يُسطِّر التاريخ نضالات وبطولات المرأة في كل أنحاء العالم، من أجل حقوق المرأة وحقوق الإنسان، ومن أجل عالم خالٍ من العنف والتمييز القائم على النوع، ومن أجل عالم يسوده السلام والاستقرار، ومن أجل المساواة والعدالة الاجتماعية، ومن أجل الحريات، ومن أجل مناهضة العنف ضد المرأة بكافة أشكاله من عنف أسري ومجتمعي وفي أماكن العمل، ومن أجل الدفاع عن الوطن ضد المستعمر والمحتل الغاصب للأرض والثروات.
للمرأة دور كبير في النضال من أجل المساواة وتحسين شروط العمل، ويجيء احتفال العالم بالمرأة في الثامن من مارس كل عام للتأكيد على التقدير والاحترام للدور الذي تقوم به النساء في سبيل تقدم وبناء ونهضة وتطور العالم في جميع المجالات، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا بعدما خرجت المرأة للعمل ووصلت لمناصب صنع القرار.

قلة عدد المترشحات
ونحن على أبواب انتخابات مجلس النواب تتوالى الأسئلة الكثيرة والهامة عن المناخ الذي تدور فيه الانتخابات، وعن مدى إقبال الناخبين والناخبات على التصويت، وعن استخدام المال السياسي في الانتخابات، وعن استغلال وجود نسبة كبيرة من الفقراء لشراء أصواتهم بالمال والمواد الغذائية العينية، وعن أعداد المترشحات من النساء بعد إقرار نسبة 25% للسيدات في الدستور المصري.
أسئلة كثيرة تتبادر إلى الذهن، وفي هذا المقال سأتناول موضوعًا هامًا من وجهة نظري وهو قلة عدد المترشحات من النساء عبر تاريخ البرلمان المصري منذ إقرار حق الترشح للنساء في دستور 1956، ويجدر الإشارة إلى أن ذلك ينطبق على جميع الأحزاب بتياراتها السياسية المختلفة وأيضًا على أحزاب الموالاة وأحزاب المعارضة بما فيها الأحزاب التقدمية اليسارية، رغم وجود المرأة بهذه الأحزاب بنسبة تصل إلى 30% أو أكثر من عدد أعضاء الحزب، ورغم وجودها في الهيئات العليا للحزب، وذلك لعديد من الأسباب منها تمويل الحملات الانتخابية الباهظة واستخدام المال السياسي، واتساع الدوائر بل وتفصيلها من قبل واضعي قانون مباشرة الحياة السياسية، وقانون الانتخابات بالقائمة المطلقة التي هي بمثابة التعيين وليست تعبيرًا عن إرادة الشعب، وأيضًا التدخل الأمني في استبعاد معارضي النظام وأسباب أخرى في مقدمتها الوعي المجتمعي والثقافة المجتمعية تجاه النساء.
نضال من أجل الاستقلال والدستور
إذا تحدثنا عن مصر نجد تاريخًا طويلًا مجيدًا لمشاركة المرأة في مراحل النضال التحرري، ففي يوم السادس عشر من مارس 1919 (يوم المرأة المصرية)، خرجت المرأة للمشاركة في ثورة 1919 للمطالبة بالاستقلال وخروج المحتل البريطاني من أرض مصر، خرجت أكثر من 300 سيدة وفتاة يومي (14 و16 مارس) بقيادة هدى شعراوي وسيزا نبراوي وزميلاتهما رافعات علم مصر مع الهلال والصليب، وواجهن جنود الاحتلال البريطاني، وسقطت عدد من الشهيدات المصريات برصاص جنود الاحتلال ليسطر التاريخ بحروف من نور أسماؤهن (حميدة خليل، ومنى صبيح، وسعيدة حسن، وفهيمة رياض، وشفيقة العشماوي، وعائشة عمر، وحميدة سليمان).

وتأسس الاتحاد النسائي المصري عام 1923 برئاسة هدى شعراوي وإحسان القوصي وسيزا نبراوي، وطالب بحق المرأة في التعليم والصحة والترشح والانتخاب، وتأسس الاتحاد النسائي العربي عام 1944 برئاسة هدى شعراوي واستمرت رئيسة له حتى وفاتها عام 1947، وتأسس الاتحاد من ست دول: مصر وسوريا والعراق ولبنان وفلسطين وشرق الأردن.
واستمرت المرأة المصرية في نضالها من أجل الاستقلال، والدستور، وحقوق المرأة في التعليم والترشح والانتخاب في المجالس النيابية، وبرزت أسماء نبوية موسى، وصفية زغلول، ودرية شفيق التي أكملت تعليمها وحصلت على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة السوربون بفرنسا وهي في سن 32 عامًا، وعادت إلى مصر لاستكمال مسيرة نضال المرأة المصرية وأسست في أواخر الأربعينيات اتحاد بنات النيل الذي قامت من خلاله بتعليم النساء العاملات من جميع الطبقات وفتحت فصول محو الأمية ونشرت التوعية بين النساء بحقوقهن، ومنها حق الترشح والانتخاب وتولي المناصب.
مظاهرة درية شفيق
في 19 فبراير 1951 جمعت درية شفيق حشدًا من 1500 امرأة في قاعة بالجامعة الأمريكية من أجل عقد مؤتمر نسائي وخرجت بهن إلى البرلمان المصري واستمرت بالتظاهرة مدة 4 ساعات حتى تعهد رئيس المجلس بالنظر في مطالبهن الخاصة بتولي المناصب والترشح والانتخاب.
وعند كتابة دستور 1954 أضربت درية شفيق عن الطعام من أجل انضمام النساء للجنة وضع الدستور للمشاركة في كتابته، وبعد 10 أيام من الإضراب تدهورت حالتها الصحية، وتم نقلها إلى المستشفى، ولم ترجع عن الإضراب إلا بعد أن وعدها رئيس الجمهورية وقتها محمد نجيب بأن تحصل النساء على كامل حقوقهن، وبالفعل صدر دستور 1956 بعد ذلك ليحمل حق الترشح والانتخاب، وأصبح أول دستور مصري يكفل للمرأة مباشرة حقوقها السياسية من خلال ما نصت عليه المادة 61، والتي على إثرها تم تشريع قانون مباشرة الحقوق السياسية رقم 73، والذي قرر على كل مصري ومصرية بلغ من العمر 18 عامًا أن يباشر بنفسه حقوقه السياسية.
وتم جني ثمار كفاح درية شفيق وزميلاتها في وصول أول امرأتين لمجلس الشعب في انتخابات 1957، حيث تم فتح باب الترشح في 18 يوليو وترشح 5 سيدات ذلك العام من بين 1748 مرشحًا ومرشحة وهن: زينب مراد وشهرتها سيزا نبراوي عن دائرة مصر القديمة، ونظلة الحكيم عن دائرة بلقاس دقهلية، وزينات عابدين عن دائرة كرداسة بمحافظة الجيزة، وراوية عطية عن دائرة قسم الجيزة، وأمينة شكري عن دائرة باب شرق بالإسكندرية. ونجحت أول امرأتين ودخلتا مجلس الشعب في برلمان 1957 وهما راوية عطية وأمينة شكري.
واستمر بعد ذلك ترشح عدد من السيدات للبرلمان ولكن لم تزد نسبتهن في البرلمان عن 2% إلا في بعض الفترات التي اعتمدت كوتة للمرأة، وبعد ثورتي 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، شاركت النساء في وضع دستور جديد كما شاركت في أوسع حوار مجتمعي عند وضع الدستور.
وكان نتيجة ذلك المادة 11 من الدستور التي نصت على مزيد من الحقوق للمرأة حيث تضمنت: “تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقا لأحكام الدستور. وتعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلًا مناسبًا في المجالس النيابية على النحو الذي يحدده القانون، كما تكفل للمرأة حقها في تولي الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا والتعيين في الجهات والهيئات القضائية دون تمييز ضدها. وتلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف، وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل. كما تلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد احتياجًا”.
قانون الانتخابات
كما شاركت المرأة المصرية في حوار مجتمعي حول قانون الانتخابات الذي يحدد المشاركة السياسية للشعب المصري، وحقه في الترشح والانتخاب، وحقه في بيئة انتخابية تشجع على المشاركة وتتيح العدالة والمساواة بين كل القوى والأحزاب والمستقلين، مع إتاحة الحريات لإجراء دعاية انتخابية يتمكن من خلالها المرشحون والمرشحات من عرض برامجهم ورؤيتهم من أجل بناء مجتمع يضمن الحياة المعيشية الكريمة، ويضمن عدالة توزيع الثروة، ويضمن وضع بلدنا في مصاف الدول الكبرى.
قانون يتيح مشاركة جميع فئات المجتمع دون تفرقة، ودون تمييز للنوع أو الوضع الاجتماعي أو الجغرافي، قانون يضمن وصول من يعبرون بشكل حقيقي عن مطالب الشعب وقادرون على تنفيذها بكفاءة، قانون انتخابات يضمن العدالة والنزاهة والشفافية والتعبير الحقيقي عن إرادة الجماهير.
وأجمعت آراء القوى الوطنية وقوى المعارضة على رفض الانتخابات بالقائمة المطلقة وطالبت بالقائمة النسبية ومن الممكن الجمع بينها وبين الانتخابات الفردية.

وفي هذا الشأن أشار الدكتور عمرو هاشم ربيع بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام إلى عيوب الانتخابات بالقائمة المطلقة، وقال إن القائمة المطلقة التي تحصل على 50% أو أكثر من عدد أصوات الناخبين الصحيحة تكتسح وتأخذ كل مقاعد الدائرة وتلغي بالتالي أصوات الناخبين التي ذهبت للقوائم الأخرى، أي تلغي ببساطة 49% من إرادة الناخبين.
وأيضًا من عيوب نظام القائمة المطلقة هو خلق حزب واحد مهيمن ومسيطر على السلطة، مما يساهم في إقصاء الأحزاب الأخرى، فلا يمكنها القيام بممارسة دورها السياسي أو المشاركة في التنمية السياسية وصنع القرار، أو المشاركة في حل أزمات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية كأحد مؤسسات المجتمع المدني.
أما نظام الانتخابات على أساس القائمة النسبية فيتسم بالعدالة والتعبير الصحيح عن إرادة الناخبين وتمثيل كل القوى السياسية على الساحة ومنها الأحزاب المعارضة لأن نتيجة الانتخابات بالقوائم النسبية هي التمثيل وفقًا للأصوات التي تحصل عليها.
كوتة السيدات
بعد ثورتي 2011 و2013، تم وضع كوتة لوجود السيدات مع عدد من الفئات منها الشباب وذوو الإعاقة والمسيحيون والمصريون المقيمون بالخارج، فزاد عدد النساء في برلمان 2015 إلى حوالى 15% (89 امرأة) من عدد أعضاء البرلمان، كان من بينهن 19 امرأة نجحن من خلال الانتخابات الفردية.
وفي عام 2019 تم تعديل الدستور حيث نص على تمثيل المرأة بنسبة 25% من عدد أعضاء المجالس النيابية المنتخبة، وتمثيل العمال والفلاحين مع تمثيل الشباب والمسيحيين وذوي الاحتياجات الخاصة والمصريين بالخارج.

وزاد عدد النساء في البرلمان إلى حوالى 27%، ولكن كان معظمهن من خلال القوائم المطلقة (والتي هي من وجهة نظري أقرب إلى التعيين) ومن النسبة التي يقوم الرئيس بتعيينها.
من العرض السابق نلاحظ أن تمثيل النساء لا يتناسب نهائيًا مع عددهن في المجتمع الذي يصل إلى 50% من عدد السكان، هذا غير الدور الضروري والهام الذي تقوم به المرأة في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، ودورها في المؤسسات القضائية والوزارات. ولذا طالبنا كثيرًا بأن يكون تمثيل المرأة 50% من المجالس النيابية المنتخبة وفي النقابات ومجالس إدارة المؤسسات، أي مناصفة مع الرجال في كل المجالات.
أسباب كثيرة
وهناك أسباب كثيرة لقلة عدد المرشحات من النساء نسبة إلى الرجال منها:
أولًا: الوضع الاقتصادي للمرأة في مجتمعنا الذي لا يمكن أن يتماشى مع ضخ الملايين من الجنيهات على الحملات الانتخابية، مما يستبعد الكثيرات اللاتي يردن فعلًا تبني قضايا المجتمع وفي القلب منها مشكلات الأسرة وقضايا الوطن.
ثانيًا: ما زالت الثقافة المجتمعية في بلداننا العربية وفي مجتمعنا المصري تفضل الذكور عن الإناث وتنظر للمرأة نظرة رجعية مع انتشار أفكار متشددة تحصر دور المرأة في إمتاع وخدمة الرجل وتربية الأطفال. في الانتخابات الفردية تتحكم العناصر القبلية والعائلية والعشائرية في الاختيار حتى يومنا هذا.

ثالثًا: غياب المحليات التي دورها الأساسي تقديم الخدمات للأهالي في الأحياء والمراكز والقرى والمدن والمحافظات أدى إلى مطالبة الناخبين لأعضاء وعضوات مجلس النواب بتقديم الخدمات لهم مع تراكم وعي الجماهير بأن عضو مجلس النواب هو بالأساس للخدمات يليه الرقابة والتشريع، ولذا من معيار الاختيار للسيدات هو ما يتم تقديمه من خدمات في الدائرة الانتخابية.
رابعًا: اتساع الدوائر بشكل كبير بحيث لا يمكن المرشحات من تغطية الدعاية الانتخابية في كل أماكن الدائرة لقلة الوقت والجهد والمال.
خامسًا: استخدام المال السياسي الضخم سواء في الفردي أو القوائم المطلقة، وغني عن الذكر ما انتشر خلال الأسابيع الأخيرة من أرقام فلكية تصل لعدة ملايين للالتحاق بأحد القوائم.
سادسًا: استغلال الوضع الاقتصادي المتأزم وتزايد عدد الفقراء وعدد الذين تحت خط الفقر بشراء أصواتهم بالمال وتوزيع كراتين مملوءة بالمواد الغذائية، دون رقابة أو عقاب من المسؤولين رغم تجريم القانون لذلك.
زيادة عدد المرشحات
إن وجود قانون للانتخابات يتيح المشاركة من خلال القوائم النسبية ووجود مناخ من الحريات يُمكن المرشحين والمرشحات من الدعاية وعرض برامجهم على الجماهير، وتفعيل وتنفيذ قانون تجريم المال السياسي، وتقسيم الدوائر بشكل عادل، هذا بجانب تحقيق العناصر الهامة وهي المساواة بين المرأة والرجل في كل المجالات، وتمكين المرأة اقتصاديًا، مع الاهتمام بتعليم الفتيات ومحو الأمية والاهتمام بالصحة، والتوعية المجتمعية الخاصة بالمواطنة والمساواة، وسن التشريعات والقوانين التي تعمل على تجريم العنف ضد المرأة بجميع أشكاله، والتشريعات التي تعمل على استقرار الأسرة المصرية، كل ذلك بالتأكيد سيساعد على زيادة عدد المرشحات مع زيادة عدد الناجحات في الانتخابات وبالتالي زيادة عدد النساء في مجلس النواب وفي جميع المجالس النيابية المنتخبة.
إن تقدم وبناء ونهضة المجتمع تقوم على مشاركة المرأة والرجل معًا.
