رغم أن الأرقام الرسمية تشير إلى حضور نسائي غير مسبوق في البرلمان المصري، يظل السؤال الجوهري: هل تحوّل هذا الحضور الكمي إلى تأثير سياسي حقيقي وفاعل؟ وهل نجحت المرأة في تخطي كونها مجرد “كوتة” في قوائم انتخابية لتصبح مشرّعة وممثلة حقيقية عن قضايا المجتمع؟ وهما تساؤلان يفرضهما أيضًا الواقع الزمني مع اقتراب استحقاقات برلمان 2025، حيث يصبح النقاش حول دور المرأة برلمانيًا أمرًا عاجلًا لكشف التحديات الحقيقية التي لا تزال تعترض طريقها.
من هذا المنطلق وفي سياق حوارات “سجال برلمان 25“، نظمت فَكّر تاني جلسة حوارية لمعنيّات من داخل المطبخ السياسي: منى شماخ أمينة الإعلام بالحزب المصري الديمقراطي، وداليا فكري القيادية بحزب المحافظين، وولاء عزيز صانعة المحتوى في التوعية السياسية، واللاتي كشفن عن شبكة معقدة من العقبات، تبدأ من الإعلام ولا تنتهي عند ثقافة المجتمع وممارسات الأحزاب.

فإلى تفاصيل الجلسة:
الجدران المتعددة أمام المشاركة السياسية للمرأة
تواجه المرأة في طريقها إلى البرلمان جدرانًا متعددة ومعقدة، لا تقتصر على باب واحد، بل تمتد لتشمل الإعلام والثقافة المجتمعية الراسخة، وصولًا إلى أداء الأحزاب السياسية والمجتمع المدني نفسه.
الإعلام: بين التهميش وسطوة “التريند”
اتفقت المشاركات على أن الإعلام لا يقوم بدوره في تقديم المرأة كفاعل سياسي جاد، بل يتأرجح بين التجاهل والتعامل السطحي.

وترى ولاء عزيز أن الإعلام “يعكس هذه المشكلة ولا يقوم بدوره كاملًا”، موضحةً أنه “لا يمنح المساحة الكافية لتسويق المرأة كقائدة سياسية قادرة على العطاء”. ووفق رؤيتها؛ فإن حتى الإعلام المعارض قد يركز على قضايا مثل التحرش، “لكنه لا يهتم بتسليط الضوء على الكفاءات السياسية النسائية”.

وتذهب منى شماخ إلى أبعد من ذلك، فتؤكد أن “الإعلام المصري الحالي ليس صاحب قرار أو رسالة أو موقف، بل يتبع ما يُملى عليه أو يجري وراء ‘التريندات’ الرائجة”.
ولهذا السبب، تضطر الأحزاب الجادة إلى تسويق كوادرها بنفسها، لأن الإعلام “لا يبحث عني بل أنا من يتوجه له”.
وتلخص داليا فكري هذا الدور السلبي بقولها إن “الصورة النمطية السائدة هي أن المرأة في البرلمان تملأ فراغًا، وهذا ما يساعد على ترسيخه الإعلام الذي يركز على اللقطات السلبية أو الطريفة بدلًا من المداخلات الجادة”.
ثقافة المجتمع: موروثات راسخة وفجوة ثقة

الجدار الثاني والأكثر صلابة هو الثقافة المجتمعية التي لم تتغير جذريًا. هنا، تشير ولاء عزيز إلى وجود “فجوة ثقة. فالنساء لا يثقن في قدرة النساء الأخريات على القيادة”، معتبرةً أن الموروثات الثقافية تلعب دورًا كبيرًا في هذا، بدليل فشل المرشحات في دوائر يُفترض أنها مثقفة.
وتتفق معها منى شماخ، مؤكدةً أن “المجتمع المصري، رغم كل شيء، لا يزال مجتمعًا محافظًا”، وهو ما يظهر في الهجوم الذي تتعرض له شخصيًا عند طرح قضايا تدعم المرأة. وترى أن “الصورة التي يقدمها الإعلام والدراما للمرأة كرست هذه النظرة السلبية، فهي غالبًا ما تُصور في صراع على رجل، بدلًا من إبراز دورها كمواطنة فاعلة”.
وتضيف داليا فكري بُعدًا عمليًا لهذه الثقافة، موضحةً أنه في القرى “السيدات محكومات بعدة عوامل منها التزامها تجاه أسرتها” و”من يروج للمرشحة ويتحدث للناخبين لإقناعهم ببرنامج المرشحة هم رجال أيضًا”.
الأحزاب والمجتمع المدني: ضعف التأهيل والقيود
يتعلق الجدار الثالث ببيئة العمل السياسي نفسها. تكشف داليا فكري من خلال تجربتها الحزبية عن تحديات تبدأ من “غياب الوعي السياسي لدى قطاع كبير من النساء”، ووجود حاجز من “الخوف من كلمة ‘سياسة’ أو ‘حزب سياسي'”. وتشير بأسف: “أشعر أننا نتراجع، فقد كانت هناك ثقة أكبر في إمكانية التغيير في السابق. فحاليًا، فقدت الكثير من النساء الثقة”.
وتلقي ولاء عزيز باللوم على الأحزاب، فتقول: “الأزمة الحقيقية في عدم تولي الأحزاب لدورها” في إعداد كوادر نسائية حقيقية ومؤهلة.
كما يواجه المجتمع المدني، الذي يُفترض أن يكون داعمًا، تحدياته الخاصة، كما توضح منى شماخ، التي تقول إن “مسمى المجتمع المدني والجمعيات أصبح مذمومًا عند بعض الناس بسبب التشويه المتعمد”، فيما تشير داليا فكري إلى “تخوف من جانب الأحزاب من فكرة التشبيك مع مؤسسات المجتمع المدني بسبب الاتهامات الجاهزة بتلقي تمويل”.

“كوتة المرأة”.. سلاح ذو حدين
على الرغم من أن “الكوتة” هي الإطار القانوني الذي ضمن هذا الحضور النسائي الواسع – إلى حد ما كميًا – في البرلمان، إلا أن النقاش كشف أن هذه الكوتة تحولت إلى سلاح ذي حدين، فبينما تمنح المرأة ميزة قانونية، يتم استغلالها في الواقع بشكل يفرغها من مضمونها.
ميزة قانونية.. وتطبيق سلبي
توضح منى شماخ أن “الكوتة هي تشريع يمنح المرأة ميزة” من الناحية القانونية، إذ لا توجد قوانين تمنعها من الترشح. لكن المشكلة تكمن في التطبيق العملي والثقافة المصاحبة له. وتضيف أن هذا النظام “يُستغل أحيانًا بشكل خاطئ لملء الفراغات بأسماء غير مؤهلة”.
هذا الاستغلال السلبي وصفته المشاركات بأشكال مختلفة؛ فبحسب داليا فكري، يتم التعامل مع الكوتة باعتبار المرأة مجرد عدد، وقد شاهدت بنفسها كيف كان البعض يبحث عن استمارات لنساء بهدف “تستيف ورق” واستكمال العدد المطلوب. وتؤكد أن “هذا الوضع ساهمت فيه النساء أنفسهن”.
وتشير ولاء عزيز إلى أن الأحزاب، بدلًا من إعداد كوادر حقيقية، لجأت إلى “ملء القوائم بأسماء لا تمتلك الخبرة السياسية الكافية”.
من “تكملة عدد” إلى استيراد المشاهير
وتصل المفارقة ذروتها، كما تذكر داليا فكري، في أن البعض يتعامل مع الكوتة كوسيلة لملء الفراغات عبر “اختيار شخصيات مشهورة من مجالات أخرى كالرياضة أو الفن بدلًا من الكوادر السياسية الحقيقية”.
وبهذا، تتحول الكوتة من أداة للتمكين السياسي إلى آلية لترسيخ فكرة أن المرأة “كمالة عدد”، وهو ما يتطلب، بحسب منى شماخ، “أن نعمل على التدريب بشكل أوسع، لترسيخ فكرة أن المرأة ليست رقم”.

إنجازات برلمانية فردية في ظل غياب الكتلة
عند تقييم إنجازات المرأة داخل البرلمان، يبرز تباين واضح بين الأداء الفردي المشرّف لبعض النائبات، وغياب التأثير الجماعي ككتلة نسائية موحدةً قادرة على فرض أجندتها التشريعية.
أولًا: لا يمكن تقييم الجزء بمعزل عن الكل
تضع منى شماخ إطارًا هامًا للتقييم، فتقول: “قبل تقييم إنجاز المرأة، يجب أن نقيم إنجاز البرلمان ككل”. وتوضح أنه لا يمكن حسم مسألة الإنجاز بشكل قاطع، خاصةً وأن “هناك الكثير من طلبات الإحاطة والقوانين التي قدمتها البرلمانيات ولم يتم البت فيها”، مستشهدةً بـ”قانون رعاية المسنين” الذي ما يزال محفوظًا في الأدراج رغم الموافقة عليه. وهذا السياق العام يوضح أن أداء النائبات مقيد بأداء المؤسسة التشريعية ككل.

وتضيف داليا فكري تحديًا آخر يؤثر على الأداء، وهو “أزمة لها علاقة بعدم إذاعة الجلسات”، الأمر الذي “رسخ لحالة ركود” وجعل هناك “استسهال من الكثير” تحت شعار “كده كده ماحدش شايفني ولا هيسمعني”.
ثانيًا: نماذج فردية تكسر الصورة النمطية
على الرغم من هذه القيود، تشير المشاركات، في جلسة فَكّر تاني الحوارية، إلى وجود نماذج فردية ناجحة استطاعت تغيير الصورة النمطية للمرأة البرلمانية. تقول منى شماخ: “هناك بالفعل نماذج مشرفة أثرت بشكل إيجابي على صورة المرأة”، خاصةً وأن النائبة “لا تتحدث فقط بصفتها امرأة، بل بصفتها مواطنة تدافع عن قضايا المجتمع بأكمله، مثل قضايا العمال، والموازنة العامة، والصحة، والتعليم”.
وتقدم داليا فكري مثالًا عمليًا بالنائبة نشوى الديب، التي خاضت الانتخابات على المقعد الفردي وفازت به لأنها “كانت تعمل على أرض الواقع وسط ناخبيها”، وتبنت قضايا هامة مثل “قانون الأحوال الشخصية وقانون رعاية المسنين”. وترى داليا أن هذا النموذج يثبت أن الصورة النمطية تتغير “عندما يعمل النائب على أرض الواقع على قضايا تمس حياة المواطنين”.
وتتفق ولاء عزيز على وجود “نائبات مؤثرات داخل البرلمان يُمكن عدهن على أصابع اليد”، لكنهن “نجحهن بجهودهن الفردية واجتهادهن”.
ثالثًا: غياب “الكتلة النسائية” وولاء القائمة
الإشكالية الكبرى، كما يوضح الحوار، هي غياب العمل ككتلة نسائية موحدة. ترى ولاء عزيز أن هذا “لم يحدث بالشكل المأمول”. وتفسر منى شماخ السبب بـ “ولاء البرلمانيات لكل من أتى بهن إلى البرلمان وليس لقضايا المرأة لمجرد أنها امرأة، كل منهن في اتجاهه”. وتضيف أن الحديث عن قوة ضغط موحدة “غير موجود، لأن كل مجموعة من النساء تعمل تبع الحزب التابعه له”.
وتؤكد داليا فكري أن “القائمة المغلقة وقانون الانتخابات الحالي” حالا دون الدفع بالقوانين التي تخص المرأة، مما يكرس فكرة الولاء للجهة المرشِّحة على حساب قضايا النوع.

روشتة علاج متعددة الأوجه
لمواجهة هذه الشبكة المعقدة من التحديات، طرحت المشاركات مجموعة من الحلول التي تتطلب عملًا متكاملاً على عدة مستويات: سياسية، وحزبية، ومجتمعية.
1. على المستوى السياسي والقانوني.. ضرورة فتح المجال العام
الحل الجذري يبدأ من قمة الهرم السياسي. تشدد منى شماخ على أنه “لابد من البدأ في توسيع المجال السياسي وإتاحة مساحة أكبر من الحرية”، لأنه “عندما يكون المجال ضيقًا، يشتد الصراع ولا يحصل أحد على شيء”. وتقترح أيضًا “إعادة النظر في القوانين الانتخابية، فالقائمة المطلقة الحالية لا تسمح للكوادر الحقيقية بالصعود”.
وتدعم داليا فكري هذا التوجه بالدعوة إلى “فتح قنوات الاتصال السياسي المغلقة، وفتح المجال للعمل الطلابي”، لخلق جيل جديد يدرك أن السياسة تؤثر بشكل مباشر على حياته، مستشهدةً بتأثير قوانين مثل الإيجار القديم والأحوال الشخصية.
2. على مستوى الأحزاب والمجتمع المدني.. بناء الكوادر واستعادة الثقة
يقع على عاتق الأحزاب دور محوري، حيث يجب عليها، كما تقول منى شماخ، “أن تعمل بجد على بناء كوادرها بدلًا من انتظار اللحظة الأخيرة”. وتضرب مثالًا بتجربة حزبها (المصري الديمقراطي) التي كسرت حصر دور المرأة في أمانة المرأة فقط، وأسندت للنساء مناصب قيادية كنائب رئيس الحزب وأمين الإعلام والشؤون السياسية.
ومن جهتها، ترى ولاء عزيز أن على الأحزاب “أن تفهم سيكولوجية الجمهور وتستخدم الأدوات المتاحة وحملات التوعية بفاعلية لتغيير الثقافة المجتمعية”، بدلًا من مجرد رد الفعل.
وبالنسبة للمجتمع المدني، تشدد منى شماخ على ضرورة “إعادة الثقة في مؤسساته”، بينما تدعو داليا فكري إلى “إتاحة المساحة من جانب الدولة لعمل مؤسسات المجتمع المدني” وعمل الدولة “جنبًا إلى جنب مع هذه المؤسسات” لتجاوز حالة التخوين.
3. على المستوى الإعلامي والتعليمي.. تغيير الصورة النمطية
تغيير الوعي يتطلب جهدًا في التعليم والإعلام. ترى منى شماخ أن المؤسستين تتحملان مسؤولية كبيرة، فـ”مناهج التعليم التي تقدم صورة نمطية عن المرأة” و”الدراما التليفزيونية التي تقدم صورة سلبية عنها” تحتاجان إلى إعادة نظر جذرية.
وتؤكد داليا فكري على الدور الحاسم للمؤسسات الدينية، مشيرةً إلى نجاح الكنيسة في ملف توعية المقبلين على الزواج، مما يثبت أنه “عندما تقرر المؤسسات الدينية تبني قضية معينة هذا يكون في غاية الأهمية”.
أما ولاء عزيز، فتلفت النظر إلى الواقع الجديد قائلة: “المؤثر الوحيد الآن في الثقافة هو السوشيال ميديا، خصوصًا مع الأجيال الصغيرة المجرفة من كل شيء”.
مفتاح التغيير في يد الناخب الواعي
في الأخير، تتلاقى كل خيوط النقاش وتتشابك لتصب في نقطة محورية واحدة: مسؤولية الناخب. فإذا كانت التحديات التي تواجه المرأة في طريقها للبرلمان شبكة معقدة من العوائق الإعلامية والمجتمعية والحزبية، فإن مفتاح تفكيك هذه الشبكة يكمن في يد ناخب واعٍ، يمتلك إرادته، وقادر على تجاوز الصور النمطية والمصالح المؤقتة.

وقد بلورت الرسائل الختامية للمشاركات هذه الوصفة النهائية، التي تحوّل التركيز من لوم المؤسسات إلى تمكين الفرد؛ فدعت داليا فكري إلى التفكير في المستقبل والتصويت للكفاءة بغض النظر عن الجنس. وقالت: “أيها الناخبون، أرجو أن تعوا جيدًا أن نتيجة صوتكم اليوم يحصدها جيل قادم. لا تمنحوا صوتكم إلا لمن يستحق، سواء كان رجلاً أو امرأة، بناءً على كفاءته وقدرته على خدمتكم”.
ومناشدة بالبحث عن المعلومة والتوقف عن الأحكام السطحية، قالت ولاء عزيز: “أيها الناخبون، من فضلكم كفى ‘فتي’. ابحثوا عن المعلومة، ولا تحكموا على الشخص بناءً على جنسه أو مظهره، بل على مهاراته وقدراته”. بينما نصحت منى شماخ بالتمسك بالرأي الخاص ورفض الخداع الانتخابي؛ فقالت: “رسالتي للناخب هي أن يكون لك رأيك الخاص… لا تنخدع بالمكاسب الصغيرة المؤقتة، لأن من يلوّح لك بها اليوم سيأخذ منك الكثير في المستقبل”.
