إلهام عيداروس: التدخلات الانتخابية الحكومية بدأت.. ونريد نصف مقاعد البرلمان للنساء (حوار)

في حوار جديد من “حوارات سجال برلمان 2025″، حذرت المترجمة إلهام عيداروس، وكيل مؤسسي حزب العيش والحرية (تحت التأسيس) وعضو أمانة شباب الحركة المدنية الديمقراطية، من أن التدخلات الحكومية والنظام الانتخابي الحالي يمهدان لإعادة إنتاج برلمان يفتقر إلى التمثيل الحقيقي، على غرار انتخابات عام 2020. وقد أكدت أن اعتماد نظام “القائمة المطلقة” المغلقة يهدر فعليًا نصف أصوات الناخبين ويقوّض فرص التيارات السياسية المعارضة في الوصول إلى البرلمان، واصفةً إياه بأنه “شديد السلطوية”.

كما شددت على أن تحقيق النزاهة يتطلب إرادة سياسية واضحة لوقف التدخلات في كافة مراحل العملية الانتخابية، من الترشح إلى فرز الأصوات، وتبني نظام “القائمة النسبية” الذي يضمن تمثيلًا أكثر عدالة وتنوعًا. وانتقدت استمرار تأجيل انتخابات المحليات لعقد من الزمان، معتبرةً إياها “المدرسة الحقيقية للديمقراطية القاعدية” التي يُحرم منها المجتمع.

وفيما يتعلق بتمثيل المرأة، أوضحت عيداروس أن “الكوتة” الدستورية (25%) تبقى خطوة ضرورية لكنها غير كافية، إذ يفرغها النظام الانتخابي الحالي من مضمونها. ففي ظل القوائم الموحدة والمصممة سلفًا، يصبح ولاء النائبات لمن وضعهن على القائمة، لا للناخبين أو للقضايا النسوية، بدليل عجز البرلمان الحالي عن إقرار تشريعات حيوية طالبت بها الحركة النسائية لسنوات.

إلهام عيدراوس وكيلة مؤسسي حزب الحرية والعيش تحت التأسيس - خاص فكر تاني
إلهام عيدراوس وكيلة مؤسسي حزب الحرية والعيش تحت التأسيس – خاص فكر تاني

إشكاليات هيكلية وتعديلات شكلية

ما هي أبرز الإشكاليات البنيوية التي تعتري النظام الانتخابي المصري في صيغته الحالية؟

إلهام عيدراوس - خاص فكر تاني
إلهام عيدراوس – خاص فكر تاني

تتمثل الإشكاليات الرئيسية في محورين أساسيين: أولهما، اعتماد نظام “القائمة المطلقة”، وهو نظام “الفائز يحصد كل شيء” (Winner-Takes-All)، الأمر الذي يحدّ بشكل كبير من فرص التنوع في التمثيل النيابي. أما المحور الثاني، فهو الاتساع المفرط في نطاق “الدوائر الفردية”، مما يزيد من تعقيد العملية الانتخابية ويقلل من فاعلية المشاركة السياسية القائمة على البرامج.

ويُشار في هذا السياق إلى أن التعديلات التي نوقشت لم تقدم أي تغيير جوهري يختلف عن الأنظمة التي أجريت بها انتخابات عامي 2015 و2020، إذ اقتصرت على تعديلات إجرائية دون المساس بهيكل النظام القائم.

سؤال عن “هندسة” المسار الانتخابي

كيف تقيمون موقف السلطتين التنفيذية والتشريعية من مطالب القوى الديمقراطية بإصلاح المسار الانتخابي، وتحديدًا ما يتعلق بنوع القائمة الانتخابية؟

كانت مطالب القوى الديمقراطية ترتكز بشكل أساسي على تفعيل “القائمة النسبية” ومنحها الوزن الأكبر في البرلمان، والتوقف عن نظام “القائمة المطلقة” الحالي، الذي يُعد نادر التطبيق عالميًا، ويتسم بطابع سلطوي يهدر أصوات ما يقرب من نصف الناخبين، فضلًا عن إضعافه لفرص مشاركة التيارات السياسية المختلفة. وفي تقديرنا، يؤدي هذا النظام إلى تآكل مكتسبات دستورية مهمة تتعلق بتمكين المرأة والفئات الأخرى.

ورغم النقاشات المستفيضة التي جرت في “الحوار الوطني”، تمسكت السلطة منذ البداية بمقولة إن “القائمة النسبية غير دستورية”، بحجة عدم قدرتها على استيفاء الحصص (الكوتات) المخصصة للمرأة والفئات الأخرى دستوريًا. هذا الادعاء غير دقيق، فالدستور يُلزم بالنتيجة وليس بالوسيلة، ومن الممكن تمامًا تصميم نظام انتخابي نسبي يضمن تحقيق هذه الحصص.

وقد أثبتنا ذلك عمليًا عبر تقديم مشروع متكامل لانتخابات المحليات، يوضح كيفية استيفاء كافة الحصص الدستورية في دوائر صغيرة عبر قائمة نسبية، مما يفتح المجال العام ويتوافق مع الدستور. لكن في النهاية، تجاهلت السلطة كل هذه المقترحات، وأعادت إنتاج نظام انتخابات 2020 بكل عيوبه، وربما بصورة أسوأ، في نهج يؤكد الإصرار على هندسة الاستحقاقات الانتخابية.

يجب وقف التدخلات الحكومية في الانتخابات وهذا يستدعي قرارًا سياسيًا.

خارطة طريق المعارضة

ما هي، في تقديركم، خريطة الطريق أو المطالب الأساسية التي من شأنها ضمان مسار انتخابي نزيه ومقبول من كل الأطراف؟

تتركز المطالب في عدة محاور رئيسية، بعضها قانوني والآخر سياسي، لكنها مجتمعة تشكل أساس أي عملية انتخابية ذات مصداقية.

أولًا، على المستوى التشريعي، هناك مطلبان مترابطان:

– التوقف الفوري عن نظام “القوائم المطلقة” في قطاعات جغرافية ضخمة، فهو إجراء تعجيزي يحوّل الانتخابات إلى ما يشبه الاستفتاء، كما حدث في 2020 حين وُضِع الناخبون أمام خيار “نعم” أو “لا” على قائمة واحدة. البديل هو تبني نظام “القوائم النسبية”.

– تقليص حجم الدوائر المخصصة للنظام الفردي عن وضعها الحالي لتسهيل المنافسة الحقيقية.

ثانيًا، وهو المطلب السياسي الأهم، فهو يتجاوز النصوص القانونية ليتعلق بالإرادة السياسية، ويتمثل في وقف تدخلات الأجهزة الأمنية في العملية الانتخابية.

إلهام عيدراوس - خاص فكر تاني
إلهام عيدراوس – خاص فكر تاني

يجب رفع القيود المفروضة على المرشحين منذ لحظة الترشح، مرورًا بممارسة الدعاية الانتخابية، وصولًا إلى ضمان نزاهة فرز وعد الأصوات. هذا المطلب تحديدًا يتطلب قرارًا وتوجهًا سياسيًا واضحًا من أعلى مستويات السلطة التنفيذية.

ثالثًا، إنهاء التعطيل غير الدستوري لانتخابات المحليات. يُعد التأجيل المستمر لهذا الاستحقاق منذ عام 2006 فجاجة دستورية وانتهاكًا خطيرًا.

إن انتخابات المحليات ليست مجرد استحقاق، بل هي “المدرسة الحقيقية للديمقراطية القاعدية”، وهي الحاضنة الطبيعية لتكوين كوادر سياسية جديدة، خاصة من الفئات التي خصها الدستور بـ”كوتا” كالنساء والشباب والعمال. فتأجيلها المستمر يطرح سؤالًا جوهريًا: من أين نأتي بالكوادر ذات الخبرة في العمل العام لملء هذه الحصص في الاستحقاقات الأكبر؟ إن الضرر الناتج عن غياب المحليات قد يكون على المدى البعيد أخطر من الانتهاكات التي تشهدها الانتخابات البرلمانية نفسها.

السلطة تعيد إنتاج نفس النظام الانتخابي 2020 بكل مساوئه وربما أكثر

مشاركة “مشروطة” لكشف النظام لا لتجميله

في ظل البيئة السياسية الحالية والإصرار على النظام الانتخابي القائم (القائمة المطلقة والفردي)، ما هي استراتيجيتكم للتعامل مع انتخابات 2025 البرلمانية؟ وهل هناك اتجاه للمشاركة أم المقاطعة؟

نحن في حزب العيش والحرية نتعامل مع الاستحقاقات الانتخابية باعتبارها واجبًا ومسؤولية تجاه العمل العام، وليست منحة من أحد. وفيما يخص انتخابات 2025، لم يُحسم القرار النهائي بعد داخل الحزب أو بالتنسيق مع شركائنا في المعارضة، لكن الاتجاه العام يميل نحو المشاركة.

الدافع الرئيسي وراء هذا التوجه هو إدراكنا بأن الأنظمة السلطوية لا ترغب في مشاركة سياسية حقيقية؛ وبالتالي، فإن محاولتنا خوض الانتخابات في حد ذاتها تصبح فعلًا سياسيًا يكشف الكثير من العوار ويفضح نوايا السلطة في هندسة المشهد.

هذا يختلف عن مقاطعتنا للانتخابات الرئاسية في 2024، التي كانت مهزلة مفتعلة ومهندسة منذ البداية، وهو ما أثبتته وقائع جمع التوكيلات التي منعت أي مرشح جاد.

الصورة - وكالات
الصورة – وكالات

مع ذلك، مشاركتنا مشروطة بمبادئ واضحة. نحن نرفض رفضًا قاطعًا المشاركة ضمن “قوائم الموالاة” أو ما نسميه “قوائم الأجهزة”.

إن الانضمام لهذه القوائم، التي تُصمم في غرف مغلقة، هو قبول بهندسة انتخابية تقتل الممارسة السياسية الحقيقية، وهو ما لا يمكن أن نكون جزءًا منه.

في المقابل، نحن لسنا ضد فكرة التحالفات الانتخابية متعددة الاتجاهات إذا كانت نتاج تفاعل حر بين قوى سياسية تعبر عن المجتمع، وهو أمر صحي وموجود في ديمقراطيات العالم.

لكننا سنبحث عن أي سبيل ممكن للتواصل مع الجمهور والتعبير عن سياساتنا، سواء عبر المقاعد الفردية، كما فعلنا في 2020، أو أي أداة أخرى تتاح لنا بعيدًا عن تجميل المشهد المُعد سلفًا.

الدولة لن تصدر أجندة تشريعية تكلفها أموال، لأن الموازنة العامة موجهة لسداد الديون

“المشاركة بهدف الفضح” كخيار للمعارضة

هل المناخ السياسي الراهن في مصر ملائم لإجراء انتخابات برلمانية نزيهة؟

لا، ولن يكون ملائمًا طالما استمرت السلطة متمسكة بإحكام قبضتها على المجال العام والمؤسسات. فالسلطة لا تسعى لتوفير مناخ ملائم، بل تتعمد خلق بيئة غير مناسبة للمشاركة السياسية الحقيقية.

والدليل على ذلك هو تدهور طبيعة الانتخابات نفسها؛ ففي عام 2015، كان المشهد، رغم محدوديته، يضم قائمتين (قائمة الحكومة وقائمة حزب النور)، مما دفع البعض للمقاطعة أو إبطال أصواتهم. أما في عام 2020، فقد تفاقم الوضع وتحولت الانتخابات عمليًا إلى استفتاء على قائمة موحدة، مما أغلق الباب تمامًا أمام أي منافسة أو نقاش سياسي في الشارع.

إلهام عيدراوس - خاص فكر تاني
إلهام عيدراوس – خاص فكر تاني

إن نظام القائمة الانتخابية، بطبيعته، يحمل طابعًا سياسيًا عميقًا وقادر على خلق حوار مجتمعي إذا وُجد فيه تنافس حقيقي، وذلك على عكس النظام الفردي الذي غالبًا ما تحكمه اعتبارات قبلية ومالية بعيدًا عن البرامج السياسية.

لهذا السبب، يقع على عاتق المعارضة واجب المحاولة المستمرة للمشاركة، حتى لو كان الهدف الوحيد هو فضح نوايا السلطة وطبيعة النظام. فالمحاولة، حتى لو انتهت بالإقصاء، هي في حد ذاتها شهادة تفضح طبيعة النظام، وتعد خيارًا أفضل من الاستسلام للغياب الكامل عن المشهد.

لا تحالف مع “قوائم الموالاة”

أعلنت الحركة المدنية الديمقراطية رفضها لتحالف أي من أعضائها مع أحزاب الموالاة في الانتخابات المقبلة، ملوّحةً بالإقصاء. كيف ترون هذا القرار وأهميته؟

هذا الموقف متسق تمامًا مع مبادئ الحركة، وقد عبرت عنه “أمانة الشباب” بوضوح في بيانها التأسيسي، الذي أكد على ضرورة المشاركة السياسية بشكل شعبي ومستقل.

القرار لا يمثل منعًا، بقدر ما هو تحديد لهوية الحركة ورسمٌ لخطوطها السياسية. فمن يختار الانضمام إلى قوائم الموالاة، فله ذلك، لكن هذا الخيار يتعارض مبدئيًا مع فكرة البقاء كجزء من كيان شبابي معارض ومستقل.

محاولة لكسر العزلة ومد الجسور

بالنظر إلى دورك كأحد مؤسسي “أمانة الشباب” بالحركة المدنية، ما هي الدوافع وراء تأسيس هذا الكيان في التوقيت الحالي، وما الهدف الاستراتيجي منه؟

الدافع الأساسي نابع من تشخيص للوضع العام، وتحديدًا أزمة “عزلة الأحزاب” في مصر. فالأحزاب السياسية الحية تنشأ وتتطور من خلال تفاعلها العضوي مع مكونات المجتمع، وهو ما نفتقده؛ إذ تغيب الروافد التقليدية التي تغذي العمل الحزبي، مثل النقابات العمالية والاتحادات الطلابية الفاعلة، والجمعيات الأهلية المستقلة، وعلى رأس كل ذلك، انتخابات المحليات.

هذا الغياب للمجال الديمقراطي العام أدى إلى حقيقة نعترف بها، وهي أن الأحزاب الديمقراطية أصبحت معزولة عن قطاعات واسعة في المجتمع تتبنى نفس أفكارها ومبادئها، لكنها تنشط خارج الأطر الحزبية. على سبيل المثال، هناك ناشطات نسويات يقمن بدور عظيم، لكنهن لسن أعضاء في الأحزاب التي تتبنى حقوق المرأة.

شباب التيار المدني ورموز من جيل الوسط في اجتماع مجلس أمناء الحركة المدنية
شباب التيار المدني ورموز من جيل الوسط في اجتماع مجلس أمناء الحركة المدنية

من هنا، يأتي الهدف الاستراتيجي لـ “أمانة الشباب”؛ فهي محاولة جادة لبناء جسر بين الحركة السياسية المعارضة، ممثلة في الحركة المدنية، وهذه الروافد المجتمعية الحيوية التي تمتلك نشاطًا فكريًا رغم تنوعها. الأمانة هي فرصة لمد الجسور مع هذه الطاقات خارج الإطار الحزبي الرسمي.

وبالطبع هناك تحديات، أبرزها أن هذه المجموعات ليست حزبًا موحدًا، مما يجعل صياغة برنامج تفصيلي أمرًا معقدًا، لكننا ننطلق من البيان التأسيسي للحركة.

ورغم اعتراضي الشخصي المبدئي على حصر المسمى في “الشباب” خشية إقصاء الأجيال الأكبر سنًا، فقد تم تدارك ذلك في اللائحة الداخلية التي أكدت على تمكين الشباب دون إقصاء الخبرات.

وما هي القيمة المضافة أو الدور المختلف الذي تطمح “أمانة الشباب” لتقديمه مقارنة بالحركة الأم؟

في تقديري، القيمة المضافة التي نطمح لتقديمها تكمن في العمل المباشر داخل المجتمع، على غرار أي حزب أو حركة سياسية فاعلة. هذا يتضمن تنظيم أنشطة حول قضايا محددة تهم المواطنين، مثلما فعلنا حين نظمنا فعالية لمناقشة قضايا البيئة، أو كما نخطط للعمل على ملفات مثل قانون العمل وقانون الإجراءات الجنائية.

لكننا نصطدم بعقبة أساسية، وهي أننا عمليًا “محرومون من التواصل مع المجتمعات”.

هنا يظهر الفارق الجوهري مع تجارب ديمقراطية أخرى؛ فهناك أحزاب في أوروبا قد تمتنع عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية لسنوات، لكنها تظل حية وفاعلة ومتصلة بالناس من خلال انخراطها الدائم في انتخابات المحليات. هذه المحليات هي التي تمنحها القدرة على التواصل الحقيقي، وهي الأداة التي نُحرم منها حاليًا.

حدث تغيير كبير لصالح المرأة في قانون العمل، ولكن ليس بتشريع مباشر، بل بتعديل لائحة تشغيل النساء بقرار من مجلس الوزراء في 2021. 

القوى السياسية رجليها مقطوعة من الشارع

في ظل هذه العقبات، ما هي القدرة الفعلية لـ “أمانة الشباب” على التحرك في الشارع والتواصل المباشر مع الجمهور؟

الحقيقة أن القدرة على التحرك مقيدة للغاية. هناك قيود مفروضة على الحركة السياسية بشكل عام، لكنها تستهدف الشباب بشكل خاص وتُعرّضهم لمخاطر أكبر مقارنة بالقيادات الأكبر سنًا، وهو ما يثير قلقًا شخصيًا لديّ حيال تعرضهم لانتهاكات أمنية أثناء أي محاولة للتحرك وسط الجمهور.

إلهام عيدراوس - خاص فكر تاني
إلهام عيدراوس – خاص فكر تاني

الواقع المرير هو أن القوى السياسية باتت معزولة فعليًا عن الشارع، وممنوعة من الوجود في أماكن التواصل الطبيعية مع الناس، مثل قصور الثقافة، ومراكز الشباب، والتجمعات المحلية.

لذلك، ورغم أنني أتمنى أن تتمكن الأمانة الجديدة من العمل بشكل حقيقي وفاعل، فإنني في الوقت ذاته أخشى على أعضائها من مواجهة الانتهاكات الأمنية.

سياق سياسي يحدد الموقف

بالنسبة لحزب “العيش والحرية” تحديدًا، هل تم حسم قرار المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة؟

حتى هذه اللحظة، لم يُحسم القرار بشكل نهائي، لكن الاتجاه العام داخل الحزب يميل إلى المشاركة.

إن قرار المشاركة من عدمه ليس مبدأً ثابتًا، بل هو قرار تكتيكي مرتبط بشكل كامل بالسياق السياسي القائم. فعلى سبيل المثال، في عام 2015، كان الموقف مختلفًا تمامًا؛ حيث كان المناخ قمعيًا وقانون الانتخابات شديد الإجحاف، وجاءت حادثة استشهاد زميلتنا شيماء الصباغ في الشارع لتجعل قرار المقاطعة حتميًا في ذلك الوقت.

أما الآن، وعلى المستوى الشخصي، فأنا أميل للمشاركة، ليس قبولًا بالوضع القائم، ولكن لأنني أرى أن النظام الحالي لا يرغب في مشاركتنا.

أحدث تجليات هندسة الانتخابات

في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة واتساع “معركة الفردي”، ما هو حجم مخاوف المعارضة من تنامي دور “المال السياسي”؟

استخدام المال في السياسة يمثل إشكالية أزلية في مصر، لكنها تفاقمت بشكل مبالغ فيه خلال السنوات الأخيرة، مدفوعة بعاملين: الاتساع غير المسبوق للدوائر الفردية، وتعدد الأحزاب الموالية للسلطة.

لقد شهدنا تحولًا خطيرًا في نمط النائب المرتبط بالمال؛ ففي السابق، كانت انتقاداتنا موجهة لما يُعرف بـ “نائب الخدمات”، أما النموذج الحالي فهو “نائب يأتي بالمال ولا يقدم أي خدمات”. وهو ليس مضطرًا لخدمة أهالي دائرته، لأن شغله الشاغل هو استرداد الأموال التي أنفقها للوصول إلى المقعد.

يعود هذا التحول إلى أن “الشعبية” لم تعد جزءًا من حسابات السلطة التي أحكمت هندسة الانتخابات بشكل كامل، حتى في النظام الفردي. فحتى الحزب الوطني المنحل، ورغم حرصه على الولاء المطلق، كان يهتم بوجود مرشحين لهم قدر من الحضور المحلي. هذا الاهتمام لم يعد موجودًا الآن.

كما يشاع أن هناك أموالًا تُدفع حتى في نظام القائمة المغلقة، ورغم عدم امتلاكنا معلومات مؤكدة عن حجمها، إلا أن هذا الأمر يستدعي تحقيقًا جادًا من قبل الجهات الرقابية المنوط بها مراقبة تمويل الحملات الانتخابية.

انتخابات المحليات هي المدرسة الحقيقية للديمقراطية القاعدية الحقيقية

قيود الحركة أخطر من نقص التمويل

عند الحديث عن النظام الفردي، يبرز دائمًا تحدي القدرة المالية. كيف تتعاملون مع هذا العائق، وهل هو التحدي الأكبر لكم؟

من المؤكد أننا، وكل من يشبهنا في المعارضة، ننفق مبالغ أقل بكثير من سقف الدعاية الانتخابية المحدد قانونًا، لأننا ببساطة لا نملك هذه الأموال. لكن في تقديري، لا يمثل هذا التحدي الأكبر، فمن المعتاد تاريخيًا أن أي حركة معارضة لا تعتمد على القوة المالية بنفس القدر الذي تعتمد عليه السلطة.

إن الافتقار إلى المال في الحملات الانتخابية يتم تعويضه عادةً بالعمل التطوعي وبذل المجهود في التحرك والتواصل المباشر مع الناس. وهنا يكمن التحدي الحقيقي: أن يُسمح لنا بالتحرك بحرية وسط الجمهور.

لذلك، ورغم أن المال السياسي يمثل تحديًا كبيرًا وخطيرًا، فإن الخطر الأكبر والأكثر شللًا للحركة السياسية يكمن في القيود المفروضة على حركتنا في الشارع ومنعنا من الوصول إلى الناس.

النساء في البرلمان

بالانتقال إلى ملف تمثيل المرأة، هل تعتقدون أن المزاج العام للناخب المصري أصبح مهيأً لانتخاب عدد أكبر من السيدات في برلمان 2025، بعيدًا عن الكوتة؟

الدستور المصري حدّد نسبة الربع كحد أدنى لتمثيل النساء في البرلمان، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بتاريخ المشاركة البرلمانية للمرأة في مصر، لكننا نتطلع إلى تحقيق تمثيل متكافئ يصل إلى التناصف مستقبلًا.

في بعض الدوائر في نظام الفردي الكثير من الناخبين اختاروا سيدات، بالذات السيدات أصحاب التواجد والعمل السابق بين الناس.

لكن السيدات بشكل عام والفئات الأخرى المهمشة، فرصهم في الفردي اقل بسبب التحديات خصوصًا المتعلقة باتساع الدوائر بشكل كبير، كلن الفرصة ليست معدومة.

لا نستطيع الحسم إذا ما كان المزاج العام لدى الناخبين يميل للمزيد من السيدات، لكن هناك قبول لوجود سيدات، لم تعد شيء غريب خصوصاً مع وجود فكرة الكوتة وأن الناس اتعودت على وجود السيدات في البرلمان.

المشكلة في القوائم المعدة بالشكل المطلق السلطوي يجعل من السيدات الراغبات في المشاركة السياسية، لا تملك إلا مسار أو منفذ واحد للدخول إلى البرلمان.

المعضلة مازالت في النظام الفردي

عند الحديث عن التحالفات والتنسيقات الانتخابية، ما هي الصعوبات الخاصة التي تواجه المرشحات تحديدًا في فرض أنفسهن كخيار أساسي؟

تختلف الصعوبة بشكل جذري بين النظامين الانتخابيين. ففي نظام “القائمة”، يفرض الدستور حصة (كوتا) واضحة للمرأة، وهو ما يُلزم أي حزب أو تحالف يرغب في تقديم قائمة بأن يلتزم بهذه النسبة.

هذه الآلية، التي دافعتُ شخصيًا عن تضمينها في الدستور، توفر شبكة أمان وضمانة للتمثيل النسائي. وبالطبع، يظل التنافس قائمًا داخل القوائم، حيث تمتلك السلطة مرشحاتها والمعارضة مرشحاتها، وغالبًا ما تكون النساء في أحزاب السلطة أقدر على خوض هذه التنسيقات.

أما المعضلة الحقيقية فتكمن في “النظام الفردي”. هنا، يصبح فرض المرشحات لأنفسهن في التحالفات أمرًا بالغ الصعوبة. والدليل الأبرز على ذلك هو “تحالف 25-30” الذي تشكل في برلمان 2015 من نواب المعارضة الذين نجحوا جميعًا عبر المقاعد الفردية؛ هذا التحالف لم يضم أي امرأة، وكان به نائب مسيحي واحد فقط، ولم يكن به عامل أو فلاح.

يعكس هذا الواقع أن طبيعة المنافسة الفردية في مصر تميل بطبيعتها لصالح نمط معين من المرشحين: الرجل المنتمي للطبقات الميسورة، والذي لا يأتي من خلفية عمالية أو فلاحية، خاصة إذا كان يمتلك إرثًا سياسيًا عائليًا. ورغم وجود استثناءات ناجحة مثل النائبة نشوى الديب، تظل الفرص المتاحة لنساء المعارضة في النظام الفردي شاقة ومحدودة.

يُضاف إلى كل ذلك أن صعوبات المنافسة الفردية لا تقتصر على المال السياسي، بل تمتد إلى التعرض لمخاطر العنف والبلطجة، وهو أمر مقلق بشكل خاص للمرشحات ويزيد من صعوبة مهمتهن.

السلطة تتبنى تمكينًا فوقيًا وسلطويًا للمرأة، فهي تقوم بتعيينها في مناصب قضائية مثلاً، لكنها لا تفتح المجال أمامها لتصعد بشكل طبيعي.

حضور عددي للمرأة وغياب للأثر التشريعي

هل تعتبرين “كوتة الـ 25%” آلية كافية وفعالة لضمان تمثيل حقيقي وداعم لحقوق المرأة في البرلمان؟

“الكوتة” آلية ضرورية، لكنها ليست كافية على الإطلاق. هي تضمن حدًا أدنى من الحضور العددي، لكن فعاليتها وجودة تمثيلها تعتمدان كليًا على النظام الانتخابي الذي يحدد كيفية وصول هؤلاء النساء إلى المجلس، وبالتالي لمن يكون ولاؤهن.

عندما يصبح المدخل الوحيد هو قائمة موحدة ومهندسة سلفًا، فإن الولاء يكون لمن وضع أسماءهن في القائمة، وليس للناخبين أو للقضايا النسوية.

انفوجراف للمجلس القومي لحقوق المرأة - مواقع الكترونية
انفوجراف للمجلس القومي لحقوق المرأة – مواقع الكترونية

الدليل الأبرز على هذه الإشكالية هو المفارقة الكبرى في البرلمان الحالي؛ فعلى الرغم من أنه يضم أعلى نسبة تمثيل للنساء في تاريخ مصر، إلا أنه فشل في إقرار أجندة تشريعية حيوية تطالب بها الحركة النسائية منذ سنوات، وعلى رأسها قانون موحد لمناهضة العنف، وقانون إنشاء مفوضية لمناهضة التمييز، وتعديلات قانون الأحوال الشخصية، بل وحتى قانون “الولاية على المال” الذي حظي بتوافق واسع في الحوار الوطني.

هذا يعكس تبني السلطة لنهج “التمكين الفوقي والسلطوي”، فهي قد تعين المرأة في مناصب قضائية رفيعة، لكنها في المقابل لا تفتح المجال أمامها لتصعد بشكل طبيعي عبر القنوات الديمقراطية الحقيقية كالمحليات والنقابات والجمعيات الأهلية.

كما أن هناك عاملاً آخر، وهو أن الدولة تفضل الأجندة التشريعية التي لا تترتب عليها أعباء مالية، في ظل توجيه الموازنة العامة لسداد الديون. فتغليظ عقوبة الختان، على سبيل المثال، هو إجراء عقابي لا يُكلّف شيئًا، لكن المكافحة الحقيقية للظاهرة تتطلب إنفاقًا على تعيين أخصائيات اجتماعيات ورائدات ريفيات، وهو ما لا ترغب الدولة في فعله، على عكس دول أخرى في محيطنا الإقليمي تستثمر في هذه الآليات الوقائية.

بين “حلم قائمة المعارضة” وتحديات “التكلفة والمخاطرة”

إذا قررتِ خوض السباق البرلماني شخصيًا، أي مسار تفضلين: نظام القائمة أم المنافسة الفردية، ولماذا؟

الإجابة على هذا السؤال معقدة وتعتمد كليًا على السياق السياسي والانتخابي. من حيث المبدأ، أفضل خيار هو المشاركة ضمن قائمة موحدة تنسقها أحزاب المعارضة فيما بينها، فهذا يعبر عن عمل سياسي جماعي ومنظم.

لكن هذا الخيار يواجه تحديين رئيسيين في ظل النظام الحالي:

التكلفة الباهظة: تتطلب القوائم الانتخابية، سواء كانت صغيرة (40 مقعدًا) أو كبيرة (100 مقعد)، دفع مبالغ تأمين ضخمة لكل المرشحين الأساسيين والاحتياطيين، مما يجعل العبء المادي ثقيلًا جدًا على أي كيان معارض.

 

أحد اجتماعات الحركة المدنية الديمقراطية - فيس بوك الحركة
أحد اجتماعات الحركة المدنية الديمقراطية – فيس بوك الحركة

المخاطرة الكبيرة: إن نظام “القائمة المطلقة” القائم على مبدأ “الفائز يحصد كل شيء” يجعل هذه التجربة محفوفة بالمخاطر؛ فالقائمة التي تخسر، ولو بفارق صوت واحد، تفقد كل مقاعدها وكل الأموال التي أنفقتها.

لهذه الأسباب، نؤكد على ضرورة التراجع عن قانون الانتخابات الحالي وتبني “القائمة النسبية” التي تقلل من هذه المخاطر وتسمح بتمثيل أكثر عدالة.

أما عن الخيار الآخر، وهو المشاركة ضمن القوائم السلطوية القائمة حاليًا، فهو مرفوض تمامًا من جانبي، كما أنني لا أعتقد أنهم يرغبون في وجودي معهم من الأساس.

قائمة المعارضة الموحدة

هل هناك نقاشات جارية داخل الحركة المدنية الديمقراطية حول إمكانية تشكيل قائمة موحدة للمعارضة لخوض الانتخابات المقبلة؟

نعم، الفكرة مطروحة بالفعل ويتم تداولها وتقييمها بجدية داخل أروقة الحركة.

لكن هذه النقاشات لا تجري بمعزل عن التجربة القاسية والمريرة لانتخابات عام 2020، والتي تلقي بظلالها على أي تحرك مماثل. ففي تلك التجربة، تم التنكيل بـ”تحالف الأمل” الذي كان يحاول تنسيق جهد مشابه عبر القبض على عدد من أعضائه، كما قامت السلطات بشطب قوائم أخرى للمعارضة في اللحظات الأخيرة، مما أضاع على مرشحيها فرصة المنافسة حتى على المقاعد الفردية.

أداؤهن كان جيدًا

بالانتقال إلى البرلمان، كيف تقيمون أداء النائبات المنتميات لأحزاب المعارضة خلال الدورة البرلمانية الحالية؟

في الحقيقة، أداؤهن يُعد من بين الأفضل داخل البرلمان، ليس فقط بالمقارنة مع السيدات، بل مع النواب بشكل عام.

لقد تبنين مواقف سياسية محترمة في العديد من القضايا الجوهرية، ورفضن الموازنة العامة للحكومة، وقدمن مقترحات تشريعية مهمة في ملفات حيوية مثل عمالة المنازل، والأحوال الشخصية، ومناهضة العنف، وإن كانت الأغلبية البرلمانية حالت دون تمريرها.

النائبة أميرة صابر
النائبة أميرة صابر
النائبة مها عبد الناصر - خاص فكر تاني
النائبة مها عبد الناصر – خاص فكر تاني

من حيث الأداء التشريعي والدفاع عن مواقف سياسية واضحة، فإنهن من أفضل من يتحدثون داخل البرلمان، رجالًا ونساءً، من نفس التيار.

لكن الإشكالية الجوهرية، في تقديري، لا تتعلق بأدائهن المتميز، بل بالمسار الذي أوصلهن إلى المجلس. إن آلية الدخول عبر نظام القائمة المطلقة الحالي تنزع عن الناخب إمكانية الاختيار الحقيقي؛ فقد يجد الناخب نائبًا يدافع عن قضاياه، لكنه في الانتخابات التالية يُفرض عليه في نفس القائمة نائب آخر يقف ضد مصالحه، مما يضعه في معضلة انتخابية.

والأهم من ذلك، أن هذا النظام يجعل ولاء النائب لمن منحه المقعد ووضعه على القائمة، وليس للناخبين، فهو يدرك أن تلك الجهة قادرة على منعه من الترشح في المرة القادمة.

البرلمان الحالي عاجز عن إقرار قوانين مثل قانون موحد لمناهضة العنف، أو قانون مفوضية التمييز أو قانون الأحوال الشخصية.

“المنهج العقابي” سمة غالبة على القوانين الأخيرة

كيف تقيمون الأجندة التشريعية التي أُقرت في مصر خلال العقد الأخير فيما يتعلق بحقوق المرأة؟

لا يمكن إنكار صدور تعديلات وتشريعات مهمة لصالح النساء خلال السنوات العشر الأخيرة، لكن السمة الغالبة على معظمها، في تقديري، هي ارتكازها بشكل أساسي على “الأداة العقابية” للدولة.

فعلى سبيل المثال، صدر قانون تجريم حرمان المرأة من الميراث عام 2017، وهو تشريع شديد الأهمية أنهى وضعًا شاذًا استمر لعقود حيث كان قانون المواريث القديم خاليًا من أي عقوبات رادعة. وكذلك تم تغليظ العقوبات في جرائم ختان الإناث والتهرب من دفع النفقات. هذه أجندة تشريعية إيجابية ونحن نؤيدها مبدئيًا.

عدد من نائبات مجلس النواب 2020 يتوسطهن رئيس المجلس المستشار حنفي جبالي
عدد من نائبات مجلس النواب 2020 يتوسطهن رئيس المجلس المستشار حنفي جبالي

ولكن، مع هذا التأييد، نرى أن هناك اتجاهًا للمبالغة في تغليظ العقوبات بشكل قد لا يخدم الهدف النهائي. فمثلًا، جعل الحد الأدنى لعقوبة التحرش سنتين هو أمر مبالغ فيه، لأنه لا يفرق بين درجات الجريمة المختلفة؛ فالتحرش اللفظي، على سبيل المثال، قد تكون عقوبة الحبس لشهر واحد كافية ورادعة له.

والأهم من ذلك، أن التركيز على العقاب وحده يعكس تفضيل الدولة للتشريعات “غير المُكلِّفة” ماليًا. فمكافحة ظاهرة مثل ختان الإناث لا تتم فقط بتغليظ العقوبة، بل تتطلب استثمارًا في آليات وقائية على الأرض، مثل تعيين رائدات ريفيات وأخصائيات اجتماعيات في كل قرية، وهو نهج يتطلب إنفاقًا لا يبدو أن الدولة مستعدة له حاليًا.

أهم القوانين المطلوبة

بعد استعراض التشريعات القائمة، ما هي القوانين التي ترونها غائبة، والتي من شأنها إحداث تغيير جذري حقيقي في واقع المرأة المصرية؟

التشريعات التي نأمل أن تُحدث تغييرًا جذريًا هي تلك التي تتجاوز مجرد العقاب لتبني بنية تحتية داعمة لحقوق المرأة. على رأس هذه القوانين يأتي ثلاثة:

– قانون موحد لمناهضة العنف، يضع استراتيجية متكاملة للتعامل مع القضية.

– قانون إنشاء مفوضية لمناهضة التمييز، لتكون آلية رقابية فاعلة.

إلهام عيدراوس - خاص فكر تاني
إلهام عيدراوس – خاص فكر تاني

– قانون جديد للأحوال الشخصية، بالصيغة التي تتبناها الجمعيات النسائية وكثير من الأحزاب الديمقراطية.

العقبة الأساسية أمام إقرار هذه القوانين لا تكمن في نصوصها، بل في كونها تشريعات “مؤسسية”؛ أي أنها تتطلب عند صدورها إنشاء مؤسسات وآليات جديدة وتخصيص ميزانيات لها لتفعيلها على أرض الواقع، وهذا تحديدًا هو ما لا ترغب الدولة في فعله حاليًا.

بالحديث عن تشريعات محددة، كيف تقيمون التعديلات الأخيرة المتعلقة بعمل المرأة في قانون العمل، وهل تمثل تقدمًا حقيقيًا؟

لقد حدث تغيير إيجابي بالفعل، ولكنه لم يأتِ عبر تشريع برلماني مباشر، بل من خلال تعديل “لائحة تشغيل النساء” بقرار من مجلس الوزراء صدر في عام 2021.

هذا القرار رفع الحظر التاريخي عن عمل النساء في حوالي 20 إلى 30 مهنة كانت محظورة عليهن، كما سمح لهن بالعمل الليلي، مما يفتح الباب لزيادة مشاركة المرأة في قوة العمل.

ولكن هنا تكمن المفارقة الكبرى؛ فالدولة من جهة تتخذ خطوات لدمج المرأة في سوق العمل، وهو مكان ستتعرض فيه حتمًا للتمييز والعنف، لكنها من جهة أخرى لا تُنشئ آليات الحماية الضرورية لمواجهة هذه المخاطر، وعلى رأسها “مفوضية مناهضة التمييز” و”قانون موحد لمناهضة العنف”.

فالرسالة الضمنية التي تصل للمرأة تبدو وكأنها: “اذهبي لتندمجي في سوق العمل وتتعرضي للمشقة والإهانة، وعندما تواجهين العنف والتمييز، لن تجدي آلية مؤسسية فاعلة لتقديم الشكوى إليها”.

سجينات الرأى

يُوجَّه اتهام للقيادات النسائية، في الموالاة والمعارضة، بالتقصير في تبني ملف سجينات الرأي. ما مدى دقة هذا الاتهام في تقديركم؟

يجب التمييز بوضوح بين الطرفين. فبالنسبة لقيادات الموالاة، موقفهن معلن وواضح؛ فهن لا يهملن الملف فحسب، بل يشاركن في الهجوم على هؤلاء السجينات عبر وصفهن بالإرهابيات والمجرمات.

علياء عواد يسار الصورة ضمن مجموعات من سجينات الرأي بمصر - تصميم فكر تاني
علياء عواد يسار الصورة ضمن مجموعات من سجينات الرأي بمصر – تصميم فكر تاني

أما في دوائر المعارضة والجمعيات النسائية والحقوقية، فأعترف بوجود تقصير وعدم إيلاء اهتمام كافٍ بالقضية.

يتركز الاهتمام غالبًا على النشطاء والرموز السياسية المعروفة، بينما تُهمل فئات أخرى من السجينات السياسيات اللاتي تظل قضاياهن “غير مرئية”. من أبرز هذه الفئات:

نساء الدعم الإنساني: وهن اللواتي يقمن بأدوار دعم، مثل جمع التبرعات لأسر السجناء، ورغم أن أدوارهن غير قيادية، يتم اتهامهن بـ “تمويل الإرهاب”.

ضحايا الخلافات الشخصية: نساء يجدن أنفسهن متورطات في قضايا أمن دولة كبرى، لا لسبب سياسي، بل نتيجة خلاف شخصي مع شخصيات نافذة في السلطة.

أمهات المعتقلين: وهن أمهات تم القبض عليهن فقط لأنهن تحدثن عن الانتهاكات التي يتعرض لها أبناؤهن داخل السجون، مثل حالة والدة السجين عبد الرحمن الشويخ.

“فتيات التيك توك”: هؤلاء في رأيي هن ضحايا لحرية التعبير، لكن المجال السياسي للأسف لا يعتبر قضيتهن سياسية. يتم استهدافهن إما بدوافع أخلاقية أبوية، أو لأسباب مادية لأنهن يحققن أرباحًا مستقلة.

هذه الفئات الأربع تحتاج إلى مجهود حقوقي أكبر بكثير، يشمل حصر حالاتهن وتوثيقها، لأن قضاياهن لا تحظى بالزخم والاهتمام الذي تحصل عليه قضايا النشطاء المعروفين.

لسنا ضد التحالفات الانتخابية متعددة الاتجاهات السياسية، هذا قرار سياسي يحسم حسب الظروف.

أخرجوا علاء وأنقذوا أمه

في قضية الناشط علاء عبد الفتاح، ومع استمرار حبسه وإضراب والدته الدكتورة ليلى سويف عن الطعام، كيف تقيمين هذا المشهد الإنساني والسياسي المعقد؟

الوضع بشع ومؤلم للغاية، وهناك خطر حقيقي من أن نفقد الدكتورة ليلى سويف في أي لحظة. بعيدًا عن مكانتها الوطنية، فإن المنطق الإنساني البسيط يقول إننا أمام أم ترى أن ابنها، بعد 11 عامًا في الحبس، لن يخرج، وأنه يُطلب منها أن تيأس وتتوقف عن المطالبة بحريته.

ليلى سويف تحمل صورة ابنها علاء عبد الفتاح قبل دخولها المستشفي في أزمة صحية خطيرة (وكالات)
ليلى سويف تحمل صورة ابنها علاء عبد الفتاح قبل دخولها المستشفي في أزمة صحية خطيرة (وكالات)

لذلك، فإن إضرابها عن الطعام، على قسوته، هو فعل احتجاجي مفهوم ومنطقي في سياقه. الحل الوحيد لهذه الكارثة الإنسانية يكمن في يد السلطة، ويمكن تلخيصه في جملة واحدة: “أخرجوا علاء عبد الفتاح وأنقذوا أمه”.

وإذا كانت السلطة تخشى من أنها لو أفرجت عن علاء ستضطر للإفراج عن غيره، فليكن. فليخرج كل من قضى مدة عقوبته، وكل من تجاوز مدة الحبس الاحتياطي المقررة قانونًا. فما هو المطلوب من أهالي هؤلاء؟ هل المطلوب منهم أن ينسوا أبناءهم ويتوقفوا عن المطالبة بحقهم؟

الانتخاب الحر

أخيرًا، ما هي رسالتك للناخبين والناخبات مع اقتراب الانتخابات البرلمانية لعام 2025؟

رسالتي هي أمنية في جوهرها؛ أتمنى ألا أرى مجددًا في بلدي ذلك المشهد المهين لمجموعات من السيدات يتم اقتيادهن للتصويت، بعد أن يستولي شخص واحد على بطاقاتهن الانتخابابية، مستغلًا حاجتهن المادية.

هذا المشهد، الذي تكرر في انتخابات سابقة، لا يمثل فقط استغلالًا فجًا لفقر الناس، بل له تبعات اجتماعية أخطر، فهو يخلق “بلطجية محليين” تمنحهم السلطة دورًا ونفوذًا على مجتمعاتهم.

عندما يُمنح شخص هذا الدور، فإنه يصبح فعليًا فوق القانون في منطقته، وتفقد النساء أي قدرة على الشكوى منه إذا تعرض لهن أو افترى عليهن. أتمنى من كل قلبي ألا يتكرر هذا المشهد البشع أبدًا في تاريخ مصر.

 

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة