نجاح زهران ممداني في نيويورك وسياسة الشباب في المنطقة العربية

يسلّط الفوز المفاجئ لزهران ممداني في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لمنصب عمدة مدينة نيويورك الضوء على عدد من القضايا التي تعيد تعريف السياسة، وموقع الأجيال الشابة منها، وما يُطلق عليه "سياسة غزة"، التي تتمحور حول مفهوم العدالة في جميع المجالات: البيئية، والعرقية، والاقتصادية، والجندرية، وغيرها، وتظهر في تقاطعات بين تأييد الفلسطينيين وبين القضايا المحلية التي تهمّ الناخبين.

كتبتُ كثيرًا عن خصائص السياسة الشبابية التي يضطلع فيها جيل زد (Z) وألفا (α) وواي (Y) بدور رائد، كما ظهر مؤخرًا في بنجلاديش وكينيا ونيجيريا، ومن قبل في الانتفاضات العربية بموجاتها المتعاقبة. كما تابعتُ التأييد العالمي للفلسطينيين بعد "الطوفان". وقد اتسمت هذه الظاهرة بعدم القدرة على التأثير في "سياسة المؤسسة"، التي تقف وراءها، وتتقاطع معها شبكات من المصالح الراسخة.

إذا فاز ممداني في الانتخابات المقرّرة في سبتمبر المقبل، فذلك يعني ردم الفجوة بين الاحتجاج وإقرار السياسات.

استفادت حملة ممداني -المسلم المهاجر ذو الثلاثة والثلاثين عامًا، وصاحب النزعة الاشتراكية الديمقراطية- من الجهود الشعبية، والحضور القوي على وسائل التواصل الاجتماعي، والتركيز على قضايا القدرة على تحمّل التكاليف، وهي القضية المعيشية الأساسية لشرائح عديدة في مدينة نيويورك، وذلك لتعبئة قاعدة ناخبين أصغر سنًّا، وأكثر تنوعًا وتقدمية؛ مما أدّى إلى زيادة الإقبال لصالحه.

لفوز ممداني آثارٌ على الحزب الديمقراطي، وخاصةً فيما يتعلق بقبول السياسات ذات الميول اليسارية، ومواقفه من إسرائيل، والتي أثارت جدلًا وقلقًا بين بعض الناخبين اليهود ونُخَب الأعمال.

يشير السرد العام إلى تحوّل محتمل في المشهد السياسي لمدينة نيويورك، ويقدّم دروسًا متنوعة بشأن موقع اليهود والمسلمين في السياسة الأمريكية، بالإضافة إلى سياسات الحزب الديمقراطي.

كان فوزه مدفوعًا بمزيج من الحملات الاستراتيجية، وأجندة سياسية مقنعة، وتواصل فعّال، وتناقض صارخ مع خصمه الرئيسي، أندرو كومو - عمدة المدينة السابق.

استفادت حملة ممداني من وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك تيك توك وإنستجرام، للوصول إلى الناخبين الشباب وتوصيل رسالته بشكل فعّال. كما قام أيضًا بحملة شعبية قوية، حيث حشد الآلاف من المتطوعين الذين طرقوا أكثر من 1.5 مليون باب.

تتمحور رؤيته السياسية حول جعل مدينة نيويورك صالحة للعيش وبأسعار معقولة للناس العاديين، وضمان حياة كريمة لجميع سكان المدينة، والعمل كنموذج للحزب الديمقراطي في النضال من أجل الطبقة العاملة.

فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، كان ممداني منتقدًا صريحًا لأفعال إسرائيل في غزة، ووصفها بأنها "إبادة جماعية"، ودعم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS).

وفي حين أدان هجمات حماس ووصفها بـ"جريمة حرب مروّعة"، إلا أنه لم يؤكد صراحةً حق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية، مشيرًا إلى أن لها "حقًّا في الوجود ومسؤولية... الالتزام بالقانون الدولي".

كما رفض إدانة عبارة "عولمة الانتفاضة"، التي أثارت انتقادات من بعض القادة اليهود الذين اعتبروها دعوة للعنف. وقد أعرب عن كراهيته لمعاداة السامية، ووعد بزيادة التمويل المخصّص للوقاية من جرائم الكراهية إذا تم انتخابه.

لكن كيف يرتبط الصعود السياسي لزهران ممداني باتجاهات النشاط الشبابي الأوسع؟ وما الدروس التي يمكن أن تتعلّمها سياسات الشباب في المنطقة العربية من تجربة زهران ممداني وحملته؟

يرتبط صعوده السياسي في الانتخابات التمهيدية لمنصب عمدة مدينة نيويورك باتجاهات أوسع نطاقًا لنشاط الشباب، من خلال التركيز المشترك على القدرة على تحمّل تكاليف المعيشة، والتعبئة الشعبية، والمشاركة الرقمية، وتحدّي المعايير والشخصيات السياسية القديمة التي تبدو راسخة في مقاعدها.

يسلّط فوزه الضوء على مزيج قوي من الاستراتيجيات والتركيبة السكانية، التي تتوافق مع كيفية تفاعل الشباب مع السياسة اليوم، حتى مع وجود بعض الفروق الدقيقة مقارنةً بحركات الشباب غير الانتخابية.

1- التركيز على تكلفة المعيشة والقدرة على تحمّل التكاليف: خاض ممداني حملة بلا هوادة بشأن أزمة تكلفة المعيشة، واقترح تدابير مثل تجميد الإيجار لمليوني مستأجر، وجعل الحافلات "سريعة ومجانية"، وإنشاء متاجر بقالة مملوكة للبلديات، وتمويل رعاية الأطفال الشاملة من خلال الضرائب على الأثرياء.

تتناول هذه الرسالة الأساسية بشكل مباشر قلقًا قويًا لدى الناخبين، وخاصةً الأجيال الشابة، وتتماشى مع نشاط الشباب الأوسع نطاقًا، والذي غالبًا ما يكون مدفوعًا بالمظالم الاقتصادية، والبطالة، والرغبة في حياة كريمة. على سبيل المثال، تُشكّل معدلات البطالة المرتفعة بين الشباب مشكلة مستمرة في جميع أنحاء المنطقة، حيث إن ما يقرب من 60% من السكان تقلّ أعمارهم عن 30 عامًا، ونصفهم تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عامًا.

2- التعبئة الشعبية والرقمية: نجحت حملة ممداني في بناء "جيش من آلاف المتطوعين"، الذين طرقوا أكثر من 1.6 مليون باب. يُنظر إلى هذا النهج التقليدي في الترويج للحملات الانتخابية على أنه يُغذّي الرغبة في المشاركة الديمقراطية. في الوقت نفسه، استخدم منصات التواصل الاجتماعي مثل تيك توك، وإكس، وإنستغرام بفعالية، حيث انتشرت مقاطع الفيديو الخاصة به بشكل متكرر، وحظي بدعم كبير من الناخبين من جيل زد والألفية، الذين قدّروا "براعته الرقمية" و"محتواه الذي يمكن التفاعل معه".

يعكس هذا التركيز المزدوج على العمليات الواقعية الواسعة والاتصالات الرقمية المبتكرة اتجاهات نشاط الشباب على مستوى العالم، والتي تعتمد غالبًا على الشبكات الاجتماعية والتنظيم غير الرسمي للتعبئة خارج الهياكل الحزبية التقليدية.

3- تحدي المؤسسة السياسية: حقق ممداني، وهو اشتراكي ديمقراطي يبلغ من العمر 33 عامًا، "مفاجأة كبيرة" بتغلّبه على أندرو كومو، وهو سياسي مخضرم يُنظر إليه على أنه "رمز للحرس القديم" المدعوم من النقابات العمالية، ومطوّري العقارات، والنخبة المالية.

هذا الفوز يُرسل "رسالةً قويةً من الناخبين إلى المؤسسة في الحزب الديمقراطي: نرفض أن نُجبَر على اختيار مرشحٍ آخر مُعيبٍ بشكلٍ خطير". يشعر المرشحون والناخبون الشباب بشكل متزايد "بالتعب من فكرة أن المؤسسة تتمتع بأي سلطة"، ويبحثون عن "دماء جديدة" قادرة على إحداث الفارق. يتماشى هذا بشكل مباشر مع الحركات الشبابية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تحدّت مرارًا وتكرارًا الأنظمة السياسية القائمة والنخب التقليدية من خلال وسائل غير تقليدية.

4- بناء التحالفات والإقبال: نجح ممداني في الحفاظ على تحالف أصغر سنًّا وأكثر ليبرالية وتوسيع نطاقه، مما أدّى إلى تحقيق تقدّم مع الناخبين غير البيض، بما في ذلك المجتمعات الآسيوية الأمريكية واللاتينية. كما عززت حملته الإقبال بشكل كبير في المناطق التي فاز فيها بشكل حاسم، حيث ارتفعت نسبة الإقبال بمعدل 20%، وأكثر من 40% في أقوى مناطقه مقارنةً بعام 2021.

إن هذه القدرة على توسيع قاعدة الناخبين، وتعبئة الناخبين الأصغر سنًّا الذين كانوا غير منخرطين سابقًا، هي جانب أساسي من جوانب نشاط الشباب الحديث، مما يتحدّى المعايير التاريخية لمشاركة الشباب المنخفضة.

5- أصالة المرشح ورؤيته: وُصف ممداني بأنه "موهوب بشكل فريد"، و"رشيق"، و"حيّ"، و"إنسان"، وهو ما يتناقض بشكل حاد مع صورة كومو "العنيفة اللاذعة". لقد لاقت خلفيته الفريدة، كابنٍ لمسلمَين مهاجرَين هنديي الأصل وُلد في أوغندا، صدىً لدى العديد من الشباب النيويوركيين من خلفيات متنوعة، مُقدّمًا "نسخة جديدة ملهمة من الحلم الأمريكي".

إن هذا التركيز على جودة المرشح، والرؤية المقنعة، بدلاً من الخبرة السياسية التقليدية أو الانتماء الحزبي، هو عامل جذب كبير للناخبين الأصغر سنًّا.

6- حركة تتجاوز الاقتراع: لا يُنظر إلى حملة ممداني على أنها مجرد فوز انتخابي، بل إنها "أعادت تشكيل المشهد السياسي في نيويورك"، وعزّزت "حركة" تُجبر المنافسين على معالجة القضايا الرئيسية بشكل مباشر. يشير هذا إلى رغبة في تغيير اجتماعي وسياسي أوسع، يتجاوز مجرد النتائج الانتخابية، مما يعكس روح العديد من الحركات الشبابية التي تهدف إلى التأثير في التغيير النظامي من خلال أشكال متنوعة من المشاركة، بما في ذلك تلك التي تُصنّف على أنها "غير سياسية".

في حين أن نجاح ممداني متجذّر في العملية الانتخابية، إلا أنه يعكس اتّجاهًا أوسع نطاقًا لنشاط الشباب، والذي يعمل في كثير من الأحيان خارج الهياكل السياسية الرسمية أو بالاشتراك معها، وخاصة في سياقات المنطقة العربية.

إن قدرة حملته على الجمع بين التكتيكات الانتخابية التقليدية، والاستراتيجيات الشعبية والرقمية المبتكرة، لإلهام وتعبئة تحالف شبابي متنوع، يركّز على قضايا العدالة الاقتصادية وتحدّي السلطة الراسخة، تُقدّم نموذجًا لكيفية سعي الأجيال الشابة إلى إحداث تغيير سياسي.

هل يمكن لهذه التجربة أن تكون ملهمةً لعدد من الشباب الراغبين في المشاركة في الانتخابات البرلمانية التي يُجرى الاستعداد لها في مصر الآن؟

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة