غزة تحت القصف: هل نلوم الضحية!

منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، تتكرّر محاولات اختزال المأساة في وجود حركة "حماس"، وكأن كل ما يجري من قتل وتدمير وتشريد هو نتيجة حتمية لسياسات هذا الفصيل. غير أن هذا الخطاب، الذي يروج له البعض، محليًا ودوليًا، يتجاهل عمق القضية وجذورها الممتدة منذ أكثر من سبعة عقود.

ليس هذا المقال دفاعًا عن "حماس"، وإنما عن الحقيقة، وشعبٍ تُرتكب في حقه واحدة من أبشع المجازر في التاريخ الحديث. ولأن اختزال ما يجري في غزة بأنه "صراع مع حماس"، يضرب بعرض الحائط الواقع المركّب، ويغفل أن الاحتلال لا يحتاج إلى مبررات ليبطش.

ما قبل السابع من أكتوبر

قبل الحرب الأخيرة، كانت غزة تعاني حصارًا إسرائيليًا خانقًا، فُرض منذ عام 2007، وحوّل القطاع إلى أكبر سجن مفتوح في العالم.

آثار غارة جوية إسرائيلية على خان يونس يوم الأحد. تصوير: هيثم عماد/EPA

أكثر من مليوني إنسان يعيشون في ظروف إنسانية قاسية: بنية تحتية مدمرة، وانقطاع دائم للكهرباء، ونقص حاد في المياه والدواء، وبطالة تتجاوز 45%. وبحسب تقارير الأمم المتحدة، فإن نحو 80% من سكان القطاع يعتمدون على المساعدات الإنسانية.

العدوان لا يقتصر على غزة.. ولا الأزمة في حماس

من المهم التذكير بأن الضفة الغربية، الخاضعة للسلطة الفلسطينية وليس لحماس، تتعرض بدورها لانتهاكات إسرائيلية متواصلة؛ فقد استُشهد ما يقرب من 1000 فلسطيني هناك منذ أكتوبر، في ظل تصاعد الاقتحامات، وتوسيع الاستيطان، والاعتداءات اليومية من قبل الجيش والمستوطنين.

ولا يتوقف الأمر عند الأراضي الفلسطينية؛ فإسرائيل تنفذ ضربات جوية في سوريا ولبنان والعراق، وتستهدف شخصيات ومواقع لا علاقة لها بحماس، ما يؤكد أن المشكلة ليست في تنظيم معين، بل في النهج الإسرائيلي الذي يرفض أي مقاومة أو حتى وجود فلسطيني مستقل.

المقاومة: حق مشروع لا يُختزل

بموجب القانون الدولي، يحق للشعوب الواقعة تحت الاحتلال أن تقاومه. هذا الحق لا يرتبط بفصيل معين ولا يُمنح أو يُمنع بإرادة المحتل. وبالتالي، فإن اختزال المقاومة في حماس فقط هو تجاهل لتاريخ طويل من النضال الفلسطيني، شاركت فيه قوى وطنية ويسارية وإسلامية، إلى جانب حركات مدنية وشعبية.

كما أن تبرير العدوان بوجود مقاومة هو قلبٌ للوقائع؛ فالمقاومة لم تكن هي السبب في النكبة عام 1948، ولا في الاحتلال المستمر للضفة الغربية والقدس الشرقية منذ عام 1967، ولا في تهجير ملايين الفلسطينيين حتى اليوم.

الاحتلال أصل الحكاية

لا يمكن الحديث عن الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي دون الرجوع إلى جذوره. إسرائيل، منذ تأسيسها عام 1948، قامت على تهجير أكثر من 750 ألف فلسطيني من مدنهم وقراهم. ومنذ ذلك الحين، يعيش الشعب الفلسطيني تحت احتلال مباشر أو غير مباشر، سواء في الضفة الغربية أو في غزة أو في الشتات.

وبحسب الإحصاءات الفلسطينية، تجاوز عدد شهداء الشعب الفلسطيني منذ عام 1948 أكثر من 100 ألف شهيد، فيما تعرّض مئات الآلاف للاعتقال والتهجير القسري.

الحقيقة لا تبرر القتل

ما يجري في غزة ليس مجرد صراع بين دولتين، ولا معركة مع تنظيم مسلح، بل هو نتيجة استعمار استيطاني قائم على الاحتلال والتمييز والعقاب الجماعي. تحميل "حماس" مسؤولية الحرب، وحدها، دون الإشارة إلى السياق التاريخي والسياسي للاحتلال، هو تبرير غير مباشر للعدوان، وتشويه للحقائق.

إن وقف هذه المأساة يبدأ أولًا من الاعتراف بأن الاحتلال هو أصل المشكلة، وأن مقاومته ليست جريمة، بل حق أصيل لكل شعب ينشد الحرية.

إن كان هناك طريق للسلام، فلن يمر عبر التجاهل والتبرير، بل عبر إنهاء الاحتلال، والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني كاملةً، وفي مقدمتها حقه في الحرية والكرامة.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة