من الشيوخ للنواب والعكس.. ماذا نعرف عن “لعبة الكراسي البرلمانية”؟

بين مقاعد تُترك وأخرى تُطلب، تتواصل لعبة “الكراسي الموسيقية” تحت قبة البرلمان المصري؛ نواب يودّعون مجلسهم نحو الشيوخ، وشيوخ يشدّون الرحال إلى النواب، في مشهد يربك المتابع ويفتح باب التساؤل حول الدوافع الحقيقية خلف هذه التنقلات السياسية المفاجئة.

مراقبون تحدّثوا لـ فَكّر تاني يرون في الظاهرة انعكاسًا لعبثية المشهد الانتخابي وتداخل المصالح، فيما يعتبرها آخرون ممارسةً دستورية مشروعة وحقًّا إجرائيًّا طبيعيًّا، بينما لا يخلو الأمر من سخرية تُشبِّه ما يجري بـ”الانتقالات الصيفية” في ملاعب السياسة.

المستقيلون من النواب والشيوخ

قدّم تسعة من أعضاء مجلس النواب استقالاتهم للترشح في انتخابات مجلس الشيوخ في أغسطس الماضي، التزامًا بنص المادة 252 من الدستور، التي تحظر الجمع بين عضوية مجلسي النواب والشيوخ.

أميرة صابر
أميرة صابر

وقد جاءت أسماء المستقيلين من مجلس النواب كالتالي: غادة الضبع، وأحمد عبد المنعم، واللواء عبد الفتاح الشحات، وعمرو يونس، ومارسيل سمير، وأميرة صابر ومحمد كمال مرعي، وفخري الفقي، ويحيى العيسوي، ومصطفى محمود.

وضمت قائمة المستقيلين من مجلس الشيوخ للترشح للنواب: أحمد عبد الجواد محمد محمد، ووليد محمود فوزى على المليجى، وأحمد صبيح محمد خشانة، وسمير محمد البيومى أحمد رمضان، ومصطفى بيومى محمد بيومى، وفرج فتحي فرج على، وسالم شتيوى سالمان غنيم، ومحمد عبده صديق اللمعي، ودينا محمد نبيل محمد هلالي، وأكمل سامى نجاتي خطاب، ومحمد مجدي فريد محمد، ونهى أحمد فتحى أحمد زكي، وعادل محمد حجازي أحمد، وياسر محمد إسماعيل الهضيبى.

كأنه “موسم الانتقالات الصيفية”

“عند فتح باب الترشح للشيوخ، علم بعض أعضاء مجلس النواب من أحزابهم أنه لن يتم ترشيحهم لمجلس النواب، فحاولوا الترشح لمجلس الشيوخ ليحصلوا على الحصانة، ومن تمكن منهم من الحصول على موافقة حزبه تقدم باستقالته من النواب ليتمكن من الترشح للشيوخ”؛ يقول هلال عبدالحميد، الخبير البرلماني ورئيس حزب الجبهة الديمقراطية المصرية، تحت التأسيس.

هلال عبد الحميد رئيس حزب الجبهة الديمقراطية المصرية تحت التأسيس - صورة من المصدر
هلال عبد الحميد رئيس حزب الجبهة الديمقراطية المصرية تحت التأسيس – صورة من المصدر

ويضيف عبد الحميد، لـ فَكّر تاني، أن سبب استقالة أعضاء من مجلس الشيوخ ليترشحوا لمجلس النواب، وهم قيادات كبيرة بأحزابهم، لكنهم يرغبون في الترقي، وممارسة دور برلماني أكبر لأن صلاحيات مجلس الشيوخ تكاد تكون استشارية، وليس له أي أدوات رقابية، وينظر في القوانين المكملة للدستور.

ويلفت الخبير البرلماني النظر إلى أن هذه التنقلات تتواكب مع تحكم الأجهزة في العملية الانتخابية بشقيها، القوائم والفردي، وهي عملية تشبه التنقلات الصيفية بالنوادي، والمواطنون أصبحوا ينظرون للعملية الانتخابية بسخرية ويأس، لأنهم يعرفون أنه لا دور لهم في هذه العملية.

لكن عبد الحميد يرى أنه بشكل رسمي، فإن استقالات أعضاء الشيوخ للترشح لمجلس النواب، واستقالات أعضاء من مجلس النواب قبله للترشح للشيوخ، عملية تنظيمية ينظمها الدستور والقانون.

ويضيف رئيس حزب الجبهة الديمقراطية تحت التأسيس: “المادة 252 من الدستور تمنع الجمع بين عضوية مجلسي النواب والشيوخ، كما يمنع قانونا مجلسي النواب والشيوخ الجمع أيضًا”.

حسابات انتخابية

الدكتور عمرو هاشم ربيع مستشار مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية، يوضح لـ فَكّر تاني أن مبررات من من ذهب لمجلس الشيوخ وترك النواب، أنه وجد انه ليس لديه قبول لإعادة انتخابه في النواب مرة أخرى، بالذات لو كان في قائمة الشيوخ لأنه لا يوجد له مكان في قائمة النواب الفترة القادمة، أو أن هذا المرشح المستقيل لا يريد إنفاق مال أكثر، خاصة لو كان مرشح على المقاعد الفردي، لأن الإنفاق سيكون أكثر مقارنة بالقائمة.

الدكتور عمرو هاشم ربيع مستشار مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية عضو مجلس أمناء الحوار الوطني - تصوير هاجر نور الدين - فكر تاني
الدكتور عمرو هاشم ربيع مستشار مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية عضو مجلس أمناء الحوار الوطني – تصوير هاجر نور الدين – فكر تاني

ويضيف ربيع أنه على العكس يأتي الأعضاء المستقيلين من مجلس الشيوخ، الذي أوشك على الانتهاء، وذهبوا لمجلس النواب، فهم يريدون مجلسا له صلاحيات أكثر وأقوى، وبعضهم في القوائم يريدون الخروج حتى يلحقوا ” توضيبات” القوائم الأخرى، ليقوموا ببعض الأمور الإجرائية في الأساس.

ويضيف أن ما يحدث في العلن أن ذلك ليس إلا أمور إجرائية للتمسك بالقانون، فأعضاء مجلس الشيوخ يستقيلون منه، لأنه ممنوع أن يقدم أوراقه للنواب، وهو عضو في المجلس الآخر، وهذا يتقاطع مع ذاك، وهو ما حدث في ترشيحات مجلس الشيوخ، التي يعتبرونها كما لو كان منتخبا لمجلس يتعارض مع المجلس الآخر.

المربك في المشهد السياسي

استقالات بعض أعضاء مجلس الشيوخ للترشح للنواب، جاءت بعد دعوة رئيس الجمهورية لمجلس الشيوخ لدور انعقاد سادس في 2 أكتوبر، وهذا أمر غير مفهوم، حيث كانت آخر جلسات الشيوخ قبل انتخابات المجلس، وبالتالي دورأعضائه انتهى، وأصبحو مواطنين عاديين، تقول ولاء عزيز، الخبيرة البرلمانية والسياسية، لـ فكّر تاني.

وتوضح الخبيرة البرلمانية والسياسية أن الموضوع لم يكن يستحق انعقاد سادس، في جلسة لم تُكمل ساعة، ليستقيل أعضاء الشيوخ من أجل الترشح لمجلس النواب، فعضو مجلس الشيوخ لو ترشح لمجلس النواب ونجح تسقط عضويته وتنتهي علاقته بمجلس الشيوخ، والعكس صحيح.

ولاء عزيز صانعة محتوى سياسي

وتضيف ولاء أن الانتخابات تُجرى لأن الوقت القانوني للمجلسين انتهى، أما فكرة الكراسي الموسيقية، فمن حق أعضاء مجلس النواب الترشح في مجلس الشيوخ، سواء كانوا أرهقوا، وأرادوا أن يستريحوا من التعامل مع الحكومة والمشاكل، ودراسة القوانين بشكل أعمق، من حقهم أن يأخذوا هدنة، أو أن تكون أحزاب هؤلاء النواب ترى أنهم أصبح لديهم خبرة أكثر فيقوموا بنقلهم لمجلس الشيوخ.

وتشير الخبيرة البرلمانية إلى أن هذه الأحزاب تقدم أعضاء جدد في مجلس النواب، حتى يكتسبوا خبرات أكثر، وأنهم لديهم طاقة أكبر للاحتكاك بالدوائر، وبوسعهم التعامل مع المشاكل والحكومة بشكل أكبر وأعمق، وكذا تستفيد منهم أحزابهم أكثر، وهذا طبيعي، وليس مشكلة، وليس لعبة كراسي موسيقية أو أي شيء.

وترى ولاء عزيز أن المربك في المشهد لها وللكثيرين، أنه لو كان القائمون على الأحزاب أرداوا إجراء تغيير، وهذا واضح من الأسماء، التي تم تداولها في المواقع الإخبارية، وهى أسماء كبيرة، ولها ثقل في الشارع، وبالتالي استبعادهم من الشيوخ للترشح لمجلس النواب غير مفهوم، لكن المواقع الإخبارية قالت هذا تحت عنوان أنه يتم تغيير المشهد السياسي، لكن لماذا لا تقدم هذه الأحزاب أعضاء جدد لتغيير المشهد السياسي.

وتؤكد الخبيرة البرلمانية أن أعضاء مجلس الشيوخ دورهم انتهى، وأصبحوا مواطنين عاديين، أما أعضاء مجلس النواب فهم مستمرون حتى 20يناير2026، والأسماء الكبيرة التي انتقلت من النواب للشيوخ، هؤلاء لم يستقيلوا، مثل زملائهم الذين تحولوا من مجلس النواب للشيوخ، وهذا معناه أن تلك الأسماء خارج السباق الانتخابي في العموم، لكنهم لن ينتقلوا من هنا لهنا.

منى الشماخ أمينة الإعلام وعضوة الهيئة العليا بالحزب المصري الديمقراطي

في المقابل تقول منى شماخ، الكاتبة والروائية، أمينة الإعلام للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي لـ فكّر تاني: “أنا لا أرى أن الاستقالة من مجلس للترشح في مجلس آخر لعبة كراسي موسيقية، كما يقول البعض، لأن هذا من حق أي نائب، ولا تعيب أحدًا، ويبقى حق المواطن محاسبة هذا النائب على ما قدمه في هذا المجلس أو ذاك”.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة