التمثيل السياسى للمرأة.. من التحدي إلى التأثير

التغيير داخل أي مجتمع يبدأ من التشريع للقوانين التي تشكل حياة الناس، لذا فوجود برلمانيات لهن القدرة على الدفاع عن حقوق المواطنين والمساواة بينهم هي بداية لتغيير حقيقي في لسياسات التي تؤثر على كل الفئات داخل المجتمع.

ونحن على أعتاب انتخابات البرلمان، بجناحيه، كان من المهم أن نبحث عن تجارب ناجحة لبرلمانيات خاصة بعد ما قام المنتدى الاقتصادية – وهي منظمة  دولية غير ربحية مستقلة تعمل على تشجيع الأعمال والسياسات والنواحي العلمية للتنمية المستدامة”  بنشر تقريره السنوي عن الفجوة بين الجنسين شهر يونيو الماضي.

أشار التقرير إلى أن المنطقة العربية تحتل المرتبة السادسة بنسبة 96.2%. ولا تزال المنطقة متأخرة في التمكين السياسي، مسجلةً أدنى نسبة عالمية بلغت 10.5%.

ويشير التقرير إلى تضاعف المتوسط الإقليمي بأكثر من ثلاثة أضعاف منذ عام 2006، بزيادة قدرها 8.3 نقطة مئوية حيث تتصدر الإمارات العربية المتحدة دول العالم بنسبة تكافؤ سياسي بلغت 37.2%، لتحتل المرتبة 32 عالميًا.

ووجود النساء داخل البرلمانات يؤثر على محتوى النقاشات البرلمانية وغالبًا ما توضع على الطاولة قضايا بعيدة عن أولويات زملائهم من الرجال، مثل قوانين الأحوال الشخصية والصحة الإنجابية، وحماية المرأة من العنف، رعاية الأطفال..إلخ

لذا فمن المهم أن نشير إلى أن التمثبل العادل لا يمثل رفاهية لأي دولة، وتمثيل النساء في صنع القرار هو شرط أساسي لأي عدالة ديمقراطية حقيقية.

التحديات التي تواجة المرأة للوصول إلى البرلمان:

وفقًا لتقرير  هيئة الأمم المتحدة للمرأة، فإن عام 2024 واحدة من أكبر السنوات الانتخابية في التاريخ الحديث، لم تشهد 107 دول وصول رئيسة دولة، ولم تشغل النساء سوى 27% من مقاعد البرلمانات الوطنية و35.5% من مقاعد الحكومات المحلية.

وفي مصر مثلًا، ورغم أن نسبة تمثيل النساء في البرلمان المصري قد ارتفعت لتصل إلى نحو 28% في مجلس النواب 2021، إلا أن هذا التمثيل جاء بفضل نظام القوائم المغلقة المطلقة، وليس كنتيجة لتغير عميق في المشهد السياسي أو دعم واسع للنساء المرشحات بشكل مستقل.

ولا تزال نسبة النساء في المقاعد الفردية منخفضة للغاية، وهو ما يُظهر محدودية التأثير الحقيقي لهن في دوائر صنع القرار.

عدد من نائبات مجلس النواب 2020 يتوسطهن رئيس المجلس المستشار حنفي جبالي
عدد من نائبات مجلس النواب 2020 يتوسطهن رئيس المجلس المستشار حنفي جبالي

وقد أكدت الإتفاقيات الدولية بما في ذلك منهاج عمل بكين وأهداف التنمية المستدامة على حق المرأة في المشاركة السياسية، إلا أنه يوجد عوائق لتنفيذ ذلك تتمثل في العقبات السياسية، والاجتماعية-الاقتصادية،والعقبات الايدلوجية والنفسية.

تصريحات النائبة سميرة الجزار لموقع “فكر تاني” أكدت على أن العوائق الاجتماعية والثقافية تتضمن، “القوالب النمطية “: لاتزال هناك نظرة مجتمعية في بعض محافظات مصر تري ان دور المرأة يقتصر على الأسرة والمنزل مما يقلل من تواجدها في المناصب العامة أو السياسية، بالاضافة إلى  “الوصايا الذكورية”، حيث تواجه النساء صعوبات في الحصول على دعم كافي من زوجها أو رجال اسرتها او قبيلتها الذين يرون أنها لا تملك الخبرة او القوة لإدارة الحملات الانتخابية، وتأتي الفرضية الخاصة بالتشجيع والموارد  حيث تحظى المرأة بدعم اقل من الدعم الذي يحصل عليه الرجل سواء ماليا او معنويا داخل المجتمع.

سميرة الجزار
سميرة الجزار

وأشارت النائبة إلى أهم العوائق الاقتصادية والمالية، مثل تكلفة الحملة الانتخابية تتطلب موازنة كبيرة لتغطية تكاليف الدعاية والتجمعات الانتخابية وغيرها وذلك لأنها غير مستقلة مالياً وفي بعض الأحيان لا يسمح لها ان تأخذ ميراثها، وفي الغالب يمتلك المرشحون الرجال شبكات أوسع واقوي في العلاقات المالية والاقتصادية.

وقد أوضحت إلى أن  الكثير من  العوائق السياسية والتشريعية التي تواجة المرشحات، من  منافسة شرسة من المرشحين الرجال في دوائر لها تاريخ طويل في تمثيل الرجال بالإضافة إلي المنافسة على القوائم الحزبية، وبالرغم من أن نظام الكوتا يضمن تمثيلاً للمرأة لذلك يجعل وصولها يعتمد على هذا النظام فقط بدلاً من التنافس على المقاعد الفردية بشكل طبيعي، وبمواجهة هذه العوائق بذلت جهود كبيرة عبر تخصيص نظام الكوته لضمان وجود المرأة في البرلمان لكن التحدي الأكبر يظل في تمكينها من الترشح والفوز علي علي قدم المساواة مع الرجال في المقاعد الفردية وليس فقط عبر القوائم.

نائبات بالاسم: تجارب غيرن الواقع

ولكن رغم كل هذه التحديات التي تواجهها النساء في دخول العمل السياسي منذ عقود، ألا أن هناك عدد من البرلمانيات قدرن أن يحققن نجاحات واضحة، وأثبتن حضورهن داخل أروقة صنع القرار من مصر الى امريكا اللاتينية مرورا بالخليج وافريقيا، فقد ظهرن نماذج نسائية لعبن أدوارا محورية في التشريع والراقبة، والدفاع عن قضايا مجتمعية وانسانية، حيث تتعدد القصص لكن القاسم المشترك بينهن هو الارداة والتأثير.

مفيدة عبد الرحمن
مفيدة عبد الرحمن

بعد صدور دستور مصر 1956 ، أصبح للنساء الحق لأول مرة في مصر على أن يدلين بأصواتهن وأن يرن أنفسهن في الإنتخابات البرلمانية . ورشحت راوية عطية  (1926-1997) نفسها لعضوية مجلس الأمة (الاسم السابق لمجلس النواب المصري) في انتخابات  1957 عن دائرة الجيزة حيث نجحت بالحصول على 110807 صوت في معركة شرسة امام 6 من المرشحين الرجال تم استخدام كل الأسلحة الغير مشروعة في اسقاطها، ودخلت التاريخ باعتبارها أول امرأة في مصر والدول العربية كلها تنجح في ألانتخابات البرلمانية وتصبح عضو في البرلمان

أما مفيدة عبد الرحمن ( 1914-2002) وهي أول محامية مصرية، دخلت البرلمان في 1959 عن دائرة الغورية والأزبكية بالقاهرة، استمرت نائبة لمدة 17 عاماً، لها معارك تشريعية حول تأمين حقوق الموظفين، وتعديل قانون الاحوال الشخصية ( رفع سن الحضانة ، حماية الورثة من خصومة المعاش…. الخ) وكانت النائبة الوحيدة التي شاركت بلجنة تعديل قوانين الوضعية الاسلامية في الستينات.

فاطمة أحمد ابراهيم ( 1932-2017)

فاطمة أحمد إبراهيم
فاطمة أحمد إبراهيم

وفقًا لماجدة صالح عضوة الحزب الشيوعي السوداني، فإن فاطمة أحمد ابراهيم أول مرشحة سودانية تنتخب في البرلمان السوداني عام 1965، وكانت أبرز قادة الحزب الشيوعي السوداني وناشطة يسارية من مؤسسات حركة الاتحاد النسائي السوداني،  شاركت في تنظيم أول إضراب داخل مدارس البنات احتجاجا على تغيير المناهج، وتأخر رواتب المعلمين.

واهتمت بالعديد من القضايا حقوق المرأة في العمل، والمساواة في الأجور، والتعليم المجاني للفتيات، ورفع سن الزواج.

وتعرضت فاطمة للاعتقال عدة مرات نتيجة لنشاطها السياسي البارز، وصدر اها عدة مؤلفات منها  “طريقنا للتحرر”، “قضايا المرأة العاملة السودانية”، “حول قضايا الأحوال الشخصية”.

مانويلا دافيلا (1981)

مانويلا دافيلا
مانويلا دافيلا

دخلت دافيلا المسرح السياسي لأول مرة كأصغر عضو في مجلس المدينة في تاريخ بورتو أليجري في عام 2004. هناك، أنشأت وصاغت قانونًا يمنح الطلاب الحق في دفع نصف رسوم الدخول إلى الأفلام والفعاليات الثقافية والرياضية.

في عام 2007، تم انتخابها للكونجرس بأعلى عدد من الأصوات في ولايتها، ريو جراندي دو سول  في عام 2011، قدمت وصدقت على قانون الشباب – وهو قانون يحدد حقوق المراهقين ومسؤوليات الحكومة تجاههم، والذي انتقده القساوسة الإنجيليون في ذلك الوقت بسبب لغته التي تضمن حقوق المثليين.

الكسندريا كورتيز (1989)

أيمي أوستن وهي دكتورة و باحثة سابقة بالجامعة الأمريكية – القاهرة، أشارت إلى أن الكسندريا كورتيز، كأصغر عضوة بالكونجرس، فقدت أدت اليمين الدستوري كأصغر نائبة داخل الكونجرس بالولايات المتحدة في 2019، وهي عضوة في الحزب الديمقراطي، قدمت أول تشريع لها “قرار الصفقة الخضراء الجديد”، من شأنها تشغيل ملايين العاطلين في وظائف نقابية مجزية، وتصلح البنية التحتية للبلاد، وتُقلّل من تلوث الهواء والماء، وتُكافح الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والعرقية والمناخية المتشابكة التي تُشلّ البلاد.

وفي ولايتها الأولى، شهدت كورتيز إقرار ثلاثة تعديلات قانونية، أحد هذه التعديلات حوّل 5 ملايين دولار من الحرب الفاشلة على المخدرات إلى علاج إدمان المواد الأفيونية، بينما أمّن آخر 10 ملايين دولار لتنظيف مواقع القصف السام في بورتوريكو.

الكسندريا كورتيز
الكسندريا كورتيز

وقد تعاونت أيضًا لإدراج برنامج مساعدة في الجنازات ضمن حزمة الإغاثة من جائحة كوفيد-19. وحتى الآن، سدد البرنامج أكثر من مليار دولار من نفقات الجنازات للأمريكيين الذين فقدوا أحباءهم بسبب كوفيد-19.

ورغم اختلاف السياقات سواء داخل المنطقة العربية أو في دول الأمريكتين، إلا أن هناك قاسم مشترك بين البرلمانيات داخل هذه الدول هي الارادة القوية في كسر القيود تلتي فرضت عليهن، وتحويل مقاعد البرلمان إلى ساحة فعل وتشريع، حيث اعتمدت البرلمانيات في مصر والسودان على دعم الأحزاب التقدمية أو نظام “الكوتا”، خرجت من الدول الأمريكية  من الحركات الاجتماعية ببرامج تقدم الدعم الحقيقي لكل الفئات.

إن تجارب البرلمانيات الناجحات تؤكد أن وجود المرأة في البرلمان ليس مجرد تمثيل عددي، بل أداة حقيقية لإعادة صياغة السياسات بشكل أكثر عدالة وشمولًا.

ولتحقيق ذلك، لابد من إزالة العقبات البنيوية أمام النساء، وتعزيز مشاركتهن في جميع مراحل صنع القرار. فالمجتمعات لا تنهض إلا إذا سُمع صوت نصفها الآخر بجدية واحترام

 

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة