في قلب مشهد انتخابي صاخب تسيطر عليه سطوة المال السياسي وترتيبات السلطة، تبرز أصوات أربعة مرشحين يخوضون معركة تبدو شبه مستحيلة. هم لا يملكون الملايين ولا الدعم التنظيمي الهائل، لكنهم يتسلحون بتاريخ من النضال وقرب من نبض الشارع جعلوه برنامجهم الانتخابي الأبرز. يطلقون على أنفسهم “مرشحي الغلابة”، وفي محاولة لرسم ملامح الأمل في واقع قاتم، يجتمعون هنا في ثاني حلقات “قعدة انتخابية” لرواية قصتهم.
من دمنهور، أتى صوت يساري مخضرم: الدكتور زهدي الشامي رئيس مجلس أمناء حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، حاملًا إرث جيل السبعينيات المتمسك بالعدالة الاجتماعية، مرشحًا عن دائرة دمنهور، قبل أن يعلن انسحابه ومقاطعة انتخابات مجلس النواب 2025.
ومن شبرا الخيمة، انطلقت رشا عبد الرحمن مرشحة حزب الدستور، بطموح شابة تهدف إلى تحويل القضايا الخدمية الملحة، كعلاج الإدمان، إلى عمل برلماني. ومن الفيوم، تحدث أشرف عبد الونيس مرشح حزب العيش والحرية (تحت التأسيس)، بلغة تجمع بين النضال العمالي والرؤية الوطنية الشاملة لشعار “حرية ولقمة عيش”. وأخيرًا، من الإسكندرية، تقدم يسري معروف كصوت مستقل للعامل الأجير، مؤمنًا بأن أصحاب المشكلة هم الأقدر على حملها إلى قاعة البرلمان.
يشرح الأربعة دوافعهم، ويشتبكون مع بنية المشهد الانتخابي المعقد، ويقدمون رؤاهم لمستقبل بلد يرونه غنيًا بموارده، فقيرًا في عدالة توزيعه.

عن القرب من الناس
بما أنكم تعرفون أنفسكم بـ”مرشحي الغلابة”، ماذا لديكم للفقراء والبسطاء؟
رشا عبد الرحمن: منطقة شبرا الخيمة واسعة جدًا، وهي ليست مجرد منطقة شعبية كما يعتقد البعض، بل تضم عائلات وعصبيات وتاريخًا كبيرًا. رسالتنا لهم واضحة: “ادعمونا وانزلوا معنا”، خاصةً وأننا لا نقدم مشروعًا انتخابيًا عابرًا، بل مشروعًا خدميًا متكاملًا ومستمرًا.

على رأس أولوياتنا، وأخطر قضية تواجهنا، هي الإدمان. لذلك، نريد أن ننشئ مستشفى متخصصًا لعلاج الإدمان بالمجان داخل شبرا الخيمة، لخدمة أهالي المنطقة بالجهود الذاتية، والحمد لله الفكرة بدأت تلقى استحسانًا كبيرًا بين الناس.
إلى جانب ذلك، يتبنى برنامجنا الانتخابي قضايا حيوية أخرى تمس حياة الناس بشكل مباشر، مثل حقوق العمالة غير المنتظمة، والمشاكل المزمنة في ملف المعاشات.
زهدي الشامي: أنا أمثل جيلًا قديمًا من رموز المعارضة الوطنية واليسارية في مصر، وبالتالي ما ندافع عنه وما نؤمن به ليس مجرد وعود انتخابية، بل هي ثوابت راسخة للوطنية المصرية: العدل الاجتماعي، والتنمية المستقلة المعتمدة على الذات.

هذه المبادئ هي في حقيقتها نقيض كامل لكل ما يحدث الآن في مصر. نحن جيل نشأ على رفض الاحتلال الإسرائيلي، جيل الحركة الوطنية في السبعينيات الذي طالب بتحرير الأرض، ونحن مستمرون في موقفنا المبدئي المناصر للقضية الوطنية، والرافض للتطبيع مع العدو الإسرائيلي، والمستنكر للعدوان على غزة وما يمثله من تهديد للأمن القومي العربي والمصري.
كما أننا متمسكون بثوابت العدالة الاجتماعية، التي لم تعد مجرد مطلب، بل هي في حدها الأدنى منصوص عليها في الدستور المصري.
الدستور حبر على ورق
عندما تتحدث عن العدالة الاجتماعية، ما هو المفهوم الذي تقصده تحديدًا؟
زهدي الشامي: العدالة الاجتماعية كما نص عليها الدستور نفسه، تتحدث بوضوح عن تقليل الفوارق بين الطبقات، وتقليل الفجوة الهائلة في الأجور والثروات، وليس توسعتها كما نرى اليوم.
هذا المفهوم لا علاقة له بما يسمى معاشات تكافل وكرامة، فهذا شيء أدنى كثيرًا من العدالة الحقيقية. هم نسوا كل هذا الكلام وأصبحت بنود الدستور مهملة، وأصبح الدستور، كما نقول دائمًا “حبر على ورق”.
لكننا، في الحد الأدنى، متمسكون بضرورة تنمية الاقتصاد الوطني الحقيقي من صناعة وزراعة وعلم وبحث علمي، وليس فقط اقتصاد الطرق والكباري والأسمنت، والمنتجعات والفنادق، وبيع أصول البلد.
ما نراه اليوم هو تجريف للاقتصاد القومي، وإفقار متزايد لعموم المصريين الذين يشكلون 90% من الشعب، لصالح أقلية لا تكاد تُذكر.
ماذا يقدم مرشحا العمال؟
المرشحان يسري معروف وأشرف عبد الونيس، كلاكما يأتي من خلفية عمالية، ما الذي أعددتماه لهذه الشريحة وما هو الدافع الأساسي لترشحكما في انتخابات 2025؟
يسري معروف: إجابة هذا السؤال تحتاج ساعات طويلة، لأن دافع الترشح نابع من سنوات طويلة قضيتها في العمل العمالي والنقابي، مررنا خلالها بمشاكل وظروف وتحديات لا يمكن حصرها.

الحقيقة أننا نبحث عن حلول طويلة الأمد لهذه المشاكل ولم نجد حتى الآن، ولا توجد مراجع يمكننا الرجوع إليها لنحتذي بها.
على الرغم من أنني شاركت في اللجنة التأسيسية لوضع الدستور بصفتي العمالية، وكنت رئيسًا لأكثر من اتحاد عمالي، إلا أنني ما زلت كعامل، أفتقد لأبسط حقوقي.
لا يوجد في المناخ السياسي والمناخ العام في مصر مرجعية يمكن حتى للعمال أن يرجعوا إليها للدفاع عن حقوقهم، كل ما نسمعه هو شعارات رنانة.
لذلك، كان لا بد أن نأخذ المبادرة، لأننا أصحاب المشكلة ومن “نكبش في النار بأيدينا”. لن أنتظر حزبًا يرشحني، فالأحزاب الآن، إلا من رحم ربي، أصبحت عملية الترشح للانتخابات فيها بالواسطة والمحسوبية والعلاقات، والوضع أصبح صعبًا.
قررت، دون أي دعم من أي جهة، أن أخوض الانتخابات بشكل مستقل لأعرض فكرتي. مجرد أن أعرض فكرتي وأتحدث عن المشاكل التي واجهتني في السنوات الماضية، فهذا بالنسبة لي يعتبر إنجازًا كبيرًا.

في المقابل، وجدت على أرض الواقع من يدعمون الفكرة. الناس كلمتني وقالت: “أنت نازل باسم العمال في البرلمان، فماذا عن بقية الناس؟”.
لو نظرنا لتعريف العامل في القانون، سنجده “كل من يعمل بأجر”؛ يعني الطبيب في المستشفى والمهندس في الشركة هما عمال أيضًا.
أتمنى أن أبدأ تجربة جديدة للحركة العمالية وعلاقتها بالبرلمان والدولة والحكومة، لنستطيع خلق مناخ من التواصل والمعارضة المنتجة. الناس متضررة من قانون العمل وقانون التأمينات. كل القوانين مجحفة بحق العمال، خاصةً بعد أن خرجت الحكومة من الشركات والمصانع، ما أدى إلى توجه الكثيرين لمشروع التقاعد المبكر دون معاش.
أتمنى أن أفعل شيئًا بدخولي مجلس النواب، وأن أكون منبرًا لكل عمال مصر. أنا لا أعادي أحدًا، لا الأحزاب ولا حتى الحكومة التي أعارضها، كل ما أسعى إليه هو أن يكون الجو العام في البلد أكثر استقرارًا من هذه “المفرمة” التي نعيش فيها الآن.
أشرف عبد الونيس: نشاطي السياسي بدأ من منطلق عمالي منذ فترة كبيرة، تحديدًا منذ عام 2005 أو 2006، لكن مع الوقت، اتجهت سياسيًا لكل الأفكار والتوجهات التي تخدم العدالة الاجتماعية بمفهومها العام والشامل.
أستطيع تلخيص رؤيتي في كلمتين: بلدنا فيها خير كثير. لدي قناعة تامة أن مصر بها موارد كثيرة، وهي من أفضل بلدان العالم كموارد طبيعية ومناخ وسياحة وكل شيء، إنما تفتقد العدالة الاجتماعية المتمثلة في أن ثروة البلد تتركز في أيدي 3% أو 5% من سكانها، بينما الـ 95% الباقون يكاد لا يكون في أيديهم شيء.

مؤخرًا، بدأ تزاوج السلطة بالمال يأخذ وجهًا أبشع، حيث أصبحت الأمور واضحة وصريحة، والمال السياسي بدأ يتدخل في الانتخابات بطريقة فجة، ووصل لمرحلة أنها تتم على الملأ، بعد أن كانت تُقال على استحياء قبل عشر سنوات. الآن أصبح هناك صراع للرأسمالية المتوحشة في مصر.
فكرة ترشحي للانتخابات نبعت في 2020 من دعم زملاء ورفقاء لهم نفس توجهي، هؤلاء الرفاق دعموني بكل ما يستطيعون. ورغم أن المشهد يبدو سوداويًا، فإننا لدينا بارقة أمل. فطالما نحن متواجدون وسط الناس ونتحرك بينهم، سيكون هناك وعي تراكمي سيأتي مع الوقت.
أما على المستوى القومي، فإنني أرفع شعار “حرية ولقمة عيش”، وهو الشعار الذي خضت به انتخابات 2020 وحصلت به على أكثر من 6 آلاف صوت رغم أن أصحاب المال السياسي أزالوا لافتاتي من المدينة.
المشهد الانتخابي القاتم
هل المال السياسي وسلبية الناخبين يرسمان مشهدًا انتخابيًا قاتمًا أمام المعارضة؟
أشرف عبد الونيس: ما زلت أتبنى نفس البرنامج الانتخابي الذي خضت به الانتخابات السابقة، عن قناعة راسخة بأن محافظة الفيوم، التي تُعتبر “مصر الصغرى”، تمتلك موارد سياحية وزراعية وإنتاجية هائلة وغير مستغلة.
وفي المجمل، أستطيع القول إن البلد لن تنهض إلا إذا اهتمت بالأسس الحقيقية للتقدم: البحث العلمي، والتعليم، والصحة.
ما دمنا نفتقد الاهتمام الجاد بهذه الملفات الثلاثة، فلن يحدث أي تقدم حقيقي في ملف الإنتاج، أو المشاريع القومية الإنتاجية، أو تشغيل العمالة. وستظل موارد البلد تُنهب وتُوجه لجيوب قلة قليلة، سواء كانوا يخدمون أجندات الرأسمالية العالمية أو يتبعون سياسات صندوق النقد الدولي بأي توجه كان.

رشا عبد الرحمن: “سأعطيك مثالًا بسيطًا لما يحدث على الأرض. كان لدينا مرشح محترم هو الدكتور أحمد الشربيني، الذي استُبعد من الانتخابات للأسف بحجة أنه على قوة الاحتياط، بالرغم من أنه أنهى فترة خدمته العسكرية.
تقدم بطعن، والحمد لله الطعن قُبل وسارت الأمور بشكل جيد.
لكن ما زال هناك أناس مستبعدون ظلمًا، مثل هيثم الحريري في الإسكندرية، ومحمد عبد الحليم، وغيرهم الكثيرون. هذا الأمر أحدث ربكة كبيرة في المشهد وجعله أكثر صعوبة وتعقيدًا.
ثلاثية المال والسلطة وتقسيم الدوائر
زهدي الشامي: المشهد الانتخابي واضح للجميع، إنه مشهد بالغ السوء. الحكم في مصر بعيد تمامًا عن تقبل أبسط مبادئ الديمقراطية، والإمكانية للتغيير عبر الطريق الانتخابي تكاد تكون مسدودة تمامًا، لعدة أسباب بنيوية.
أولًا، ما تم في مجلس الشيوخ هو خير دليل؛ أغلب أعضائه من أصحاب الوكالات ورجال الأعمال، ونحن من الأساس قاطعناه لأنه زائدة تشريعية بلا صلاحيات حقيقية.
ثانيًا، مجلس النواب يكاد يكرر نفس المأساة، حيث ضمن النظام الحاكم نصف المقاعد مسبقًا بما يسمى بدعة القوائم المطلقة.
هذه ليست قوائم انتخابية، بل قوائم إقصائية مصممة بنظم فاسدة لا تتيح سوى لأحزاب السلطة الترشح، بتنسيق مباشر من أجهزة الدولة، وكأنها عملية توزيع تورتة فيما بينهم. وعندما حاول البعض تشكيل قائمة أخرى، استُبعدت على الفور.
هذا التشويه يمتد أيضًا إلى النظام الفردي. لقد ابتدعوا تقسيمات للدوائر الانتخابية جعلتها غير متساوية وغير متكافئة على الإطلاق.
تجد دائرة بمقعد واحد وأخرى بأربعة، حسب أهوائهم وحسب الكتل التصويتية لمرشحيهم.
بهذا المنطق، هم يختارون لمرشحيهم ناخبيهم، وليس العكس. إن تقسيم الدوائر بهذا الشكل فاسد ومخالف للدستور المصري وللعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، لأنه ينتهك مبادئ التكافؤ والتأثير المتساوي لصوت المواطن.
ورغم كل ذلك، نحاول. تظل محاولتنا في النظام الفردي معافرة، ليس لتحقيق تغيير سياسي جذري، ولكن على الأقل لوجود مساحة للتعبير عن صوت الشعب داخل المجلس.

الممارسات كلها، منذ اليوم الأول للترشح، تؤكد الشكوك في حيادية العملية. بدءًا من حصول حزب مستقبل وطن على رقم واحد في القوائم، ومرورًا بالاستبعادات غير المنطقية لهيثم الحريري وغيره، وانتهاءً بالتغاضي الصريح عن الإنفاق المالي الهائل ورشاوي الناخبين، التي تسهلها أجهزة الدولة نفسها.
قولًا واحدًا، ما يحدث هو عملية مختلفة تمامًا عن أي ديمقراطية حقيقية”.
معارضة بحاجة للتطور ومواطن بحاجة للتحرك
أشرف عبد الونيس: هذه القوائم هي بالفعل تذكرة مدفوعة ومضمونة للبرلمان، أصحابها حسبوها بشكل صحيح؛ فبدلًا من معاناة إقناع الناس بفكرة، يدفع 70 أو 80 مليونًا كتبرع، وهو على قناعة تامة بأن الحصانة البرلمانية ستجعله يستردها خمسة أو ستة أضعاف. إنها تذكرة مرور صريحة.
يسري معروف: في الحقيقة، أنا أرى المشهد من وجهتين وليس من وجهة واحدة. شيطنة الدولة والحكومة هي أسهل شيء يمكن لأي شخص أن يقوله: الحكومة لا توفر مناخًا، لا يوجد قانون، لا تدعم الحرية.
هذا الكلام كله لا مشكلة فيه، لكن دعني أنظر للجانب الآخر. أعتقد أن المشهد الانتخابي الحالي هو انعكاس طبيعي للمساحة التي تركناها نحن كمعارضة وكمواطنين. بعدم مشاركتنا الإيجابية، أصبحنا مجرد متفرجين نشاهد الانتهاكات تحدث.
كمعارضة، أعتقد أننا نحتاج أن نطور من أنفسنا كثيرًا لكي نواكب سرعة الصاروخ التي تسير بها السلطة.
الانتهاكات التي تقوم بها أحزاب الحكومة، لو أن الناس نزلت وشاركت بإيجابية وملأت الصناديق برأيها، هل كانت الحكومة ستستطيع ارتكابها؟ مستحيل.
يجب أن نواجه المواطن بالحقيقة: يجب أن تشارك، حتى لو نزلت لتقطع ورقة الانتخاب. لكنك جالس في منزلك، متكئ على الوسادة وتقول الوضع لا يعجبني.

هل سيأتي لك رئيس الحكومة ويطرق بابك ليقول لك تفضل عارضني وحاسبني؟ هذا لن يحدث، نحن لسنا في المدينة الفاضلة.
أيها المواطن، شارك وابحث عن حقك وحق أولادك. هناك شخص نزل، مواطن غلبان مثلك، ضحى بماله وقوت عياله ليخوض هذه العملية المكلفة جدًا ليجلب لك حقك، فلماذا لم تقف في ظهره؟ طالما أنت جالس في البيت ولا تشارك، فتحمل ما يأتيك، وليس لك الحق أن تشتكي بعد أن يضيع حقك، فأنت من ضيعته بنفسك.
لكن ألا ترى أن بنية النظام الانتخابي نفسه، بالقوائم المطلقة التي استُبعدت قوائم المعارضة أمامها، تجعل المشاركة بلا جدوى؟
زهدي الشامي مقاطعًا: هذه حقائق ومعلومات. هناك ثلاث قوائم للمعارضة استُبعدت من المشاركة في انتخابات النواب، وفي الشيوخ استُبعدت كل القوائم حتى بقيت قائمة واحدة فقط.
يسري معروف مستدركًا: الآن، المعركة تدور خارج هذا كله، وهي معركة صعبة، وأنا متفق معك على الأسباب. قد أرى أن المقاطعة هي الحل، وقد ترى أنت أن المشاركة هي الحل، والناس لن تتفق على رأي واحد. لكن يبقى الحل في أيدينا نحن.
معركة “الفردي”
في ظل هذا الواقع وهيمنة المال السياسي، كيف ترون فرصكم في معركة المقاعد الفردية، وهل تعتبرونها المساحة المتبقية للمنافسة الحقيقية؟
رشا عبد الرحمن: مبدئيًا، يجب أن أوضح أن أحزاب الموالاة ليست موجودة في القوائم فقط، بل هم يشاركون بقوة معنا في المنافسة على المقاعد الفردية أيضًا.
في شبرا الخيمة على سبيل المثال، هناك مرشحان على المقعد الفردي من حزب الجبهة، إلى جانب مرشحين مستقلين وأربعة أحزاب أخرى في نفس المنطقة. المعركة شرسة.
الفرصة في الفردي صعبة بالفعل، خاصةً في ظل أن قطاعًا كبيرًا من الشعب المصري مقاطع للانتخابات.
الكثير منهم يرددون مقولة: لن نشارك، في كل الأحوال سيأتون بمن يريدون. لكن الصوت المصري واعٍ، ولمن يريد أن يشارك، سأقولها لكِ بصراحة تامة وأنا أتحدث من قلب منطقة شعبية: المواطن يسألك وجهًا لوجه ستعطيني بون بكم؟. هذا ما قابلته بنفسي في دائرتي، لأننا في منطقة تعاني من ظروف اقتصادية صعبة وتقع تحت خط الفقر.
دائرة شبرا الخيمة تضم طبقات اجتماعية متفاوتة، وهي منطقة ذات كثافة سكانية هائلة، إذ يقطنها ستة ملايين مواطن. تقسيم الدائرة بدمج شرق وغرب شبرا الخيمة، بعد أن كانتا دائرتين منفصلتين، جعلهما دائرة واحدة عملاقة.
هذا التوسيع يهدف بوضوح إلى تصعيب المهمة على المرشحين المستقلين. من المفترض أن أجوب شرق وغرب شبرا، وهي مهمة صعبة بالتأكيد.
هناك أيضًا قطاع من الناس قرر مقاطعة الانتخابات لأن مرشحين محددين كانوا يعرفونهم ويثقون بهم تم استبعادهم، وهم يشعرون بالاستياء نتيجة لذلك. لكننا نخاطبهم ونقول لهم: إن هناك صوتًا آخر، صوت معارضة، صوتك أنت داخل البرلمان، يجب أن تنزل وتدعمه.
أنا حزبي، الدستور، كان مقاطعًا للانتخابات منذ زمن، وهذه أول مرة نشارك، ونحن مقاطعون لنظام القائمة، لكننا نخوض معركة الفردي لأن الفرصة فيها أفضل، وأستطيع أن أحصد أصوات الناس فعلًا بشكل مباشر.
ومن هنا أناشد الناس: لو سمحتم انزلوا، اجعلوها معركة انتخابية حقيقية، لكي لا يتغلب علينا المال السياسي، ثم تشتكون لاحقًا.
زهدي الشامي: طالما أن هناك مالًا سياسيًا، فستكون هناك صعوبات جمة، هذا أمر مفروغ منه، وقد وضعتها السلطة عمدًا، وانتهكت بشكل صارخ المبادئ الدستورية والقانونية الصحيحة للعمل السياسي.
خذ على سبيل المثال تقسيم الدوائر الفردية الفاسد، هو مخالف للدستور المصري وللعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية قولًا واحدًا، لأنه ينتهك مبدأ التكافؤ، ومبدأ التماثل، ومبدأ التأثير المتساوي لصوت المواطن.
عندما تجد دائرة بها مليون ناخب وأخرى فيها 100 ألف، بأي معيار فعلت هذا؟ ودائرة بأربعة نواب وأخرى بمقعد واحد، بأي معيار؟ المرشح في دائرة المليون ناخب كيف سيصل إليهم؟ هذا لم يعد نظامًا فرديًا، أنت تكذب وتقول فرديًا، لكنك في الحقيقة تصنع قائمة مستترة.
من ضمن تلك الدوائر دائرتي، دمنهور، التي دُمج فيها قسم شرطة دمنهور مع مركز شرطة دمنهور في دائرة عملاقة، وجعلوا لها أربعة مقاعد، لكي تتمكن أجهزة الإدارة من عمل تحالفات انتخابية بين أعوان السلطة بعيدًا عن قدرة الناخبين على التأثير.
أحد أهداف ترشحي الأساسية كانت الطعن على تقسيم هذه الدائرة كمدخل لإظهار عوار تقسيم الدوائر الانتخابية بأكملها.
عندما كانت هناك انتخابات فيها قدر من المصداقية، رأينا الناس تذهب لصناديق الاقتراع والطوابير تمتد. لكن عندما تصنع انتخابات هزلية، والنتيجة غير مضمونة، يصبح الموقف صعبًا.
الناس تسأل: هل النتيجة مضمونة؟ هل نضمنها؟
الضمانات الحقيقية تتطلب الفرز في اللجان الفرعية والحصول على نتيجة رسمية معتمدة، لكن كل هذا لا يوحي بوجود ضمانات. ورغم ذلك، نحن نحاول، والكثير من المواطنين الذين كانوا مقاطعين، عندما رأوا مرشحًا له تاريخ، قالوا “طالما أنت نازل، سنذهب من أجلك”. هل هذا يضمن النجاح؟ لا أستطيع أن أؤكد لهم ذلك في ظل كل هذه المعطيات.
أشرف عبد الونيس: معركة الانتخابات على المقاعد الفردية فيها صعوبة بالغة، والسؤال الأهم هو: هل سيسمح النظام لبعض مرشحي الفردي بالنجاح لو نزل الشعب وأعطاهم أصواته؟ هذا أمر سيُحسم بناءً على النتيجة التي ستعلنها اللجنة العليا للانتخابات في النهاية.
بعد أن تم حسم القوائم لضمان الأغلبية في مجلس النواب، ستتحكم في معركة الفردي إما الرشاوي الانتخابية والمال السياسي، أو إرادة الناس بتكثيف الحضور ودعم أي شخص غير الذي دفع أموالًا للأحزاب الموالية. ما سيفصل في هذا الأمر هو الشارع.
أنا كمرشح فردي، هدفي الأسمى هو إيصال برنامجي الانتخابي للناس، لأقول لهم إن في هذا البلد خيرًا يكفي أربعة أضعاف سكانها. مشهد الانتخابات على مقاعد الفردي سيسير وفقًا لرؤية النظام، لكننا نتحرك على أمل أن الناس تخلق صعوبة أمامه، وأن يكون هناك رؤية وفكر منتشر يقول إن في البلد أمل.
هموم الدائرة
بالانتقال من المشهد العام إلى دوائركم الانتخابية، كيف ترون مشاكلها، وماذا ستقدمون لها على وجه التحديد؟
رشا عبد الرحمن: منطقة شبرا الخيمة تعج بالمشاكل الكبيرة، ونحن نرى كل يوم على وسائل التواصل الاجتماعي شكاوى الناس التي لا تنتهي، بدءًا من القمامة، ومشاكل الصرف الصحي، وغيرها الكثير. لكن يأتي على رأس هذه المشاكل، وأخطرها وأهمها بالنسبة لي، قضية الإدمان.
لقد أصبح الإدمان في شبرا الخيمة أمرًا صعبًا للغاية، والناس لا يتقبلونه، ويرون الشباب للأسف في حالة ضياع وهيئة غير لائقة، فتجدهم عند مقالب القمامة وفي كل مكان. لذلك، من أولوياتنا أن نعمل على إنشاء مستشفى لعلاج الإدمان بالمجان، بحيث يخدم أهالي شبرا الخيمة، ومن خارجها أيضًا.
إلى جانب ذلك، هناك قضية المعاشات. نريد أن يكون المعاش جيدًا ومناسبًا لحجم التضخم الموجود حاليًا، لأن هناك معاشات قليلة جدًا، مثل الضمان الاجتماعي الذي لا يتخطى أحيانًا 800 جنيه، وهو مبلغ لا يُذكر.

كذلك قضية العمالة غير المنتظمة، وعمالة السيدات، ودورهن المهمش في قانون العمل.
لدينا ملف كبير جدًا يخص السيدات بشكل عام، وبالطبع سيدات شبرا بشكل خاص. ولدينا أيضًا ملف رعاية الطفل وحق الرؤية، إذ لا يجوز أن يقتصر حق الأب في رؤية ابنه على ساعتين في مكان عام. يجب أن يكون هناك ما يسمى بـ حق الاستضافة، لتكون هناك علاقة أسرية حقيقية.
برنامجنا قائم على دعم الأسرة بشكل عام، وعلى تحسين الأجور، وهناك مشاكل كثيرة داخل شبرا الخيمة، ونسأل الله أن يعيننا عليها.
زهدي الشامي: دائرتي حاليًا تم تهميشها بشكل متعمد بضم دائرة أخرى لها، وأول ما نريد استعادته هو حق هذه الدائرة في أن يكون لها تمثيل يعبر عن إرادة أبنائها الحقيقية. ثانيًا، ما يوجد في الدائرة هو انعكاس مصغر لما يحدث في مصر عمومًا؛ هناك تهميش عام، وسياسات أدت إلى تراجع كل هذه المجتمعات وركودها.
عندما أتجول في الشوارع أرى المحلات لا تبيع، فالتنمية كلها موجهة لمناطق أخرى، وتريليونات الجنيهات تُنفق على مجتمعات ليس بها أحد، بينما مجتمعاتنا تضمحل وتندثر.
المشاكل أصبحت بالجملة في ظل هذا الوضع. بالنسبة للعمال مثلًا، كانت معي عاملات شركة الحناوي في قضية شهيرة، وهن مفصولات ولا أحد يسأل فيهن، ثم يذهبن إلى المحاكم لمدة ثلاث أو أربع سنوات حتى يحصلن على شيء يسد رمقهن.
هناك أيضًا أزمة البيوت، قابلت أناسًا كانوا يسكنون في قرى أنشأتها الحكومة ثم طردتهم ووعدتهم بسكن بديل، قابلتهم في الشارع، سيدات وأرامل، ومنذ أربع سنوات وهن ينتظرن.
الأرملة تدفع إيجارًا 3000 جنيه، وهو مبلغ يفوق دخلها كله.
هذا بالإضافة إلى قنبلة قانون الإيجار القديم التي ستهز الدنيا، حيث تريد الحكومة طرد جميع المستأجرين، وهي قنبلة اجتماعية ستطرد المواطنين من منازلهم والمحلات من أماكنها، وتخرب النشاط الاقتصادي في البلد كله. هذه مسائل تمس الدائرة كما تمس غيرها، لكن خصوصية دائرة دمنهور هي أنه تم الاعتداء على إرادة أهلها، وفرض عليها نواب بطريق غير مشروع لسنوات طويلة.
يسري معروف: الحقيقة أن دائرتي زادت بشكل كبير جدًا، فبدلًا من أن كان يمثلها على الأقل عشرة نواب، تقلص العدد إلى نائبين فقط، والموضوع أصبح صعبًا، ولكننا في الوقت نفسه، على قدر التحدي إن شاء الله. الدائرة فيها تنوع غريب جدًا، من الإسكندرية الأثرية، وكوم الشقافة، وعمود السواري، إلى منطقة أبيس وقراها، حيث لدي 23 قرية في أبيس لها متطلبات كثيرة.
عندما أقول لك إننا ما زلنا نتحدث عن المطالبة بوحدة صحية آدمية، مستشفى آدمي، إشارة مرور، ما زلنا نتحدث في الإسكندرية الآن عن مشكلة المياه المقطوعة، ومشكلة الصرف الصحي في أبيس. هذه أشياء بدائية جدًا لا أعرف كيف لم يتم إصلاحها حتى الآن.
الناس عندي في نجع العرب يعانون من كمية قمامة غير عادية يعيشون في وسطها. أين هيئة رفع القمامة، وأين تذهب الرسوم التي تُحصّل كل شهر على فاتورة الكهرباء؟ الحكومة تأخذ ولا تعطي. وأين النواب الموجودون في الدائرة؟ الناس لا يرونهم طوال خمس سنوات. عليهم أن يختاروا: هل يريدون شخصًا منهم يستطيعون الوصول إليه ويجدونه بينهم، أم يريدون إعادة التجربة السابقة؟ من قانون الإيجار القديم الذي يهدد 90% من سكان دائرتي، إلى التهميش الذي نعيشه، كلها قنابل موقوتة ستنفجر قريبًا.
الحكومة زرعت الإسفين بين المؤجر والمستأجر وانسحبت دون أي حلول. الناس أهم شيء عندهم هو وجود نائب منهم، في وسطهم، وإن شاء الله سأكون موجودًا معهم.
أشرف عبد الونيس: دائرتي الانتخابية في الفيوم، مثلها مثل كل الدوائر على مستوى الجمهورية، توسعت. كانت في السابق مقسمة بين بندر ومركز الفيوم، ومؤخرًا اندمجت الدائرتان في دائرة واحدة يمثلها ثلاثة نواب فردي. هذه الآلية تصعّب الأمور على مرشح الفردي الذي يبتغي الإصلاح بدون إنفاق أو رشاوي مالية.
أنا أحاول بقدر المستطاع أن أوصل للناس فكرة أن مرشح مجلس الشعب منوط به التشريعات، وليس المياه والكهرباء والصرف الصحي، لأن هذه هي مهام المحليات التي انعدم دورها تمامًا واختفت، فآخر انتخابات محليات كانت في عام 2006.
النائب منوط به فهم دوره التشريعي؛ أن يضع قانونًا للمحليات ويطالب بعودتها. أنا كنائب، منوط بي أن أضع لك قانونًا، وأن أقف ضد قانون مثل قانون الإيجار، وأن أحاسب الحكومة ورئيس الوزراء الذي وعد بعدم زيادة أسعار المحروقات ثم زادها.
يجب أن أُوعّي الناس بأن من يعدكم بصرف صحي أو غاز، فإن كل هذه المشاريع هي قوانين وتشريعات، إذا لم يتم تمريرها في البرلمان لصالحكم فلن يستطيع أحد تنفيذها.
أريد أن أصل بالناس لمرحلة أن الخدمات لا تُنفذ بالواسطة، وأنك لا تحتاج للذهاب لعضو مجلس الشعب ليحل مشكلتك، بل هو يخدمك بقانون يمرره وأنت في بيتك. منوط بي أن أطالب بوجود محليات للجمهورية كلها، وأن تخرج الفيوم من إطار كونها محافظة مهملة وطاردة للسكان.

رسائل أخيرة.. بين الأمل والمقاطعة
هل ترون أن انتخابات 2025 تشبه ماحدث في عام 2010 ؟ وما هي رسالتكم الأخيرة للناخبين، سواء المشاركين منهم أو المقاطعين؟
رشا عبد الرحمن: هل تشبه انتخابات 2010؟ تقريبًا نعم.
أما رسالتي للناخب فهي واضحة ومباشرة: انزل وشارك. لو كان لديك إحساس بأنهم في النهاية سيأتون بمن يريدون، فانزل أنت بنفسك واجعلهم يأتون بمن تريده أنت. صوتك هو السلاح الوحيد الذي تملكه لتغيير هذا الواقع.
زهدي الشامي: أقرب ما تكون إلى انتخابات 2010 نعم. أما عن رسالتنا للناخبين، فقاعدتنا ثابتة: حيثما يوجد مرشح أهل للثقة ويمكن أن يمثل الشعب تمثيلًا حقيقيًا، فينبغي دعمه بكل قوة. لا يصح أن يكون هناك مرشح مثل هيثم الحريري أو الأستاذ أشرف عبد الونيس موجودًا في الساحة، ثم نقول للناس لا تذهبوا للتصويت.
هؤلاء المرشحون يستطيعون تمثيل الناخب بشكل إيجابي وجاد، وفي هذه الحالة، علينا دعوة الناخب للمشاركة الفعالة. ليس علينا إدراك النجاح، ولكن علينا أن نقوم بواجبنا في المحاولة.
يسري معروف: سنرى ما سيحدث في هذه الانتخابات. أما رسالتي فهي موجهة مباشرة لأهل دائرتي: يا أهلنا في مينا البصل والورديان والقباري وغيط العنب واللبان ومحرم بك وفي قرى أبيس، لو أردتم حلًا حقيقيًا لمشاكلنا الحياتية اليومية، فكروا جيدًا فيمن ستختارون.
يا أهلنا في أبيس، من سيتكلم عن مشاكلكم الصحية، وعن الحوادث التي تقع كل يوم على الطريق، وعن غياب الخدمات والمدارس الفارغة؟ يا أهلنا في محرم بك، من سيتكلم عن دماء كل يوم تُسفَك على طريق المحمودية؟
لا تتركوني وحدي في هذه المعركة.
أنا أترشح من أجلكم، وأريد أن أفعل لكم شيئًا حقيقيًا. قفوا معي ودعموني لنصنع معًا تجربة تكون مثالًا يُحتذى به في مصر كلها.
أشرف عبد الونيس: هذه الانتخابات ستكون أسوأ من 2010.
رسالتي لمن قرر النزول والمشاركة في الانتخابات: مشاركتك هي شهادة ستُسأل عنها أمام الله وأمام ضميرك، فاختر الشخص الذي سيقدم لك تشريعات وقوانين تخدمك وتخدم أولادك، وليس من سيقدم لك خدمة وقتية.
أما للمواطن الذي يرى المشهد سوداويًا وقرر المقاطعة، فأقول له: تحرك وخذ بالسبب وقل لا للمال السياسي بصوتك في الصندوق. حتى لو لم تكن النتيجة كما تتمنى، سترضي ضميرك بأنك قمت بدورك وأعطيت صوتك لمن يستحق. تذكر دائمًا أن المقاطعة تمنح النظام براحًا أكبر ليفعل ما يريد دون أي مقاومة.
