احتجاجات العمال.. صوت واحد ينادي بالحد الأدنى للأجور أولًا

“أعمل منذ أكثر من 10 سنوات في قسم القص، وأنا أرملة لديَّ طفلان قاصران، وابنة مطلقة، يرفض زوجها الإنفاق على ابنه، فكيف أدبر أمري بـ 3600 جنيه، لم تزد إلا الشهر الماضي بعد أن وافقت الإدارة على 500 جنيه زيادة فقط”.

هذا ما تتحصل عليه إحدى عاملات شركة سمنود للنسيج والوبريات، التي أكدت في حديثها لـ فَكّر تاني، أن الإدارة وحّدت مرتبات العاملين تحت سن الخمسين بحيث لا يتعدى 4000 جنيه لكل عامل وعاملة، كما وعدتهم بتطبيق الحد الأدنى للأجور (7000 جنيه)، بنهاية أغسطس؛ لكي يحصلوا على صافي راتب قدره 6200 جنيه.

شَكَّل انخفاض الأجور أزمة داخل عشرات المصانع والشركات على مدار العام ونصف العام الماضي، وكان السبب خلف تزايد وتيرة الاحتجاجات في الأشهر الماضية، وجاء مطلب تطبيق الحد الأدنى للأجور على رأس أولويات المطالب داخل القطاعات المختلفة.

متى يتم تطبيق الحد الأدنى للأجور؟

في 9 فبراير الماضي، أعلن المجلس القومي للأجور في أول اجتماعاته برئاسة الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، عن رفع الحد الأدنى للأجور للعاملين بالقطاع الخاص إلى 7000 جنيه اعتبارًا من الأول من مارس 2025.

وقرر المجلس قيمة العلاوة الدورية للعاملين بالقطاع الخاص بحد أدنى 3% من أجر الاشتراك التأميني، وبما لا يقل عن 250 جنيهًا شهريًا.

وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي رانيا المشاط (وكالات)
وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي رانيا المشاط (وكالات)

ورغم تشديد المسؤولين على متابعة تطبيق الحد الأدنى، نجد أن عمال شركة العامرية للغزل والنسيج يضربون عن العمل لمدة أسبوع بعد اكتشافهم تلاعب الإدارة في حساب الحد الأدنى للأجور، وعدم مراعاة الأقدمية وتطبيق التدرج الوظيفي.

وهو ما أكده أحد العمال، في حديثه لـ فَكّر تاني، من أن إدارة الشركة احتسبت كل ما يتحصل عليه العمال من إضافي وبدلات وحوافز جزءًا من الحد الأدنى، كما طالبوا بزيادة حافز الإنتاج وبدل الوجبة وصرف العلاوات المتأخرة واحتساب الإضافي عن يوم السبت على الأجر الشامل وليس الأساسي، وتوفير سيارة إسعاف داخل الشركة.

أضاف العامل – الذي طلب عدم ذكر اسمه – أنه يعمل في الشركة منذ 36 سنة وإلى الآن لم يتخطَّ راتبه 5800 جنيه، أي أقل من الحد الأدنى للأجور الذي أقرته الحكومة في مايو 2024 وهو 6000 جنيه.

لم يكن هذا فقط ما أثار غضب العمال، فقد أشارت إحدى العاملات لـ فَكّر تاني، إلى أن هناك فروقًا كبيرة في المرتبات بين العمال، ومستشاري رئيس مجلس الإدارة ومديري الإدارات، حيث يتقاضى البعض منهم مرتبات شهرية وصلت إلى 150 ألف جنيه، كما يتم إجبار العمال الذين اقتربوا من سن المعاش على القيام بإجازات طويلة تصل إلى 120 يومًا متتالية حتى لا يتقاضوا مقابل رصيد الإجازات عند خروجهم على المعاش، ومن يرفض يتم تهديده بالنقل، بحسب العاملة.

الغلاء كشف هشاشة الحد الأدنى للأجور

إلهامي الميرغني، الباحث الاقتصادي، يوضح في حديثه لـ فَكّر تاني، أنه وفقًا لآخر بحث نشره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في 2021/ 2022، تم حساب خط الفقر الوطني بـ1400 جنيه شهريًا للفرد، أي 5600 جنيه شهريًا للأسرة، وفقًا لمستويات التضخم وسعر صرف الدولار في 2021.

إلهامي الميرغني - خاص فكر تاني
إلهامي الميرغني – خاص فكر تاني

يستخدم الميرغني الأرقام ليوضح لنا أن التضخم وصل في مصر إلى 24.4% في ديسمبر 2022، و40.3% في فبراير 2023، و35.1% في فبراير 2024، كما أن سعر الصرف ارتفع من 15.6 جنيه للدولار في 2021 إلى 18.9 جنيه في 2022، و30.6 جنيه في 2023، و45 جنيهًا في 2024، و50 جنيهًا منذ مطلع 2025 وحتى الشهر الماضي، حيث انخفض إلى 48.27 جنيه للدولار اليوم.

يجيب الميرغني عما إذا كان الحد الأدنى الذي أقرته الحكومة كافيًا أم يحتاج إلى مراجعة، قائلاً: “إذا حسبنا معدل التضخم وسعر الصرف خلال السنوات من 2022 وحتى 2025، نجد أن 5600 جنيه كدخل لأسرة من 4 أفراد أصبح لا يكفي بأي شكل من الأشكال”.

ويضيف: “عندما نتحدث عن حد أدنى للأجور في حدود 7000 جنيه، فنحن لا نزال بعيدين تمامًا عن تغطية الاحتياجات الأساسية للأسرة، ولذلك ترتفع مؤشرات الجوع بين الأطفال في مصر. وفي تقرير المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية المنشور في ديسمبر 2022، اتضح أن دراسة العينة في مصر أوضحت أن 85% من الأسر خفضوا استهلاكهم من اللحوم، و75% خفضوا استهلاكهم من الدواجن والبيض، و60% خفضوا استهلاكهم من الألبان ومنتجاتها”.

مواقع خارج نطاق الرقابة الحكومية

عن الرقابة الحكومية على تطبيق الحد الأدنى للأجور، يقول عز الضبع وهو عامل تنقل بين عدد من المصانع العاملة بالغزل والنسيج في المنطقة الحرة والمنطقة الصناعية، إن أجور العمال لا تصل إلى الحد الأدنى للأجور، حيث لم تتجاوز 5500 جنيه في أحسن الأحوال.

اضراب عمال "تي آند سي" - خاص فكر تاني
اضراب عمال “تي آند سي” – خاص فكر تاني

ويضيف أن المنطقة الصناعية التي تضم عددًا كبيرًا من المصانع أصبحت خارج نطاق رقابة مديريات القوى العاملة، وبالتالي لا يوجد رادع أمام أصحاب المصانع يجبرهم على تطبيق الحد الأدنى للأجور.

يتقاضى الضبع راتبًا ضعيفًا لا يتخطى 6000 جنيه، رغم كونه “أسطى صنايعي قص”، ويترافق ذلك مع عدم وجود أمان وظيفي، حيث تم فصله أكثر من مرة بسبب العقود التي تبرمها الشركات والتي تتيح لها فصل أي عامل في أي وقت.

غياب النقابات المستقلة أضر بالعمال

“الحد الأدنى للأجور ليس رفاهية ولا منحة من أحد، هذا ببساطة هو الحد الأدنى للحياة الآدمية”؛ كما يقول كرم عبد الحليم رئيس اللجنة النقابية للعاملين بأندية هيئة قناة السويس، متفقًا مع سابقيه في أن الحد الأدنى للأجور الذي أقره المجلس القومي للأجور منافٍ للواقع وغير متسق مع متطلبات الحياة.

يضيف عبد الحليم، في تصريحاته لـ فَكّر تاني، أنه بالرغم من تشكيل المجلس القومي للأجور من ممثلين عن الحكومة ورجال الأعمال والعمال، لكن الحقيقة أن قراراته دائمًا ما كانت في غير صالح العمال، والأخطر أنها لا تُنفذ على الأرض.

كرم عبد الحليم رئيس نقابة العاملين بأندية قناة السويس
كرم عبد الحليم رئيس نقابة العاملين بأندية قناة السويس

وهو يرى أن قرارات الحد الأدنى دائمًا ما تكون على الورق فقط، بداية من الحد الأدنى 2400 جنيه وحتى 7000 جنيه، بسبب اعتبار أصحاب الأعمال أن الحد الأدنى هو كل ما يتقاضاه العامل، ليشمل الساعات الإضافية والحوافز والمنح، وهو ما يُعد إهدارًا صريحًا للحق، والنتيجة أن نجد العامل يعمل ضعف وقته وفي نهاية المطاف لا يجد ما يضمن له حياة كريمة.

كما يلفت رئيس النقابة إلى عدم وجود مساءلة حقيقية لأي صاحب عمل لا يلتزم بالقرارات، خصوصًا في القطاع الخاص الذي هو الضحية الكبرى؛ بسبب غياب النقابات المستقلة الحقيقية القادرة على التفاوض أو الضغط. بالتالي، يصبح العامل بدون سند أو ظهر يحميه أو وسيلة تساعده في طلب حقه، وعندما يضرب أو يتظاهر يتم اتهامه بمخالفة القانون.

ويتفق الميرغني مع عبد الحليم في ضرورة مشاركة الأطراف المعنية في القرار، فإذا ارتفع الحد الأدنى من 1200 جنيه إلى 7000 جنيه، فلا يزال غير كافٍ لخروج صاحبه من خط الفقر، إضافة إلى ضعف تطبيقه وحصار الحركة النقابية وشل قدرتها على المفاوضة الجماعية كإحدى ركائز العمل النقابي.

ويؤكد الباحث الاقتصادي على أن تحديد الحد الأدنى يجب أن يخضع لدراسات وحوار ولا يصدر بقرار فوقي، ويجب أن يجلس خبراء الحكومة وخبراء النقابات المستقلة لمناقشة التغيرات في تكاليف المعيشة وما هو الأجر المناسب لتغطية كل احتياجات الأسرة، وكذلك نحتاج لتشديد العقوبات على المنشآت التي تمتنع عن تطبيق الحد الأدنى للأجور والتلويح بالإغلاق؛ فداخل كل منشأة يمكن للنقابة أن تحدد كم مرة تم رفع أسعار المنتجات ونسبتها وكم مرة تم رفع الأجور ونسبتها خلال الفترة نفسها.

ويعتبر عبد الحليم أن الحد الأدنى للأجور ضرورة لدعم العمال المنتجين وحمايتهم من السقوط إلى ما تحت خط الفقر.

الحكومة في وادٍ والعمال في آخر

ليست الأجور وحدها السبب خلف تصاعد الاحتجاجات، فتخفيض العمالة والفصل التعسفي وتخفيض الأجور من أسباب الاحتجاج، مثلما حدث مع عمال شركة إمبي إنترناشيونال، وعمال وهيئة تدريس معهد الطيران، وعمال وموظفي شركة بلبن، وعمال شركة المتحدة للصيادلة، وعمال شركة ستيا، وغيرهم.

تنوعت مجالات الإنتاج واختلفت المواقع، ومنها ما كان قطاعًا خاصًا ومنها ما كان عامًا، لكن المشترك بينها هو غياب القانون الذي يحمي العمالة من الفصل والتشريد وضياع المستحقات، على أعتاب تجبر أصحاب الأعمال.

يوضح أحمد المغربي عضو المجلس التشاوري الاجتماعي ورئيس اتحاد تضامن النقابات العمالية، لـ فَكّر تاني، أن الحكومة بذلت مجهودًا في كتابة النص، أما التطبيق فلم يحصل على نفس الاهتمام، وجاءت تصريحات الحكومة في مسألة تطبيق الحد الأدنى مطاطية وغير محددة، ومن بينها ما قاله المسؤولون عن أن الشركات غير القادرة على تطبيق الحد الأدنى، تتقدم بطلب لإعفائها من الالتزام بتطبيقه.

أحمد المغربي
أحمد المغربي

هناك إشكالية أخرى في تطبيق الحد الأدنى للأجور، بحسب المغربي، وهي غياب المسمى الحقيقي للحد الأدنى، فلا يمكن القول بأن الحد الأدنى 7000 جنيه، وأحيانًا يتم تطبيقه، لكن المرجع الأساسي يجب أن يكون ما يتحصل عليه العامل فعليًا.

وما يحدث هو أن الاستقطاعات تحصد ثلث المرتب، وما يتبقى للعامل هو مبلغ لا يمكن أن يحقق له حياة كريمة. العبرة بصافي الأجر المصروف.

هنا، يشير المغربي إلى مسألة جوهرية أخرى في تطبيق الحد الأدنى، أساسها من يطبق عليه الحد الأدنى؛ هل هو العامل المعين حديثًا، أم يطبق الجميع عليهم نفس الأجر؟ إذ أن هناك تغافل عن مسألة الأقدمية والخبرة، بينما لا يصح أن يتقاضى من يعمل منذ عشرات السنوات نفس ما يتقاضاه من يعمل حديثًا، وبالتالي يجب مراعاة سنوات الخبرة.

ويتساءل رئيس الاتحاد عما تمثله قيمة مبلغ الحد الأدنى للأجور مقابل التضخم وارتفاع الأسعار، قائلاً: “هل المبلغ كافٍ لدفع إيجار ومواصلات وكهرباء ومياه وغاز بخلاف العلاج والأكل والملابس؟ هل قامت الحكومة بحساب تكلفة معيشة عامل وأسرته لمدة شهر بعد تسديد كافة الالتزامات؟”.

حساب معدل خط الفقر

يجد الميرغني أن الحد الأدنى المعلن حاليًا لم يغير كثيرًا من انتشار الفقر بأشكاله المتعددة والذي يتجاوز 35% من السكان، كما أن النتائج المعلنة لبحث الدخل والإنفاق لسنة 2017/2018 تضمنت تفاصيل تم إغفالها في نتائج بحث 2021/ 2022، منها أن 20% من الفقراء في مصر يعملون بأجور نقدية كعمال وموظفين، ومنهم 22.2% حرفيون و10.6% عمال صناعة.

معدلات الفقر في مصر في تزايد
معدلات الفقر في مصر في تزايد

ويعلق الميرغني على أن الحد الأدنى الذي أقرته الحكومة والمجلس القومي للأجور لا يطبق إلا على موظفي الحكومة، وقد كشفت الاحتجاجات الأخيرة أن العديد من شركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام لم تطبق الحد الأدنى للأجور. أما في القطاع الخاص، فقد تقدمت أكثر من 1200 منشأة -وفقًا لتقرير دار الخدمات النقابية والعمالية- بطلب لوزارة القوى العاملة لاستثنائها من تطبيق الحد الأدنى للأجور.

ويشدد أيضًا على أن مبلغ الحد الأدنى يجب أن يتغير وفقًا لتغير أسعار سلة من السلع والخدمات، مثل أسعار شريحة استهلاك الكهرباء (أقل من 50 كيلو وات/ساعة شهريًا) التي ارتفعت من 7.5 قروش عام 2014 إلى 68 قرشًا في 2024، وأنبوبة البوتاجاز التي ارتفعت من 8 جنيهات إلى 200 جنيه، وكذلك أسعار المواصلات.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة