إسرائيل تعلن الحرب على إيران.. ماذا يحدث وما التداعيات القادمة؟

بدأت إسرائيل، فجر الجمعة، حربها على إيران، بسلسلة من الضربات الجوية الواسعة التي استهدفت عشرات الأهداف، بما يشمل منشآت نووية ومراكز عسكرية وشخصيات قيادية بارزة في البرنامجين النووي والعلمي في عدة مدن إيرانية. وهي هجمات تأتي في وقت بالغ الحساسية، وسط ترقب دولي وردود فعل إقليمية متباينة، مع دعوات إيرانية لعقد جلسة طارئة في مجلس الأمن، وتحذيرات من انزلاق المنطقة نحو مواجهة مفتوحة قد تعيد تشكيل التوازنات الجيوسياسية في الشرق الأوسط.

إيران تتوعد

وقد أكد المتحدث باسم هيئة الأركان الإيرانية أنّ "العدوان الصهيوني" على إيران "حصل بالتنسيق مع الولايات المتحدة"، متوعدًا بأنّ الاحتلال وواشنطن "سيدفعان ثمنًا باهظًا".

أبرز ضحايا العدوان الصهيوني على طهران فجر الجمعة 13 يونيو 2025 - مواقع الكترونية
أبرز ضحايا العدوان الصهيوني على طهران فجر الجمعة 13 يونيو 2025 - مواقع الكترونية

وشدّد المتحدث على أنّ الرد الإيراني على العدوان "حتمي، وسيكون متناسبًا"، مشيرًا إلى أنّ الاحتلال استهدف مناطق سكنية، وفقًا لما نقلته وكالات الأنباء الإيرانية.

وخاطب القائد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية، علي خامنئي، الشعب الإيراني، قائلًا: "إنّ العدو الإسرائيلي أعدّ لنفسه مصيرًا مريرًا ومؤلمًا وسوف يناله حتمًا". وأشار قائد الثورة الإسلامية إلى مقتل عدد من القادة والعلماء الإيرانيين في هذا العدوان، معقبًا أنّ "خلفاءهم وزملاءهم سيباشرون مهماتهم فورًا"، مؤكدًا أن مسيرة العمل والجهاد ستستمر من دون توقف.

كما أصدرت وزارة الخارجية الإيرانية بيانًا، مؤكدةً حق إيران القانوني والمشروع في الرد على العدوان. وأكد القائد العام الجديد للحرس الثوري الإيراني، اللواء محمد باكبور، أن القوات المسلحة الإيرانية سترد بقوة على الهجمات الإسرائيلية الأخيرة، متوعدًا بفتح "أبواب جهنم" على الكيان الصهيوني. وفي رسالة وجهها إلى المرشد الأعلى علي خامنئي، تعهد بالانتقام لدمائهم، والدفاع عن سيادة إيران وأمنها القومي، مؤكدًا أن الرد سيكون حاسمًا ومؤلمًا، بدعم من الجيش وكافة أركان القوات المسلحة الإيرانية.

إسرائيل تبرر

في المقابل، زعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن الهجوم الإسرائيلي الذي أطلق عليه اسم "الأسد الصاعد" كان يهدف إلى صد التهديد الإيراني لبقاء إسرائيل"، مضيفًا أن الأمر سيستغرق عدة أيام.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (وكالات)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (وكالات)

وفي لقاء تلفزيوني مسجل، قال نتنياهو: "ضربنا قلب برنامج التخصيب النووي الإيراني. ضربنا قلب برنامج التسلح النووي الإيراني. استهدفنا منشأة التخصيب الرئيسية في نطنز. استهدفنا كبار العلماء النوويين الإيرانيين العاملين على القنبلة الإيرانية. ضربنا أيضًا قلب برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني".

وأصر الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أنه لم يكن متفاجئًا بالضربة، على الرغم من أنه حذر إسرائيل سابقًا من مهاجمة إيران في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة تتفاوض مع إيران.

واضاف ترامب لقناة فوكس نيوز: "لا يمكن لإيران امتلاك قنبلة نووية، ونأمل في العودة إلى طاولة المفاوضات. سنرى. هناك العديد من الشخصيات القيادية التي لن تعود".

ضربات افتتاحية

هكذا أسماها الدكتور رفعت سيد أحمد، الكاتب والباحث والمدير العام لمركز يافا للدراسات والأبحاث بالقاهرة، في حديثة لـ فكر تاني، قائلًا: "هذه ضربات افتتاحية تتوقف على مدى قوة الرد الإيراني؛ إذا كان الرد ضعيفًا ستتوحش إسرائيل وتزيد من ضرباتها التي قد تصل إلى الوصول للقائد الأعلى آية الله خامنئي واغتياله".

رفعت سيد أحمد
رفعت سيد أحمد

ويرى ندير مركز يافا أن دقة الضربات الإسرائيلية تعكس على الأرجح وجود اختراق استخباراتي واسع داخل إيران، إذ لم تقتصر الهجمات على المنشآت النووية فحسب، بل طالت أيضًا عددًا من العلماء النوويين، حيث أفادت تقارير بأن ما بين ستة إلى تسعة علماء قُتلوا، فيما يُعد ضربة قاسية لما يوصف بـ"المعرفة النووية الإيرانية". ويُذكّر هذا التصعيد بسلسلة اغتيالات استهدفت علماء إيرانيين خلال الأعوام الخمسة عشر الماضية، والتي أودت بحياة 13 عالمًا.

قُتل في هذه الهجمات قائد الحرس الثوري اللواء حسين سلامي، ورئيس أركان الجيش اللواء محمد باقري، إلى جانب اثنين من أبرز العلماء، وهما الدكتور فريدون عباسي، الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية (2011–2013)، والذي نجا من محاولة اغتيال في عام 2010، والدكتور محمد مهدي طهرانجي، الفيزيائي النظري المعروف.

أضرار في مواقع الاستهداف بطهران - وكالات
أضرار في مواقع الاستهداف بطهران - وكالات

وقد استهدف هؤلاء القادة، وفق وسائل الإعلام الإيرانية، في منازلهم، فيما أفاد التلفزيون الرسمي الإيراني بمقتل أطفال في غارة جوية واحدة على الأقل، على منطقة سكنية في طهران.

محمد محسن ابو النور
محمد محسن ابو النور

يقول الدكتور محمد محسن أبو النور رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، لـ فكر تاني، إن "هذه الحرب تنقسم حتى الآن إلى 3 مستويات متزامنة: المشروع النووي - تدمير منصات إطلاق الصواريخ - القضاء على كبار مسؤولي النظام بمن فيهم القادة والعلماء، وهذا يعني أن إسرائيل أرادت إحداث خلل بالغ في منظومة القيادة الإيرانية، تمهيدًا لشن المزيد من الضربات الموسعة التي تطال رأس النظام نفسه، بمعنى أن هذه الحرب لا تستهدف تقويض البرنامج النووي بل تستهدف القضاء التدريجي على النظام مع توقعي باستهداف المرشد الإيراني علي خامنئي".

ووفق الدكتور محمد، تشير نجاحات إسرائيل هذه المرة في الوصول السهل إلى قلب طهران وقلب المدن المركزية في الهضبة الفارسية التي طالما تحصنت تاريخيًا ضد العدوان الخارجي، إلى أن تل أبيب لديها القدرة الراهنة على استهداف المرشد وإحداث أكبر الخسائر السريعة والمؤثرة للغاية بالنظام.

انفجارات نطنز

وذكرت تقارير أن انفجارات وقعت في نطنز، وأكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن مصنع التخصيب تعرض للقصف، وهو ما أحدث تسريبًا، قال الجانب الإيراني أنه محدود ومسيطر عليه ولا يؤثر على المنطقة المحيطة، إذ لم يُرصد حتى الآن ارتفاعًا في مستويات الإشعاع في الموقع.

وعن الرد الإيراني، يقول الدكتور رفعت سيد أحمد: "إن الرد الإيراني في ظل وجود الإصلاحيين في الحكم والانقسام الداخلي لا يبشر بخير؛ فوفق الإصلاحيين سيكون الرد ضعيفًا للأسف"، لكنه يتمنى أن ترد إيران ردًا مناسبًا استراتيجيًا مثل استهداف المفاعل النووي الإسرائيلي والمطارات، والذي يراه ردًا طبيعيًا، محذرًا من أن الرد الإيراني لو كان شكليًا ستزيد إسرائيل من ضرباتها وسيراق الدم في شوارع طهران، وستشتعل المنطقة.

جانب من اثار العدوان الصهيوني على طهران - وكالة ارنا الايرانية
جانب من اثار العدوان الصهيوني على طهران - وكالة ارنا الايرانية

ويتفق الدكتور محمد محسن أبو النور مع هذا الطرح، ويقول إن إيران سترد على العمليات العسكرية الإسرائيلية بإطلاق صواريخ واستخدام المسيّرات.

لكنه يشدّد على أن غياب قرار سياسي حاسم من طهران بالإعلان عن امتلاكها للسلاح النووي، وتنفيذ عمليات نوعية داخل تل أبيب، تشمل اغتيالات في صفوف قادة النظام الإسرائيلي، سيُفسَّر كقبول ضمني باستمرار الضربات الإسرائيلية. محذّرًا من أن ذلك قد يقود إلى تقويض النظام الإيراني بشكل كامل، وإخضاعه عسكريًا على غرار ما تعرضت له بلاد أخرى خلال غزوات سابقة شهدت فيها انتكاسات أمام قوى خارجية.

وأعلنت إسرائيل حالة طوارئ وطنية، وحذر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس مواطنيه من توقع هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ من إيران "في المستقبل القريب". بينما أُعلن عن إغلاق جميع المدارس ومعظم أماكن العمل اليوم وحتى إشعار آخر.

كما صرح مسؤول في قوى الأمن الداخلي، للصحفيين، بأن عملية تدمير القدرات النووية والصاروخية الباليستية الإيرانية ستستغرق عدة أيام، وصرح نتنياهو بأن الحملة ستستمر "مهما طال الزمن".

تداعيات الضربات الإسرائيلية على إيران

وقد حذر المحللون والخبراء منذ فترة طويلة من أن الضربات "الإسرائيلية" على القدرات النووية الإيرانية قد تؤدي إلى رد إيراني ضخم وتهدد بتحويل المنطقة إلى حرب شاملة، قد تجر الولايات المتحدة إلى المعركة، رغم ما أعلنته واشنطن حتى الآن من أنها تقف على الحياد بشرط عدم استهداف قواتها في المنطقة. إلا أن ذلك يبقى رهينة الرد الإيراني؛ فالولايات المتحدة هي أقرب حليف لإسرائيل وأكبر مورد للأسلحة لها، وتملك حاليًا حوالي 40 ألف جندي أمريكي في أنحاء الشرق الأوسط، منهم ما يقرب من 4000 جندي في العراق وسوريا.

ويرى رفعت سيد أحمد أن "احتمالية الحرب المفتوحة لا تزال قائمة، وتداعياتها على الإقليم خطيرة"، مشيرًا إلى أن "إيران قد تُقدم على استهداف القواعد الأميركية في البحرين والخليج العربي، كونها تواجه الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل، ما ينذر باشتعال أوسع في منطقة الخليج".

ويؤكد أن "مصر تراقب تطورات الموقف عن كثب، لما يحمله من انعكاسات خطيرة، لا سيما في ما يتعلق بملف التهجير، في ظل تزايد الحديث عن سيناء كوجهة محتملة".

ردود فعل رافضة

وأعربت مصر عن إدانتها للهجمات العسكرية التي شنتها "إسرائيل"، مؤكدةً رفضها للتصعيد الذي يهدد استقرار المنطقة. وفي هذا السياق، أجرى وزير الخارجية بدر عبدالعاطي اتصالًا هاتفيًا بنظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، ناقشا خلاله تطورات الهجوم "الإسرائيلي" على إيران، وانعكاساته الإقليمية، بالإضافة إلى الجهود المبذولة لاحتواء التوتر ودفع مسار التهدئة في الشرق الأوسط.

وأدانت المملكة العربية السعودية، الهجمات الإسرائيلية، ووصفتها بـ"الاعتداءات السافرة" التي تمثل انتهاكًا واضحًا لسيادة إيران وخروجًا صريحًا على القوانين والأعراف الدولية.

وفي هذا السياق، أجرى وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، اتصالًا هاتفيًا بنظيره الإيراني عباس عراقجي، شدد خلاله على رفض المملكة لاستخدام القوة، مؤكدًا أن الهجوم الإسرائيلي يقوّض جهود تهدئة التوترات الإقليمية ويعرقل مساعي خفض التصعيد. وأكد الوزير السعودي في الاتصال أهمية التمسك بالحوار كوسيلة لحل الخلافات، مشددًا على أن المملكة ترفض التصعيد وتدعم استقرار المنطقة عبر الوسائل الدبلوماسية.

وزير الخارجية والهجرة يلتقي بنظيره الإيراني- أرشيفية- فيس بوك
وزير الخارجية والهجرة يلتقي بنظيره الإيراني- أرشيفية- فيسبوك

كما أعربت دولة قطر عن إدانتها للهجمات الإسرائيلية التي استهدفت إيران، مشيرةً إلى أن هذه الاعتداءات من شأنها تقويض المساعي الدبلوماسية الرامية إلى تهدئة الأوضاع في المنطقة.

وفي السياق ذاته، وصف نائب الرئيس التركي، جودت يلماز، العدوان الإسرائيلي بأنه "استفزاز خطير لا يستند إلى أي مبرر قانوني"، مؤكدًا أنه يمثل تهديدًا مباشرًا للاستقرار والسلام الإقليميين.

ودعت كايا كالاس، ممثلة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جميع الأطراف إلى ضبط النفس عقب الضربات الإسرائيلية على إيران، محذّرة من خطورة التصعيد في الشرق الأوسط. وأكدت، عبر منصة "إكس"، أن "الدبلوماسية تظل السبيل الأمثل للتعامل مع الأزمة"، معربة عن استعدادها لدعم أي جهود لخفض التوتر.

ومن جهته، دعا رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا إلى تهدئة الأوضاع، محذرًا من أن استمرار التوتر قد يلقي بظلاله السلبية على الاستقرار الاقتصادي العالمي، لا سيما في قطاع الطاقة.

وأعربت الصين عن معارضتها لأي انتهاك لسيادة إيران ووحدة أراضيها، مؤكدة رفضها لتأجيج الصراعات وتصعيد التوتر في المنطقة، وذلك على خلفية الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، لين جيان، في مؤتمر صحفي، إن بلاده تتابع التطورات عن كثب وتشعر بقلق بالغ إزاء العواقب المحتملة للتصعيد. وأكد لين أن التصعيد المفاجئ لا يخدم مصالح أي طرف، داعيًا جميع المعنيين إلى اتخاذ خطوات تعزز السلام والاستقرار الإقليمي. كما أبدى استعداد بكين للاضطلاع بدور بنّاء في تهدئة الأوضاع.

وانتقدت وزارة الخارجية الروسية الغارات الإسرائيلية على الأراضي الإيرانية، معتبرةً إياها غير مبررة وتشكل انتهاكًا صارخًا لميثاق الأمم المتحدة. وأكدت الوزارة، في بيان رسمي، أن "الضربات العسكرية غير المبررة التي استهدفت دولة عضو ذات سيادة في الأمم المتحدة، بما في ذلك مواطنيها، ومدنها الآمنة، والبنية التحتية المرتبطة بالطاقة النووية، أمرٌ غير مقبول تمامًا".

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة