خفض الفائدة بين إنقاذ “الخاص” وهروب “الساخن”

رغم أن قرار البنك المركزي بخفض معدل الفائدة كان متوقَّعًا لإنعاش القطاع الخاص، الذي يعاني انكماشًا منذ شهور طويلة، فإن نسبة التخفيض، التي وصلت إلى 2.25% دفعةً واحدة، أثارت قلقًا في بعض الأوساط الاقتصادية، خصوصًا بشأن سعر صرف الجنيه أمام الدولار. غير أن هذه المخاوف انحسرت مع “المباركة” الواسعة من رجال الأعمال للقرار.

قررت لجنة السياسة النقدية، في اجتماعها يوم الخميس، خفض سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بمقدار 225 نقطة أساس، ليصل إلى 25% و26% و25.50%، على الترتيب. كما قررت خفض سعر الائتمان والخصم بالمقدار نفسه ليصل إلى 25.50%.

رفع الفائدة.. خطوة جريئة لا تخلو من المغامرة

الخبير الاقتصادي محمد النجار قال إن خفض الفائدة بمقدار 225 نقطة أساس دفعةً واحدة يُعد خطوة جريئة، لكنها تنطوي على قدر من المغامرة، وتُشير إلى وجود أو احتمال وجود عامل مهم، يتمثل في بيع أصول جديدة أو ودائع محتملة، وإلا فإن الجنيه قد يتعرض لتأثيرات سلبية.

الخبير الاقتصادي محمد النجار
الخبير الاقتصادي محمد النجار

وقد بلغت استثمارات الأجانب في أدوات الدين، خلال الأشهر العشرة الأولى التي أعقبت تحرير سعر الصرف في مارس 2024، نحو 35 مليار دولار حتى نهاية يناير الماضي. وتُعد هذه الاستثمارات أموالًا ساخنة، تسعى للاستفادة من أسعار الفائدة المرتفعة التي تطرحها وزارة المالية، والتي تجاوزت في بعض العطاءات حاجز 31%.

ومن جانبه، صرّح وزير المالية أحمد كجوك، في تصريحات صحفية حديثة، بأن الحكومة منفتحة للغاية على أي مبادرات تهدف إلى مبادلة الديون باستثمارات، على غرار صفقة “رأس الحكمة” التي أبرمتها مصر مع دولة الإمارات في العام الماضي.

تحدث المهندس طارق شكري، وكيل لجنة الإسكان بمجلس النواب، عن وجود صفقتين مع قطر، إحداهما في الساحل الشمالي على غرار “رأس الحكمة” لكنها أصغر حجمًا، والثانية في العاصمة الإدارية الجديدة أو على ساحل البحر الأحمر.

تلقت الحكومة عروضًا لتطوير 5 مناطق على ساحل البحر الأحمر، على غرار صفقة رأس الحكمة، لكن رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، قال إن حكومته لا تتعامل بجدية إلا بعد التفاوض وانتهاء الأمور تماما، مضيفًا أن الطرح يأتي في إطار التخطيط لعملية التنمية وتوسيع الاستثمار السياحي وإنشاء كيانات كبرى.

وأضاف النجار أن تخفيض الفائدة قد يزيد احتمالات انسحاب للأجانب من السندات الحكومية وأدوات الدين عمومًا خصوصًا إن تركيا المنافسة رفعت الفائدة 3.5% أي أن الفائدة التركية أصبحت تقترب من ضعف مصر.

كان البنك المركزي التركي، قد رفع سعر الفائدة أخيرًا من 42.5% إلى 46% لمواجهة ارتفاع مستوى التضخم، ومواجهة الاستثمارات المقوّمة بالليرة التركية ضغوط بيع قوية نتيجة التوترات السياسية في البلاد بعد سجن رئيس بلدية اسطنبول المعارض أكرم إمام أوغلو، كما زادت المتاعب أيضًا بعد قرارات الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» بفرض رسوم جمركية على أنقرة بنسبة 25%.

قلق على مستقبل الأموال الساخنة في مصر

محمد الدشناوي الخبير الاقتصادي
محمد الدشناوي الخبير الاقتصادي

التخوف من المال الساخن موجود أيضًا لدى محمد الدشناوي، الخبير الاقتصادي، الذي يقول إن قرار لجنة السياسة النقدية يضعف الجنيه لأن خفض الفائدة يقلل رغبة الأجانب في شراء أذون الخزانة ما يعني انخفاض في كمية العملة الصعبة الواردة لمصر، والتي لو انخفضت أو حدث سحب للأجانب لبعض استثماراتهم سيزيد الطلب على الدولار ويضعف الجنيه، ما قد يؤثر بدوره على التضخم.

وكان الجنيه المصري قد تراجع بشكل كبير بعض قرار دونالد ترامب بفرض الرسوم الجمركية بسبب خروج أموال ساخنة، لكنها عادت بعد تأجيل القرار 90 يومًا، بحسب محمد الأتربي، رئيس البنك الأهلي المصري، الذي قال إن ما بين 80 و90% من الأموال الساخنة التي خرجت مؤقتًا من البنك الأهلي المصري، وبلغت حوالي 750 مليون دولار في الأيام الأولى لفرض قرار ترامب عادت مجددًا.

يضيف الدشناوي أن مصر استقطبت قطاع من المستثمرين الأجانب بسبب الفائدة المرتفعة، وبعد خفض الفائدة من الممكن أن يبحثوا عن دول أخرى تعطى فائدة أعلى مثل تركيا.

رجل يعدّ أوراق الدولار الأمريكي في مكتب صرافة في وسط القاهرة، مصر، 7 مارس/آذار 2017. رويترز/محمد عبد الغني

صغار المودعين.. كبار المتضررين

كما يؤثر القرار – حسب الدشناوي – على صغار المودعين الذين وضعوا أموالهم بالبنوك ويعيشون من عائد الفائدة خاصة أصحاب الشهادات أو الودائع خاصة أصحاب المعاشات، لكن القرار يحمل إيجابيات للقطاع الخاص الذي يمكنه الاقتراض والتوسع.

ويستحوذ القطاع العائلي على 81.9% من إجمالي ودائع البنوك المصرية، بينما تشير تقارير البنك المركزي إلى ارتفاع إجمالي ودائع البنوك بالعملة المحلية إلى 7.369 تريليون جنيه بنهاية نوفمبر 2024، مقابل 6.247 تريليون جنيه بنهاية 2023، بنسبة نمو بلغت 17.96%، وزيادة قدرها 1.121 تريليون جنيه وكان كلمة السر هو القطاع العائلي.

أشار إلى الدولة هي المستفيد الأول باعتبارها المديون الاكبر في الاقتصاد فخفض الفائدة يقلل عليها تكلفة الديون فتخفض العجز أو توجه الصرف لاحتياجات أخرى، فتخفيض الفائدة بـ 2.25% يوفر على الموازنة العامة 92.8 مليار جنيه سنويًا تقريبًا.

الفائدة الحقيقة هي المعيار

بعد قرار البنك المركزي غادت مصر مركزها ضمن أعلى 6 دول تمنح فائدة في العالم التي تضم (زيمبابوي والأرجنتين وفنزويلا وتركيا وغانا)، لكن الباحث والناشط الاقتصادي محمد رمضان يرى أن المعيار الأهم هو الفائدة الحقيقية (الفرض بين الفائدة والتضخم) والتضخم ف مصر 13.6% بينما الفائدة البنكية حوالي 25 أي أن الفائدة الحقيقة لا تزال جيدة خاصة أن تركيا المنافس الإقليمي لمصر يصل فيها التضخم إلى قرابة 40%

ويضيف محمد رمضان أن فكرة الأموال الساخنة ليست جيدة في الأساس ووزارة المالية أعلنت أنها تعلمت الدرس حينما خرجت تلك الأموال في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية لكن لا يزال هناك اعتماد عليها، مضيفا أن حركة تلك الأموال المستقبلية مرهونة بما يحدث في العالم حاليًا من تطورات اقتصادية وقرارات الفيدرالي الأمريكي والصراع بين رئيسه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

بعد قرار البنك المركزي غادت مصر مركزها ضمن أعلى 6 دول تمنح فائدة في العالم (زيمبابوي والأرجنتين وفنزويلا وتركيا وغانا)، لكن بعض الخبراء يقولون إن الفائدة بمصر مازالت مغرية فالمعيار الأساسي هو الفائدة الحقيقية (الفرض بين الفائدة والتضخم) التي نصل في مصر إلى 13% بينما تعاني كل الدول التي تمنح فائدة مرتفعة أخرى من تضخم مفرط مثل تركيا التي يصل فيها التضخم إلى قرابة 40%.

ويقول مسؤول بالمركزي إنه لا توجد أية مخاوف على الأموال الساخنة في مصر فالعائد بمصر لا يزال مرتفعًا كما أن قطاع كبير من استثمارات الأجانب حاليًا في أدوات الدين تزيد على 6 أشهر، أي لن يتأثر بانخفاض الفائدة، مضيفًا أن التيسير النقدي (خفض الفائدة) مهم حاليًا بعد تراجع التضخم من أجل تشجيع القطاع الخاص على التوسع والنمو والتشغيل.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة