كثير من البشر وقليل من الشراء..لماذا الركود التضخمي هو الأسوأ للمصريين؟

"في المولات التجارية الكبرى، كثير من البشر وقليل من الشراء.. في سوق السيارات، تخفيضات وصلت إلى 240 ألف جنيه على بعض الماركات لتحريك المبيعات.. في قطاع العقارات، مكالمات عشوائية ليل نهار تطارد المصريين من أجل الشراء." تشير هذه المعطيات مجتمعة إلى بوادر لما يسمى بالركود التضخمي.

الركود التضخمي حالة غير مرغوبة يعاني فيها الاقتصاد من الركود والتضخم معًا، حيث يتباطأ النمو الاقتصادي بينما ترتفع أسعار السلع والخدمات. تكمن مشكلته في صعوبة معالجته، إذ يشبه مريضًا يعاني من السكري وارتفاع ضغط الدم في آن واحد؛ فمحاولة التعامل مع أحدهما قد تؤدي إلى تفاقم الآخر.

أعلن سبعة من وكلاء العلامات التجارية عن خصومات نقدية وتخفيضات على أسعار عدد من الطرازات الصينية واليابانية والفرنسية، بمبالغ تتراوح بين 90 و240 ألف جنيه، لكنها لا تزال فوق مستوى 1.25 مليون جنيه، وهو سعر يتجاوز قدرات الغالبية العظمى من الراغبين في الشراء.

في سوق العقارات، يشكو غالبية المواطنين حاليًا من مكالمات وعروض شركات التسويق المستمرة على وحدات سكنية تتجاوز المليون جنيه أيضًا، بجانب عروض للتقسيط وصلت إلى 13 عامًا من أجل تحريك القوى الشرائية الراكدة، وضغوط مستمرة على القطاع المصرفي لتمويل الوحدات قيد الإنشاء.

أما سوق الأجهزة الكهربائية فشهد تراجعًا في المبيعات على الأجهزة غير الأساسية مثل القلايات الكهربائية والميكروويف وغسالات الأطباق على مدار العامين الماضيين مع ارتفاع أسعارها تأثرًا بأسعار الدولار، ما دفع مصنعوها لتسويق منتجاتهم غير الأساسية في الخارج.

تشير بيانات الغرف التجارية إلى تراجع أيضًا في عدد قطع الملابس التي تم بيعها في الموسم الشتوي بنسبة 20%، بسبب الحالة الاقتصادية لقطاعات من المواطنين، لكن هناك زيادة في قيمة المبيعات بنسبة تتراوح بين 10 و15%، بسبب ارتفاع أسعار الملابس.

بوادر ركود أم سوق تسعير

رمزي الجرم
رمزي الجرم

يقول الدكتور رمزي الجرم، الخبير المصرفي، إن بوادر ركود شديد بدأت تلوح في الأفق، وتظهر في انخفاض ملحوظ في أسعار السيارات، مما قد يُلقي بظلاله على انخفاض أكبر في أسعار الأصول المالية الأخرى.

وأضاف: "ربما نشهد حالة من حالات الركود التضخمي، التي تتزامن مع انخفاض في قيمة الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع معدلات البطالة. وحتى مع انخفاض أسعار الأصول المالية، فإنها تظل خارج متناول الغالبية العظمى من المجتمع".

وأشار إلى أن التخفيضات في سوق السيارات أصبحت كبيرة إلى حد غير مسبوق، ما لا يدل فقط على حالة الركود وشدة المنافسة، بل يكشف أيضًا عن خلل في التسعير منذ البداية، ويدل على التخبط في سوق السيارات وهوامش الربح المبالغ فيها، التي عجزت التوكيلات عن تحقيقها، واضطرت إلى خفض الأسعار بالشكل الملحوظ مؤخرًا.

تراجع المبيعات يؤثر على الجميع حتى السوبر ماركت

أحمد أنور، مدير مركز الرؤية للاستشارات، يقول إن المحلات تعاني من انخفاض المبيعات، وارتفاع أسعار السلع، وارتفاع التكاليف والمصاريف، والركود قد يكون متوقعًا في قطاعات مثل الأجهزة الكهربائية والمحمول والملابس والكماليات، لكن وصل للسلع الأساسية والسوبر ماركت، فحجم العملاء انخفض بقوة ومشتريات الأسرة المصرية في الحد الأدنى.

أحمد أنور مؤسس مركز الرؤية للاستشارات
أحمد أنور مؤسس مركز الرؤية للاستشارات

ووفق البيانات الصادرة عن مجلس معلومات سوق السيارات في مصر "أميك"، فقد تراجعت مبيعات السيارات الأوروبية في السوق المصرية خلال الفترة من يناير وحتى شهر نوفمبر 2024، بنسبة 24% بعدما تم بيع نحو 7134 وحدة مقارنة بنحو 9392 وحدة خلال نفس الفترة من العام 2023.

أضاف أنور أن الكل يشتكي من ضعف القوي الشرائية التي انخفضت بسبب نقص السيولة مع الأفراد ما جعل الأسرة المصرية تتقشف وتستغني عن شراء سلع كثيرة وتدريجياً الركود يتحرك على الأسواق بالكامل، مطالبًا بخطة لمعالجة هذا الوضع غير المرغوب.

اضطرت الأسر المصرية إلى إعادة ترتيب أولوياتها وتقليص نفقاتهم على الغذاء والدواء والتعليم، والتضحية بالكثير من احتياجاتها الأساسية، كما أبدعت في البحث عن حلول للتكيف مع هذه الأزمة، فمنهم من لجأ إلى تقليل الاستهلاك، والبحث عن بدائل أرخص، ومنهم من حاول زيادة دخله من خلال العمل الإضافي أو المشروعات الصغيرة.

قال أنور إن مشتريات المصريين للذهب انخفضت 16% في أول تسع شهور من عام ٢٠٢٤ ما يعني أن الطبقة التي لديها الإمكانية على الادخار والتحوط تواجه انخفاض في السيولة الفائضة، وكذلك بمجال الأجهزة الكهربائية انخفض معدل الاستيراد بقوة ونفس المثال على قطاع السيارات والملابس، وفي القطاع العقاري تعطي الشركات العقارية تسهيلات أطول لتحريك المياه الراكدة في مبيعات العقارات.

للمرة الأولى، تشهد مصر  أنظمة تقسيط تمتد حتى 13 سنة. ويعكس هذا التطور رغبة  لدى المطورين العقاريين، الذين يواجهون تحديات متزايدة في تحقيق المبيعات بسبب ارتفاع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة في سوق العقارات.

بحسب أنور، فإن أول خطوة في علاج الركود هي تأجيل أي ارتفاع جديد في سعر المحروقات "البنزين والسولار"، وكذلك خدمات الكهرباء والغاز والمياه والرسوم الحكومية، وتقديم تسهيلات ضريبية للمصانع والسيطرة على الدولار في حدود الخمسين جنيه ومواجهة الاحتكار بكل قوة وحزم.

من المقرر أن تعقد لجنة التسعير التلقائي للمواد البترولية اجتماعها قبل الأسبوع الأخير من شهر أبريل القادم لمراجعة وتحديد أسعار بيع المنتجات البترولية، وسيكون في أول اجتماع لها منذ أكتوبر 2024، حينما قررت حينها رفع أسعار البنزين بأنواعه والسولار بنسب تراوحت بين 7% و17%.

لماذا الركود التضخمي هو الأسوأ؟

الدكتور هاني توفيق، الخبير الاقتصادي ورئيس الجمعية المصرية للاستثمار المباشر سابقًا
الدكتور هاني توفيق، الخبير الاقتصادي ورئيس الجمعية المصرية للاستثمار المباشر سابقًا

يؤكد هاني توفيق، الخبير المالي، أن الركود التضخمي يعد أسوأ أنواع التضخم، إذ لا يمكن معالجته عبر سعر الفائدة وحده، سواء بالرفع لخفض التضخم أو بالخفض لتحفيز الاستثمار، وإنما يتطلب مجموعة من السياسات المالية والنقدية، بالإضافة إلى فترة طويلة من العلاج والمعاناة.

فإذا اقترن التضخم بارتفاع معدلات البطالة وانخفاض التشغيل والقوة الشرائية، فإنه يتحول إلى ركود تضخمي، حيث لا يكون التضخم ناتجًا عن وفرة السيولة وندرة السلع، بل عن توفر السلع بأسعار مرتفعة نتيجة ارتفاع التكلفة، في ظل غياب القوة الشرائية، ما يؤدي إلى ركود الأسواق.

من الناحية الأكاديمية والفنية، فإن معالجة التضخم تتعارض مع أسلوب علاج الركود، مما يجعل الركود التضخمي واحدًا من أسوأ الظواهر الاقتصادية وأكثرها صعوبة في التعامل، كما أنه نادر الحدوث. ويعد هذا المصطلح مصدر قلق للمواطنين والحكومات في أي دولة، إذ يعكس تباطؤًا في الإنتاج والطلب، وفي الوقت ذاته، يعني استمرار ارتفاع الأسعار.

ما العمل؟

بحسب هاني توفيق، فإن المستهلك عليه المسارعة بشراء كل ما يحتاجه، فرغم من الأسعار المرتفعة إلا أن أسعار غالبية السلع والخدمات تظل مرشحة للزيادة، لذا فإن بقاء الأموال في حالة سلع (تحتاجها) أفضل من بقائها سائلة.

كما أنه بشراء المزيد من السلع يساعد المستهلك على كسر دائرة الركود، ورغم أنها قد تزيد التضخم إلا أن الأخير في ظل الرواج أقل وطأة منه كثيرًا في ظل الكساد، وعلى المستثمر والمستهلك أن يستوعبا تمامًا دلالة الركود التضخمي وكيفية التعامل معه حتى لا يتبدد ما سبق جمعه من أموال.

الحكومة: لا يوجد ركود تضخمي

في المقابل، قال مسؤول بوزارة المالية إن الاقتصاد المصري بعيد تماما عن الركود التضخمي خاصة في ظل تسجيل معدل نمو 3.5% خلال الربع الأول من العام المالي  2024-2025 بفضل تحسن عدة قطاعات أبرزها الصناعات التحويلية.

وأضاف أن التوقعات تشير إلى ارتفاع معدل نمو الاقتصاد المصري إلى 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي المقبل (2025-2026)، بعد أن يصل خلال العام المالي الحالي 4% من إجمالي الناتج المحلي، رغم التحديات الناتجة عن السياسات التجارية الحمائية العالمية.

وأشار إلى أن معدل البطالة بمصر تراجع إلى 6.4% خلال الربع الرابع لعام 2024، بانخفاض 0.3% ما يلغي فكرة الركود التضخمي فالاقتصاد ينمو والبطالة تتراجع والتضخم تراجع من مستوى 24% في فبراير 2024 إلى 12.8% في فبراير 2025.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة