لقد ضاعت هويّتي"!
قلتُها ناظرةً لأعلى بعينين غائرتين...
فبعدِ كل ماحدث من تخبطات، ومشاحنات، ومشاكل، وتفكير
وأخطاء سيئة وقعتُ فيها كنتُ أعرف منذ سنوات أن بوادرها ملازمة لفترةِ المراهقة نتيجةَ التغيرات
كنتُ أظنني محصنةً منها - إلا أنني غرقتُ فيها دون أن أشعر.. واستيقظتُ من غرقي بعدما وعيتُ بأنني الآن في القاع.
بعد كل ذلك أدركتُ أن انتمائي قلَّ عن ماسبق فأصبحتُ لا أشعرُ بانتماءٍ قوي تجاه أفكارٍ كثيرة - عكس السابق.
لا هوية محددة!
الأفكار تتهافتُ من كل جانب ثم تتطاحن، طوالَ الأيامِ على ذلك الحال!
كثيرٌ مِن ما أفعله لنفسي أو أقوله للناس أظل أفكر فيه ...
هل هو مسيء بشكلٍ من الأشكال؟
هل سيخدمني فعل ذلك الأمر بشكلٍ أكبر إذا تم تنفيذه بطريقةٍ مختلفة؟
هل سأندمُ عليه؟
هذه عينة من الأسئلة التي تزاحمُ عقلي قبلَ وبعد فعلِ أو قول أي شيء، وبدورها تقومُ بفتحِ بابٍ من تطاحن الأفكار لا ينتهي، ثم يسحبني الباب إلى التطاحنِ الأسوأ والشامل لقضايا تخص العالم وليست أموري فقط، أي أن الدوامة الناتجة من التفكير بخصوص أمور شخصية تأخذني للدوامةِ الأكبر والتي تمثل قضايا مهمة.
تطاحنِ الأفكار يعيشُ معي ساعات يومي لأسبابٍ منها التخوف من أخذِ خطوة فتكونُ بنتيجةٍ عكسية، أو تجعلني أندم فيما بعد إذا ما اكتشفتُ لاحقًا أنها كانت حمقاء وسيئة، وقد حدث ذلك مرارًا.
لا أخفيك سرًا بأنني تعبتُ من كثرةِ الأخطاء!
نعم أعلم أن الجميع يخطئ، وأن استثمار الخطأ لتحويله إلى مكسبٍ يمكن أن يتم بطرق مختلفة
ولكن كيف يكونُ إتمامها إذا استحوذَ الشك في مدى صوابيتها على كل شيء؟
الوضع الآن يشبه حدائق مجتمعةً في عقلي كلُّ حديقةٍ منهم تمثل شيئًا، فمثلًا حديقةِ التعامل مع الناس مشوّشة جدًا لا تعلم بأي أزهار يجب أن تُملأ، فالأعشابِ الفاسدة (كنفاذِ الصبرِ مثلًا) أحاولُ اقتصاصها تمامًا، والأعشاب الجيدة الثابتة لاتتغير أمنعُ ما يفسدها. لكن الفراغ الشاسع في الحديقةِ يمثل التشوش في كل ماتعلمته بخصوص التواصل.
مما يجعلني أضطرُّ الجلوس بعيدًا لا أتعامل إلا قليلًا خوفًا من الخطأ.
وهكذا كل حديقة فيها السوء وفيها الحسن وفيها الكثير والكثير من اللاشيء، فأحاولُ تثبيت الوضع على ذلك لأن التفكير يغير النسب، ثم يدخلني في دوامةٍ أخرى.
نفس الحال على بقية الحدائق، بقية ما يخص حياتي أو يخصُّ قضايا العالم.
ضياع هويتي هو الذي جعلني الآن أفصلُ نفسي عن قضايا العالم؛ لسببين:
الأول: عدم وصولي إلى يقينٍ/فهمٍ قوي لأيديولوچيةٍ محددة وإعتناقها؛ بسبب عدم فهمي لأي شيء نتيجةِ كل ماذكرته في بدايةِ حديثي، والغوص وسطَ أفكارٍ متضاربة تاهَت فيها الحقيقة.
الثاني: أول مرة أكونُ غير منتمية إلى أفكارٍ بعينها
كنتُ دائمًا معتادة على التجمعات غير مدركة للفردية، فكنتُ أظن سابقًا أن الهوية تتحدد بتحديد انتمائك لجماعة.
أصبحتُ أخاف من التفكير بعدما كنتُ أدمنه؛ لأن كلما ظهر غبارًا منهُ أعلم أن عاصفتهُ ستردمني.
ولم أعد أفهم نفسي!
لقد انقلبتِ الأوضاع رأسًا على عقب! فالتفكير الذي هو من أعظمِ الهباتِ الإنسانية، والذي بهُ عشتُ ما أريد مراتٍ كثيرة. وكان فيه حلول رائعة.
هو الآن أصبحَ مصدر قلق وخوف وتقليله يعني تخفيفهما.
التنوع الكبير في كل شيء وكثرةِ الإحتمالات (مع العوامل السابق ذكرها) أدى إلى التيهِ ثم استيعاب أن الأسس التي عشتُ عليها هشّة ليست راسخة داخلي؛ فسأحاول أن أفصل من كل شيء وأبدأ بداية جديدة نحوَ عمل أي شيء لايقحمني في دوامات.. بهدوءٍ وصمت.