تنمية الأمل: دمج أولويات جيل زد في أجندة البرلمان المصري

بالنسبة للعديد من الشباب المصريين، وخاصة من هم في مرحلة الجيل زد، أصبح السعي وراء حياة كريمة والانتقال إلى مرحلة البلوغ المهني والعملي أمرًا غير مؤكد وطويل الأمد، وهي حالة غالبًا ما يطلق عليها “مرحلة الانتظار” للاستقلال المالي والمعيشي عن الأسرة. هذه الظاهرة، التي تتميز بصعوبة إكمال التحولات الرئيسية في مسار الحياة مثل التعليم والتوظيف وتكوين الأسرة، تؤدي إلى الشعور بالقلق والملل واليأس.

كانت التطلعات المحبطة لشباب الطبقة المتوسطة المتعلمين، إلى جانب الشعور السائد بالظلم الاجتماعي، بمثابة قوى قوية غذت الحراك السياسي في عام 2011.

للبقاء على قيد الحياة في هذه البيئة، ينخرط الشباب في صراع مستمر للحفاظ على الأمل، ويعتمدون في كثير من الأحيان على المثابرة الفردية على الرغم من فشل الأنظمة والهياكل. ومع ذلك، فإن الأمل المُقدَّم حاليًا في ظل البنية الاقتصادية والسياسية السائدة في مصر غالبًا ما يتجلّى في صورة “تفاؤل قاسٍ” لأنه زائف. وتنشأ علاقة من التفاؤل القاسي عندما تُشكّل النتيجة أو الهدف المنشود عقبة أمام تغير حقيقي في حياة المرء. بالنسبة للشباب المصري، تستمر هذه الديناميكية القاسية من خلال الاستثمار في الآمال الفردية التي يولدها نظام اقتصادي نيوليبرالي يركز على الفرد كمحدد للنجاح.

هذا الأمل المتوهم، الذي يتضمن أخذ دورات تدريبية بشكل مستمر، وتعلم لغة أجنبية، وتكوين شبكات العلاقات، والتقدم بطلبات للحصول على وظائف، والتخطيط لمشاريع ناشئة خيالية، يجعل الشباب مستثمرين في نظام عمل غير مستقر. إن هذا التمسك بخيال الجدارة -فكرة أن النجاح يعتمد فقط على موقف الفرد ومهاراته، وليس العوامل الهيكلية- يضفي الشرعية على النظام الرأسمالي غير المتكافئ من خلال تحويل الانتباه بعيدًا عن الحواجز النظامية مثل الفساد والمحسوبية. وبالتالي، فإن تنمية الأمل الحقيقي غير الوهمي يتطلب انقلابًا جذريًا: تحويل التركيز والجهود السياسية من تحسين الفرد المكافح إلى إصلاح جذري للأنظمة الهيكلية الاستغلالية والجامدة التي تولد عدم الاستقرار وعدم المساواة.

 

أولويات الشباب غير القابلة للتفاوض

ولدمج تطلعات الشباب المصري في الأجندة البرلمانية، يتعين على صناع السياسات أولاً الاعتراف بالمطالب الأساسية وإعطائها الأولوية، والتي تتجاوز الأيديولوجيات السياسية العابرة وتركز على الكرامة الوجودية والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

  1. المطلب الوجودي للكرامة والعدالة

يشكل السعي إلى الكرامة حجر الأساس الحقيقي لحركة الشباب، بما في ذلك النضال ضد الاعتداء الجسدي/النفسي والإفلات من العقاب، والمطالبة بالعدالة والمساءلة.

خلال الفترة التي سبقت الانتفاضة (2005-2010)، تم تحديد النضال من أجل الكرامة باعتباره ربما الهدف الأكثر أهمية للشباب الثوري، والذي استمر حتى بعد الإطاحة بمبارك. لقد شكلت رواية الكرامة هذه رفضًا لنظام الإساءة وانعدام المساءلة المتأصل في نظام مبارك، والذي تجسد في الوحشية المحيطة بوفاة خالد سعيد.

ميدان التحرير في يناير ٢٠١١- أرشيفية
ميدان التحرير في يناير ٢٠١١- أرشيفية

تبلورت المطالب بالعدالة الاجتماعية خلال انتفاضة عام 2011، مستفيدة من القاعدة الثقافية القائلة بأن الرعاية الاجتماعية والمساواة حق للشعب وواجب على الدولة.. لقد عبر الشباب عن أهداف ثورية تتطلب تحولاً جذرياً، بما في ذلك توفير الغذاء الكافي، والحصول على الرعاية الصحية والتعليم، وتحسين مستويات المعيشة للفقراء، وتحسين الرواتب إلى جانب تحديد سقف للأجور لأصحاب الدخول الأعلى.

  1. أزمة جودة التوظيف والحماية الاجتماعية

في حين تهيمن قضية تشغيل الشباب على الخطاب السياسي في مصر، فإن محنة الشباب العاملين في الاقتصاد غير الرسمي، والذين يفتقرون إلى الحماية الاجتماعية، غالباً ما يتم تجاهلها. العمل غير الرسمي -الذي يفتقر إلى العقود والضمان الاجتماعي- هو القاعدة بالنسبة للغالبية العظمى من العمال الشباب بأجر في القطاع الخاص غير الزراعي.

العمل غير الرسمي أكثر انتشارًا بين الشباب منه بين عامة السكان، وهذا يعني أن جيلاً جديدًا من العمال المتعلمين سوف يتقدم في السن دون الحصول على معاشات الشيخوخة، وهي نتيجة وخيمة للعقد الاجتماعي المكسور الذي كان يضمن في السابق التوظيف الحكومي مع الضمان الاجتماعي الشامل والتأمين الصحي.

 

إن التقدير المستمر للوظائف الحكومية بين الشباب، على الرغم من تباطؤ التوظيف الحكومي منذ تسعينيات القرن العشرين، هو نتيجة مباشرة لعدم وجود الحماية الاجتماعية المتاحة في القطاع الخاص غير الرسمي إلى حد كبير. يفضل الشباب العمل في القطاع العام، معتقدين أنه يوفر الأمن وبرامج التأمين الموثوقة. وعندما لا تتوفر وظائف حكومية، يتحدث الشباب بمرارة عن الواسطة باعتبارها الآلية الأساسية لاستبعادهم أو دمجهم في سوق العمل الرسمي. يرتبط هذا ارتباطًا مباشرًا بإدراك الظلم الاجتماعي: حيث يتم تحديد النجاح في تلبية الطموحات العالية بشكل متزايد من خلال الخلفية الاجتماعية والاقتصادية للأسرة بدلاً من الجدارة الفردية أو التحصيل التعليمي، مما يؤدي إلى انخفاض ملحوظ في الحراك الاجتماعي.

  1. الوكالة السياسية: التحول من الرفض إلى المؤسسية

غالبًا ما تجنبت حركات الشباب السياسة الرسمية، وحافظت على علاقة هشة في أحسن الأحوال مع المجال السياسي التقليدي وعملية الانتقال الرسمية. فهمهم الجماعي لـ”معركة الأجيال” هي وضع “السياسة” (التي تُعتبر انتهازية، ومساومة، وفاسدة) في مواجهة “التغيير” (التي تُعتبر صراعًا خالصًا غير أيديولوجي من أجل تغيير جذري). وقد أثبت هذا التركيز المتعمد على العمل في الشارع ورفض المؤسسات القائمة في نهاية المطاف أنه غير قابل للاستمرار من الناحية الاستراتيجية، مما جعل الحركات الشبابية عرضة للقمع والتراجع بحلول عام 2014.

جزء من اجتماع الحركة المدنية الديمقراطية حول بيان الرد على الحكومة - فيس بوك
جزء من اجتماع الحركة المدنية الديمقراطية حول بيان الرد على الحكومة – فيس بوك

ومع ذلك، فإن حملة القمع التي شنت بعد عام 2013 أجبرت النشطاء المتبقين على إعادة التفكير بشكل جذري.إنهم يبتعدون الآن عن النقاء الثوري الصارم ويدعون إلى نهج سياسي صريح. إنهم يدركون أن تحقيق أهدافهم يتطلب من الأحزاب والمنصات السياسية تحويل المثل الاجتماعية (مثل الكرامة والعدالة الاجتماعية) إلى أهداف سياسية ملموسة وأطر قانونية. إن هذا التحول من رفض السياسة المؤسسية إلى إصلاحها أمر ضروري لتنمية أمل سياسي حقيقي ودائم، وقد يعطي إشارات إيجابية لأجيال جديدة لم تشهد انتفاضة ٢٠١١.

جيل زد: لأن دمجهم ضرورة

يجب على البرلمان المصري القادم، إلى جانب مؤسسات الدولة الأخرى، أن يتجاوز الاستراتيجية الحالية المتمثلة في الاستقطاب للشباب والمنتديات الشبابية السطحية – والتي يُنظر إليها على أنها مشاركة “دولتية” يتم اتخاذها من الأعلى إلى الأسفل – والانخراط في إصلاح هيكلي حقيقي. ويتطلب هذا التحول اتخاذ إجراءات تشريعية تركز على الأولويات الاجتماعية والاقتصادية والمؤسسية التي يعبر عنها الشباب.

 

  1. معالجة الإقصاء الاقتصادي وفجوة القطاع غير الرسمي

إن التحدي التشريعي الأساسي يتمثل في معالجة العجز في العمل اللائق وسد فجوة الحماية الاجتماعية، وهذا يتطلب:

  • إعطاء الأولوية للحماية الاجتماعية للعاملين غير الرسميين: يجب سن التشريعات بالإرادة السياسية اللازمة لتوسيع نطاق آليات الحماية الاجتماعية (مثل المعاشات التقاعدية والتأمين الصحي) لتشمل الشباب العاملين في القطاع الخاص غير الرسمي. يجب أن يتوسع نطاق التركيز السياسي الحالي على البطالة ليشمل القضايا الحرجة المتعلقة بالعمل غير الرسمي وجودة الوظائف.
  • تحفيز إضفاء الطابع الرسمي: يحتاج البرلمان إلى إقرار قوانين توفر حوافز قوية لأصحاب العمل في القطاع الخاص لتوظيف العمال الشباب رسميًا، مع توفير العقود ومساهمات الضمان الاجتماعي والامتثال للوائح العمل. إن غياب العقود منتشر على نطاق واسع (20.1% فقط من الشباب العاملين بأجر في القطاعات غير الزراعية كان لديهم عقود عمل قانونية في عام 2009).
  • الاستثمار في مواءمة التعليم الجيد: هناك حاجة إلى خطة تشريعية طويلة الأجل لضمان تكيف النظام التعليمي مع ظروف السوق وتحسين الجودة، ومعالجة عدم التوافق الحالي بين النظام التعليمي (غالبًا المهارات الحفظية) ومتطلبات مكان العمل الديناميكي الحديث. إن التحصيل التعليمي العالي يفشل في أن يترجم بشكل موثوق إلى وظائف جيدة، مما يجعل الإنتماء الي الطبقة الاجتماعية أمر حاسم بشكل متزايد في الحصول علي وظيفة.
  • دعم أنظمة ريادة الأعمال للشباب: في حين أن اهتمام الشباب بريادة الأعمال مرتفع، إلا أنهم مقيدون بسبب نقص الوصول إلى التمويل وخدمات دعم الأعمال الفعالة. يمكن للبرلمان أن يدعم إنشاء نظام بيئي مؤسسي تمكيني من خلال آليات تشريعية، مثل توفير الإعفاءات الضريبية للشركات التي يديرها الشباب، وخطوط الائتمان المدعومة، وضمانات القروض، والإعفاءات المؤقتة من لوائح العمل التقييدية. يتجاوز هذا مجرد “بيع الأمل” من خلال الدورات التدريبية إلى توفير الدعم الهيكلي الحقيقي.
  1. دعم أجندة الكرامة ومكافحة الفساد

ويجب أن تترجم رواية الكرامة المتجذرة إلى قوانين تشريعية تعزز العدالة وتفكك المحسوبية من خلال:

  • تعزيز الشفافية والمساءلة: يجب على الحكومة تعزيز المساواة والإنصاف والشفافية في الخدمات الحكومية، وخاصة في المجالات الحيوية مثل التوظيف والوصول إلى السكن، والتي تعاني حاليًا من المحسوبية والفساد الملحوظ. الهدف هو تغيير النظرة السلبية للنظام السياسي بشكل جذري وتقليل التوتر المزمن بين الشباب وأجهزة الدولة.

    دار القضاء العالي
    دار القضاء العالي
  • تعزيز تدابير مكافحة الإساءة: إن التعزيز التشريعي لحقوق الإنسان وتدابير مكافحة التعذيب أمر بالغ الأهمية لإظهار الالتزام بمطالب الكرامة الأساسية التي كانت أحد الاسباب الاساسبة التي أشعلت شرارة انتفاضة عام 2011.
  • مكافحة تراجع الحراك الاجتماعي: هناك حاجة إلى جهود تشريعية تهدف إلى إضفاء الطابع الديمقراطي على الوصول إلى الفرص عالية الجودة، مما يخفف من الدور المتزايد الذي تلعبه موارد الأسرة واتصالاتها في تحديد التحولات الناجحة في حياة الشباب. إن التراجع في الحراك الاجتماعي، حيث يواجه الشباب الذين يتمتعون بنفس مستوى التعليم نتائج مختلفة تمامًا بناءً على الطبقة، يؤدي إلى تأجيج الشعور بالظلم الاجتماعي.
  1. إضفاء الطابع المؤسسي على المشاركة السياسية الحقيقية

يجب على المؤسسة البرلمانية نفسها، “قلعة” السياسة الرسمية، أن تكسر مقاومتها الداخلية للتكامل الحقيقي مع الشباب. إن الرؤية الحالية لمشاركة الشباب، والتي تتجلي في برامج عالية الرقابة، من أعلى إلى أسفل، مثل برنامج القيادة الرئاسية، يعمل في المقام الأول على استقطاب الشباب بدلاً من تمكينهم. إن تجاوز هذه النظرة يتطلب:

  • إنشاء آليات للحوار بين الأجيال: ينبغي للبرلمان أن يسهل إنشاء مساحات شرعية وشاملة للحوار والمشاركة، وليس مجرد “قلعة” رسمية للسياسة المؤسسية. هذه المساحات، مثل المنتديات العامة المادية والافتراضية تسمح لوكالة الشباب بالازدهار خارج الهياكل التقليدية التي ثبتت عدم فعاليتها.

    مجلس النواب المصري - فيس بوك
    مجلس النواب المصري – فيس بوك
  • إزالة التشريعات التقييدية: يجب على البرلمان مراجعة وإلغاء التشريعات التي تقيد مشاركة الشباب، أو تلك السياسات التي تتعامل مع المشاركة غير الرسمية باعتبارها تهديدًا أمنيًا، مثل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
  • دعم الآلية السياسية للشباب: يجب على المشرعين الاعتراف بأن مجموعات الشباب المجزأة تتطلب آلية تنسيق لترجمة المصالح المتنوعة إلى عمل سياسي فعال. إن تعزيز بيئة شاملة حيث تقوم الأحزاب السياسية بتدريب ودمج الأجيال الشابة بشكل نشط أمر ضروري لتحقيق الحراك السياسي المستدام. إن إدراك الناشطين السابقين أن تحقيق التغيير يتطلب تحويل المثل الاجتماعية إلى أهداف سياسية عبر منصات سياسية، يسلط الضوء على مدى إلحاح هذا الدعم المؤسسي.

التحول من النضال الفردي للبناء الجماعي

إن الأمل الحقيقي، غير الملوث بالتفاؤل القاسي الناتج عن أوهام الجدارة، لا يمكن زراعته بمجرد إخبار الشباب المصريين بالعمل بجدية أكبر أو اكتساب المزيد من المهارات. إن هذا التركيز الفردي لا يؤدي إلا إلى اهتزاز شرعية النظام الذي يعد بالإنجاز بينما يعيق تحقيقه هيكليًا، مما يوقع الأفراد في دائرة من القلق وخيبة الأمل.

مؤتمر شبابي - خاص فكر تاني
مؤتمر شبابي – خاص فكر تاني

الأمل الحقيقي يكمن في الإيمان بمستقبلٍ تُزال فيه العوائق الهيكلية، ويُتاح فيه حقًا عيش حياة كريمة، تُكتسب بالجد والجدارة. ينبع الإحباط وخيبة الأمل لدى الشباب من إدراكهم العميق أن الهياكل والنظم القائمة غالبًا ما تكون مُضلّلًة ضدهم بسبب المحسوبية وعدم المساواة. لكي يتحول هذا الغضب والنقد إلى عمل جماعي بنّاء يبعث على الأمل، يجب على النظام السياسي أن يستجيب للمطالب الأساسية: تحويل سوق العمل الهش إلى سوق يوفر الأمن الاجتماعي والكرامة؛ وضمان المساءلة والشفافية في وظائف الدولة، وإضفاء الطابع المؤسسي الفعال على مشاركة الشباب بما يتجاوز مجرد الاستقطاب الرمزي.

لكن السؤال الذي يلح علي الجميع: هل يمتلك البرلمان القادم بتركيبته وطريقة تشكيله القدرة على تسهيل هذا التحول؟

فمن خلال دمج أولويات الشباب -وتحديدًا جودة العمل، والحماية الاجتماعية، والكرامة، والإدماج السياسي- في أجندة تشريعية مخصصة للإصلاح الهيكلي، يمكن للدولة أن تبدأ في رأب الصدع بين الطموحات المتزايدة والواقع المحفوف بالمخاطر. هذه الخطوة تُحوّل الأمل من التزام فردي مُرهق إلى مشروع مجتمعي مشترك، مما يسمح للشباب المصريين بالتخلص من عبء النجاة من نظام مُنهار، ويُمكّنهم من الازدهار الحقيقي.

 

إن تنمية الأمل الحقيقي أشبه بتحويل شمعة واحدة هشة، محمية بشكل خطير من قبل الفرد، إلى شبكة كهربائية قوية على مستوى المدينة. يتطلب الأمر استثمارًا ضخمًا ومتكاملًا في المكونات الأساسية -الاقتصادية والقانونية والسياسية- حتى يمكن ضمان إضاءة الفرصة للجميع، وليس فقط للقِلة المتميزة.

 

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة