عند ترامب غزة بشيكل وكل العرب ببلاش.. فهل يصطدم بممانعة حقيقية؟

في لقائه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض، الثلاثاء، وجد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني نفسه في موقف صعب، يجسد نظرة ترامب المتغطرسة التي ترى غزة لا تساوى أكثر من شيكل يلقيه فيحتلها مستكملًا ما بدأته إسرائيل من إبادة جماعية أفنت عشرات الآلاف من الفلسطينيين، بينما العرب لديه بـ"بلاش" يحركهم كيفما يشاء، ليقبلوا بالمشاركة في إنهاء القضية الفلسطينية والإضرار بأمنهم الإقليمي خوفًا من الغضبة الأمريكية.

هذه الغطرسة الأمريكية - والتي لطالما مورست في القاعات المغلقة - هي الآن علنية تتحدى منطقة الشرق الأوسط، بينما يواجهها العرب بممانعة صامدة، خاصة من مصر والأردن، لكنها تفرض أيضًا سؤالًا جادًا: هل يتوحد العرب إدراكًا للخطر الأمريكي الصهيوني القادم؟ وهل يدعمون مصر والأردن اللتين تواجهان أزمة اقتصادية عنيفة، يسعى ترامب لاستغلالها فرضًا لرؤيته الإسرائيلية.

مجموع الشهداء في غزة 48 ألفًا و219 شهيدًا بينهم 17 ألفًا و881 طفلًا و12 ألفًا و298 من النساء، وألفين و421 مسنًا وألفًا و68 من الطواقم الطبية و204 من الصحفيين. (المصدر: الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني)

الموقف الصعب.. ما تداركه ملك الأردن في تصريحاته

في البيت الأبيض، كانت تصريحات الملك عبد الله حساسة للغاية لا تقبل دبلوماسية، لم يلتزمها ترامب الذي قال للصحفيين في حضور الملك، إنه "لا بديل أمام الفلسطينيين سوى الخروج من غزة، وإنه ستكون هناك قطعة من الأرض في الأردن ومصر، ومكان آخر. بعد أن ننتهي من هذه المحادثات سيكون هناك مكان يعيش فيه الفلسطينيون بسلام... إذا أتيح لهم المجال (للخروج من غزة) فلن يمكث 1% هناك".

هذا الحديث، الذي أكد المراقبون منافاته للقانون الدولي وأدانه خبراء الأمم المتحدة، رد عليه الملك عبد الله الثاني -خلال المؤتمر الصحفي- بأن المملكة ستأخذ 2000 طفل من قطاع غزة من الذين يعانون من أمراض، بما في ذلك السرطان، إلى بلاده "في أسرع وقت ممكن"، وهو ما وصفه ترامب بأنه "رائع".

بينما أوضح العاهل الأردني أن العرب سوف يقدمون ردًا على مقترحه، مُشيرًا إلى أنه يعتزم إجراء مشاورات في السعودية في هذا الشأن، وأنه "يتعين علينا أن نضع في الاعتبار كيفية تحقيق هذا الأمر بما يخدم مصلحة الجميع"، مشيرًا إلى أنه "علينا أن ننتظر لنرى خطة من مصر بشأن قطاع غزة".

حديث نظر إليه البعض باعتباره تخليًا عن الموقف المشترك مع مصر، المتمسكة برفض تهجير الفلسطينيين، وإلقاء للكرة في ملعب القاهرة، قبل أن يتداركه الملك بتغريدات متتالية عبر "إكس"، أكد فيها على "موقف بلاده الثابت ضد تهجير الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية".

وأضاف: "أعدت التأكيد على موقف الأردن الثابت ضد التهجير للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية. وهذا هو الموقف العربي الموحد. يجب أن تكون أولوية الجميع إعادة إعمار غزة دون تهجير أهلها، والتعامل مع الوضع الإنساني الصعب في القطاع". مشددًا على أن "مصلحة الأردن واستقراره، وحماية الأردن والأردنيين بالنسبة لي فوق كل اعتبار".

وأفاد كذلك بأنه أكد للرئيس الأميركي "أهمية العمل لخفض التصعيد في الضفة الغربية لمنع تدهور الأوضاع هناك، والتي سيكون لها آثار سلبية على المنطقة بأكملها، وأن السلام العادل على أساس حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار في المنطقة"، موضحًا أن "هذا يتطلب الدور القيادي للولايات المتحدة"، التي وصف رئيسها بأنه "رجل سلام".

مصر أقوى الممانعين لخطة ترامب

ردت وزارة الخارجية المصرية، الثلاثاء على تجدد تصريحات ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن، بإعلان اعتزام القاهرة تقديم تصور متكامل لإعادة إعمار قطاع غزة، يضمن بقاء الفلسطينيين على أرضهم.

وذكرت الوزارة، في بيان نُشر على "فيسبوك"، أن مصر تتطلع إلى التعاون مع الإدارة الأميركية لتحقيق سلام شامل وعادل في المنطقة، عبر تسوية القضية الفلسطينية بما يراعي حقوق شعوب المنطقة.

وأكد البيان أن رؤية مصر لإعادة إعمار غزة تستند إلى الحفاظ على الحقوق الشرعية والقانونية للفلسطينيين، مشددًا على ضرورة أن يأخذ أي حل للقضية الفلسطينية في الاعتبار تجنب المساس بمكتسبات السلام في المنطقة، إلى جانب العمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتنفيذ حل الدولتين باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار والتعايش المشترك.

الرئيس عبد الفتاح السيسي (وكالات)
الرئيس عبد الفتاح السيسي (وكالات)

السيسي لن يزور واشنطن رفضًا لطرح التهجير

كما نقلت "رويترز" عن مصدرين أمنيين مصريين أن الرئيس عبد الفتاح السيسي لن يسافر إلى واشنطن لإجراء محادثات في البيت الأبيض، طالما أن جدول الأعمال يتضمن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتهجير الفلسطينيين من غزة.

وكان ترامب قد دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي للاجتماع في البيت الأبيض. لكن السيسي يشعر بالقلق من توقعات الاجتماع مع ترامب، وخطر المحاصرة علنًا، بينما يدفع الزعيم الأمريكي بفكرة لغزة تعتبر لعنة بالنسبة لكثير من سكان مصر ومصدر قلق أمني لجيشها، وفق ما نقلته صحيفة "وول ستريت جورنال".

وقد زار وزير الخارجية بدر عبد العاطي واشنطن هذا الأسبوع. وقالت مصادر مصرية، لـ"رويترز"، إن أحد أهداف زيارته هو تجنب زيارة رئاسية محرجة محتملة.

ووفقا للمصادر المصرية، فقد اتضح لعبد العاطي خلال اجتماع مع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أن خطة التهجير ستكون مطروحة على الطاولة إذا زار السيسي واشنطن. ورد عبد العاطي بأن مثل هذا الاجتماع لن يكون مفيدًا، وأن أي نقاش يجب أن يكون حول خطة مصر لإعادة إعمار غزة. كما نقلت المصادر المصرية أن القاهرة لديها خطة "تضمن بقاء الفلسطينيين على أراضيهم".

لماذا مصر والأردن في موقف صعب؟

لا شك أن مصر والأردن في أسوأ فتراتهما الاقتصادية، وهما وبالأخص مصر، محاصرتين بالديون والأزمات الداخلية. ومع ذلك تبقيان إلى الآن تشكلان جبهة ممانعة قوية لملف التهجير.

وقد ظل التعاون الوثيق بين مصر والولايات المتحدة ركيزة أساسية للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط لعقود، خاصة منذ معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التي رعتها واشنطن قبل أكثر من أربعة عقود، مما جعل مصر واحدة من أكبر الدول المتلقية للمساعدات العسكرية الأميركية إلى جانب إسرائيل.

وهذا ما حاول ترامب مؤخرًا استغلاله تهديدًا بوقف المساعدات. ومع ذلك، أكدت مصادر مصرية أن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو لم يكرر خلال اجتماعه مع نظيره المصري تهديدات ترامب بسحب المساعدات. لكنه حث القاهرة على النظر في خطته بشأن غزة.

وكانت الولايات المتحدة قد خصصت العام الماضي 1.3 مليار دولار كمساعدات عسكرية لمصر، كما وافقت في ديسمبر على صفقة أسلحة محتملة تتجاوز قيمتها 5 مليارات دولار. إلا أن هذه المساعدات الآن مهددة بتصرف ترامب.

ومع ذلك، فقد أبلغت مصر البيت الأبيض بعدم نيتها المشاركة في مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترمب لترحيل الفلسطينيين من قطاع غزة، وفق ما نقلته إذاعة الجيش الإسرائيلي.

أما الأردن، الذي يعتمد منذ عقود على الدعم الأميركي للحفاظ على استقراره السياسي والاقتصادي، فقد تلقى أكثر من 30 مليار دولار من المساعدات الأميركية منذ الخمسينيات. لكن نهج ترامب الجديد، الذي شمل تجميد المساعدات الخارجية لمدة 90 يومًا – باستثناء إسرائيل ومصر – وتقليص دور الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) في الأردن، أثار تساؤلات حول مستقبل العلاقات بين البلدين.

الحل في بقاء السعودية داعمة

قد تكون دول الخليج بقيادة السعودية طوق النجاة للممانعة المصرية الأردنية أمام تهديدات ترامب الاقتصادية لكلا الدولتين جزاء رفضهما تصفية القضية الفلسطينية ونقل أهل غزة إلى سيناء وسكان الضفة إلى الأردن. وربما أيضًا في مراحل إعادة إعمار غزة التي ستتخلى عنها الولايات المتحدة.

ويدعم هذا الاستثمارات الخليجية الكبرى في مصر على وجه الخصوص، وكذلك المخاطر التي تنذر بها الخطة الصهيوترامبية على المنطقة كلها، وهو أمر يأججه التهديد الإسرائيلي الأخير بمعاودة القتال في غزة، والذي قد يجر معه هذه المرة أطرافًا أخرى، سعت تل أبيب في الأيام الماضية إلى استفزازها تصريحاتيًا، وربما عسكريًا في الأيام القادمة.

الرئيس الأمريكي وولي عهد السعودية الامير محمد بن سلمان (وكالات)
الرئيس الأمريكي وولي عهد السعودية الامير محمد بن سلمان (وكالات)

ورغم أن الموقف السعودي يبدو متماسكًا توافقًا مع الممانعة المصرية الأردنية. وقد أشار ملك الأردن إلى ذلك بحديثه عن مباحثات ثلاثية ستجمعه بالأمير محمد بن سلمان ولي عهد السعودية والرئيس السيسي لتحديد ردهما على ترامب، فإن الباحث حسين أبيش يشير، في مقال تحليلي بمجلة "كايرو ريفيو للشؤون العالمية" التي تصدر عن الجامعة الأمريكية بالقاهرة، إلى أن "أحد الاحتمالات التي قد تكون دفعت ترامب إلى مقترحه الغريب حول غزة هو الضغط على السعودية نفسها لخفض مطالبها مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل".

تتضمن شروط السعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل اتفاقية دفاع متبادل مع الولايات المتحدة واتفاقية تحالف استراتيجي، بالإضافة إلى مطلب أساسي وهو التزام إسرائيل بإنشاء دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية المحتلة.

ويقول أبيش إن مهمة الولايات المتحدة تكمن في إقناع السعودية بتخفيف مطالبها، وفي الوقت نفسه زيادة ما ستدفعه إسرائيل للفلسطينيين لتسهيل اتفاق ثلاثي يشمل اعترافًا سعوديًا بإسرائيل ومعاهدة دفاع أمريكية جديدة مع الرياض.

ويشير إلى أن "النقطة المهمة" في هذا السياق قد تكون اعتراف إسرائيل بحق الفلسطينيين في دولة على أراضي فلسطين التاريخية (بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط) ولكن دون تحديد حدود أو صلاحيات سيادية، مع ترك كل ذلك لمفاوضات مستقبلية مع منظمة التحرير الفلسطينية. ويرى أن هذا القدر من التنازل الإسرائيلي قد يكون كافيًا للسعودية، حتى لو اعترض الفلسطينيون.

ويوضح أنه حتى إذا لم يكن هذا كافيًا للسعودية، ففي حال تم إبرام صفقة مع إيران وقامت إسرائيل بضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية بموافقة أمريكية، يمكن لترامب أن يتباهى بصفقته الضخمة مع إيران. ويرى أن هذا السياق الأوسع يشير إلى أن مقترح غزة قد لا يكون هدفه الأساسي غزة نفسها، بل قد يكون مرتبطًا بالضفة الغربية، وبصفقة محتملة مع إيران.

ولكن، يجب الالتفات أيضًا أنه بخلاف التطبيع - الذي ترغب فيه إسرائيل - وتستخدمه السعودية كورقة ضغط لمنع تهجير الفلسطينيين من غزة، فإنها تمتلك استثمارات كبيرة في مصر، وعلاقات قوية مع القاهرة، تجعل الرياض مضطرة لدعم الموقف المصري. كما أن إقحام إسرائيل "الأخرق" للرياض بتصريحات مسؤولي الكيان عن نقل الفلسطينيين إلى صحراء السعودية، يدفع السعودية إلى موقف أكثر حدة في رفض التطبيع، إذ أن مخالفة هذا الموقف تضر بصورتها كدولة راعية للإسلام تضم على أراضيها اثنين من أقدس المعالم الدينية في العالم (الكعبة والمسجد النبوي).

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة