في لحظات الأزمات الكبرى، لا يكون الانتصار مجرد صمود أمام التحديات الخارجية، بل في قدرة الأمة على توحيد صفوفها ورأب التصدعات المتراكمة بين مكونات المجتمع، فقوة الدول لا تأتي من صلابة القبضة، بل من عمق التلاحم بين الحاكم والمحكوم واستعادة الثقة بين الدولة وأبنائها.
فاليوم مصر في لحظة فارقة، لحظة تتطلب الحكمة والشجاعة في اتخاذ القرار، وفي هذه اللحظة يبرز ملف العفو عن المحبوسين على خلفية قضايا سياسية، وعلى رأسهم علاء عبد الفتاح ومحمد عادل ومحمد أكسجين، وعدد كبير من الزملاء لا تتسع المساحة لحصرهم، وكخطوة قد تحمل في طياتها الكثير سيكون البدء في مرحلة جديدة هو رسالة وموقف وإعلان عن بداية جديدة.
علاء عبد الفتاح اليوم، هو فرصة لتقديم هذه الرسالة، فرصة يجب ألا تضيع، فالعفو شجاعة، والحكمة أن تُؤخذ الفرص حين تكون متاحة، لا حين تضيع.
طالع ملف : ليلى سويف .. الأمومة لا تُهزم ولا تُختبر اضغط هنا
هذا وقته
قد يسأل البعض: أليس هذا التوقيت غير مناسب؟ ألسنا في خضم أزمات إقليمية تهدد الأمن القومي؟ هل من الحكمة أن نفتح هذا الملف الآن؟
لكن الحقيقة أن هذه الأزمات ذاتها تجعل هذه اللحظة هي اللحظة المثلى لمثل هذه القرارات، فنحن في حاجة إلى اصطفاف داخلي وإلى رأب الصدع بين الدولة وقطاعات واسعة من الشباب والمثقفين والمعارضين الذين لم يحملوا سلاحًا، بل حملوا قناعات وأفكارًا قد تتفق معها السلطة أو تختلف، لكنها في النهاية أفكار، وليست جرائم.

وفي السنوات القليلة الماضية كان هناك رسائل إيجابية عن أهمية "لمّ الشمل" و"توحيد الجبهة الداخلية"، فلماذا لا يتم ترجمة هذه الرسائل إلى أفعال ملموسة؟ لماذا لا تكون هناك خطوة جريئة تثبت أن المصالحة الوطنية ليست مجرد شعار، بل رؤية حقيقية لمستقبل أكثر استقرارًا؟
علاء عبد الفتاح: القضية التي تتجاوز الفرد…
علاء ليس مجرد اسم في قائمة طويلة من المعتقلين، بل هو رمز لقضية أعمق تتعلق بمستقبل الحريات في مصر، قد يختلف البعض معه، قد يرى آخرون أنه كان حادًا في مواقفه، لكن في نهاية المطاف، هو مواطن مصري، لم يدعُ إلى العنف، ولم يتورط في إرهاب، بل عبر عن رأيه كما فعل كثيرون.
فأسرة أحمد سيف وليلى سويف ليست مجرد عائلة عادية، بل هي هي عائلة تحمل رمزية كبيرة ومكانة راسخة في الأوساط السياسية والحقوقية والثقافية المصرية والدولية، فقد ظلوا دائمًا رمزًا للصمود والتشبث بالمبادئ المجردة ولا تثنيهم التضحيات، يحملون إرثًا ثقيلًا من الدفاع عن الحرية والكرامة.

وإضراب د. ليلى ليس مجرد خطوة احتجاجية، بل هو النداء الأخير الذي تلجأ إليه بعد أن استنفدت كل الوسائل والمناشدات، في محاولة لاستعادة حرية ابنها علاء.
لذلك، فإن وقوع أي مكروه لها – لا قدر الله – لن يكون مجرد مأساة شخصية، بل صدمة قاسية ستلقي بظلالها الثقيلة على أوساط عديدة، موجة كبيرة من الإحباط والانكسار والكآبة على قلوب عدة أجيال، ليس فقط بين محبيها، بل بين كل مؤيدو الحرية والديمقراطية حول العالم، وجرحًا لا يندمل في نفوس الآلاف.
وقد شهدنا على مدار السنوات الماضية قرارات عفو عديدة، خرج فيها المئات، ولم تنهار الدولة، ولم تشتعل الفوضى، ولم تحدث الكوارث التي يخوفنا بها البعض كلما طُرح هذا الملف.
بل على العكس، مع قوائم العفو المحدودة كان هناك تنفس وكان هناك إحساس بأن الدولة تسمع، وإن على استحياء، كما شارك الكثيرون من المفرج عنهم في الحوار الوطني أو الانتخابات النقابيّة والبرلمانية أو غيرها من المسارات الإصلاحية الهادئة.
ليس تنازلًا
سيقول البعض: لماذا على السلطة أن تقدم تنازلات؟ والإجابة هنا واضحة: العفو ليس تنازلًا، بل استثمار في وحدة الداخل، وفي استعادة الثقة وبناء جسر جديد بين النظام وقطاعات ظلت لسنوات تشعر بأنها مُستبعدة ومُهمشة.
الحقيقة أن هذه الأزمات ذاتها تجعل هذه اللحظة هي اللحظة المثلى لمثل هذه القرارات، فنحن في حاجة إلى اصطفاف داخلي وإلى رأب الصدع بين الدولة وقطاعات واسعة من الشباب والمثقفين والمعارضين الذين لم يحملوا سلاحًا، بل حملوا قناعات وأفكارًا قد تتفق معها السلطة أو تختلف، لكنها في النهاية أفكار، وليست جرائم
فلا يمكن بناء وطن على الشعور بالخوف والاغتراب الداخلي، والأهم أن العفو لا يعني التخلي عن ثوابت الدولة، بل يعني امتلاك الشجاعة لرسم طريق جديد، أكثر مرونة، أكثر استيعابًا للاختلاف، وأكثر إدراكًا لما هو أكثر أهمية في هذه اللحظة الحرجة.
إذا كنا جميعًا نؤمن بأن الأمن القومي يبدأ من الداخل، فإن توحيد الصفوف لن يكون بالكلمات وحدها، بل بخطوات تعيد ثقة قطاع كبير في أن دولتهم قادرة على احتوائهم، وليس فقط معاقبتهم.
وعلاء عبد الفتاح اليوم، هو فرصة لتقديم هذه الرسالة، فرصة يجب ألا تضيع، فالعفو شجاعة، والحكمة أن تُؤخذ الفرص حين تكون متاحة، لا حين تضيع.