مستقبل غزة بين الحرب والتسوية.. تعقيدات المشهد ومواقف الفاعلين

وسط تعقيدات المشهد السياسي في غزة، وعدم وضوح أفق جاد للتسوية، يناقش خبراء من "المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية ISPI" مستقبل القطاع في ظل استمرار العمليات العسكرية والمبادرات الدبلوماسية، وخاصة القمة العربية التي عُقدت في القاهرة في 4 مارس.

يستعرض الخبراء أسباب استمرار الحرب، والاستراتيجية التي يعتمدها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للبقاء في السلطة، إلى جانب تحليل المبادرة العربية لإعمار غزة، ومدى ارتباط نجاحها بموقف الإدارة الأمريكية المقبلة. كما يتناول النقاش دور مصر والسعودية في أي تسوية محتملة، وتأثير العلاقات الأمريكية الإسرائيلية على مجريات الصراع.

نتنياهو غير معني بإنهاء الحرب

يرى الباحث روعي كيبريك، مدير الأبحاث في معهد "ميتفيم"، أن خطة وقف إطلاق النار الجديدة تعكس استراتيجية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وليس أي جهة أخرى. ويؤكد أن نتنياهو غير معني بإنهاء الحرب، حيث تحكمه اعتبارات شخصية أكثر من كونها مرتبطة بأمن إسرائيل أو مصالح مواطنيها.

ويوضح كيبريك أن استمرار القتال يساعد نتنياهو في الحفاظ على تحالفه الحكومي، وتجنب تشكيل لجنة تحقيق، واحتواء الانتقادات الداخلية، فضلًا عن سهولة تصوير المعارضة كخائنة. كما أن استمرار احتجاز الرهائن الإسرائيليين وبقاء حركة حماس في السلطة يخدمان استراتيجيته، مما يدفعه إلى المماطلة في التوصل إلى تسوية حقيقية، وعدم تقديم بديل واضح لحكم حماس في غزة.

ويرى كيبريك أن هذا يفسر رفض نتنياهو تبني خطة الرئيس الأمريكي جو بايدن، وسعيه لإفشال جميع الجهود السابقة للإفراج عن الرهائن أو الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق الحالي. وبدلًا من ذلك، اختار نتنياهو تبني المقترح الأمريكي بتمديد المرحلة الأولى، لأنه يمنحه هامشًا زمنيًا إضافيًا، سواء وافقت حماس أو رفضت. وبالتالي، فإن هذه الخطة يجب فهمها على أنها خطة نتنياهو بالدرجة الأولى.

مدير الأبحاث في ميتفيم. وهو حاصل على درجتي البكالوريوس (العلوم السياسية والتاريخ) والماجستير (النظرية السياسية) من جامعة حيفا، وحصل على درجة الدكتوراه (العلاقات الدولية، تحت إشراف البروفيسور بيكي إيش شالوم) من الجامعة العبرية في القدس.

ترمب يمسك بمفاتيح نجاح خطة غزة العربية

ترى تمارا خروب، نائبة المدير التنفيذي في المركز العربي بواشنطن، أن خطة مصر لإعمار غزة، المدعومة عربيًا، تمثل بديلاً واضحًا لمشروع ترمب المثير للجدل، وتطرح خارطة طريق بقيمة 53 مليار دولار تشمل الإغاثة، إعادة الإعمار، والإدارة. ورغم أن الخطة تعكس توافقًا عربيًا ضد تهجير الفلسطينيين، وتؤكد على حكم فلسطيني ذاتي، إلا أن غياب الالتزامات الدولية والدعم الأمريكي يجعلها بلا جدوى فعلية.

وتنص الخطة على تشكيل حكومة تكنوقراط انتقالية تمهيدًا لعودة السلطة الفلسطينية، وهو طرح يتماشى مع الإجماع الدولي، لكنه يواجه رفضًا حادًا من إسرائيل والولايات المتحدة. كما أن تعطيل اتفاق وقف إطلاق النار، إلى جانب التهديدات المستمرة لغزة، يعرّض فرص تنفيذ الخطة للخطر.

وترى خروب أن نجاح المبادرة يتوقف على مدى استعداد ترمب للتفاعل مع القادة العرب، والضغط على نتنياهو لقبول وقف دائم لإطلاق النار. لكن الواقع يؤكد أن تحقيق سلام مستدام لا يمكن أن يتم إلا عبر حل سياسي ينهي الحصار والاحتلال، ويضمن للفلسطينيين حق تقرير المصير.

نائبة المدير التنفيذي وزميلة بارزة في المركز العربي بواشنطن العاصمة. تركز أبحاثها على تقاطع التكنولوجيا وحقوق الإنسان والديمقراطية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

ترمب واثق من قبول مصر والسعودية بحملة إسرائيلية دائمة

يرى ماريو ديل بيرو، الباحث في معهد ISPI وأستاذ العلوم السياسية في "ساينس بو"، أن التقارب بين اليمين الأمريكي واليمين الإسرائيلي خلال العقدين الماضيين بات وثيقًا لدرجة أنه أصبح أشبه بعلاقة "خاصة" تؤثر بعمق على سياسات إدارة ترمب.

ورغم أن الاتفاق الحالي لم يسِر وفقًا لخطة نتنياهو، خصوصًا فيما يتعلق بالمرحلة الأولى، إلا أنه لا يزال يفرض شروطه ويؤجل الانتقال إلى المرحلة الثانية.

وفي المقابل، يتماشى ترمب مع هذه الرؤية، مقتنعًا بأن الحل الوحيد في غزة والضفة الغربية هو حملة قمع إسرائيلية دائمة، ويعتقد أن الحلفاء الإقليميين، وخاصة مصر والسعودية، سيقبلون بها في النهاية نظرًا لاعتمادهم الاقتصادي والعسكري على الولايات المتحدة.

ماريو ديل بيرو أستاذ التاريخ الدولي في معهد العلوم السياسية في باريس، حيث يدرس دورات عن الولايات المتحدة في العالم والحرب الباردة والتاريخ العالمي في القرنين العشرين والحادي والعشرين. ومن بين أحدث منشوراته كتاب Libertà e Impero.

المساعدات الإنسانية حق لا يمكن منعه

ترى ميشيل بيس، أستاذة الدراسات العالمية في جامعة روسكيلد، أن قرار إسرائيل بقطع المساعدات الحيوية عن غزة يزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية لنحو 2.4 مليون فلسطيني، محولةً المساعدات إلى أداة ضغط سياسي على حماس.

وبحسب القانون الدولي، خاصة اتفاقية جنيف الرابعة، تلتزم جميع الأطراف المسلحة بحماية المدنيين وضمان وصول الإغاثة إليهم. ويشكل تقييد المساعدات انتهاكًا لهذه المبادئ، مما يفاقم معاناة السكان.

في الوقت ذاته، وبينما يجتمع القادة العرب في القاهرة لمناقشة أزمة غزة، سارعت الولايات المتحدة إلى تسليم مساعدات عسكرية بقيمة 4 مليارات دولار لإسرائيل، ما يبرز الحاجة الملحة للتوصل إلى توافق بشأن مستقبل القطاع.

ومع اقتراب انتهاء المرحلة الأولى من الاتفاق، تهدد الخلافات العميقة بين إسرائيل وحماس استمراره. فبينما تصر الحركة على وقفٍ شاملٍ ودائمٍ لإطلاق النار وانسحابٍ كاملٍ للقوات الإسرائيلية، تسعى إسرائيل لتمديد المرحلة الأولى لضمان إطلاق سراح مزيد من الرهائن، مع الإبقاء على خيار استئناف القتال إذا لم يتم نزع سلاح حماس.

أستاذة الدراسات العالمية بجامعة روسكيلد (RUC) في الدنمارك، يتركز بحثها وتدريسها على التقاطعات بين دراسات أوروبا، ودراسات الشرق الأوسط، ودراسات الهجرة، والتحول الديمقراطي، ودراسات الصراع. تهتم بمراقبة الأحداث العالمية من منظور متعدد التخصصات، فبالرغم من خلفيتها الأكاديمية في العلوم السياسية، تستمتع باستكشاف التداخل بين نظريات العلاقات الدولية، والمقاربات السوسيولوجية، والرؤى الأنثروبولوجية والإثنوغرافية، إضافةً إلى توظيف مناهج بحثية أخرى، مثل علم النفس السياسي.

ورقة حماس الأخيرة: الرهائن

يرى يواس فاجيماكرز، الأستاذ المشارك في الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة أوتريخت، أن حماس وإسرائيل تسعيان إلى أهداف متناقضة في الهدنة؛ فبينما تطالب حماس بانسحاب إسرائيلي كامل من غزة، تصرّ إسرائيل على الاحتفاظ بوجود عسكري للقضاء على الحركة.

حماس تسعى إلى الانتقال للمرحلة الثانية من الاتفاق، التي تتضمن انسحاب إسرائيل، في حين تبدي تل أبيب ترددًا واضحًا. ومع امتلاك حماس لورقة واحدة فقط – الرهائن – فمن المرجح أن تتمسك بها حتى تحصل على ضمانات بتنفيذ المرحلة الثانية. كما قد تلجأ إلى الضغط عبر مصر وقطر لحثّ إسرائيل على الالتزام بالاتفاق.

أستاذ مشارك في الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة أوتريخت، ومدير المدرسة الهولندية البينجامعية للدراسات الإسلامية (NISIS). أركز في أبحاثي على التاريخ الفكري للإسلام المعاصر في العالم العربي الحديث، مع اهتمام خاص بالفكر السياسي لدى الحركات الإسلامية.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة