من تاريخ الدول وحضارات الأمم والشعوب، وبعد ما توصلنا إليه من حقائق حول أهمية الرياضة الآن، علمنا لماذا أصبحت صناعة، ودراسة، وعلم.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة