تناولت ورقة بحثية جديدة أعدها الباحث في الشأن السياسي محمد فوزي، لمنصة فكر تاني، ملامح تعامل برلمان 2020 مع قضايا الحقوق والحريات. وقد ركزت على أهمية برلمان 2020، في التعامل مع هذه القضايا، في ظل تصديه للكثير من القوانين الهامة؛ مثل قانون الإجراءات الجنائية، واللجوء، وقانون العمل، والمسؤولية الطبية، وحالة الحقوق والحريات في مصر.
جلسات خارج إطار التغطية الإعلامية
انتقدت الورقة البحثية مخالفة مبدأ علانية جلسات مجلس النواب، الذي يُعدّ أحد الاعتبارات الدستورية المهمة، إذ تُعدّ العلانية القاعدة الأساسية، لا الاستثناء، وذلك بنص الدستور المصري في مادته الـ 120، التي نصّت على أن "جلسات مجلس النواب علنية، بينما يجوز انعقاد المجلس في جلسة سرية، وهو ما يفترض أن يتم لأسباب استثنائية، بناءً على طلب رئيس الجمهورية، أو رئيس مجلس الوزراء، أو رئيس المجلس، أو عشرين من أعضائه على الأقل، ثم يقرر المجلس بأغلبية أعضائه ما إذا كانت المناقشة في الموضوع المطروح أمامه تُجرى في جلسة علنية أو سرية".

وبحسب الورقة البحثية، يتبع رئيس البرلمان الحالي، المستشار حنفي الجبالي، خُطى سلفه، رئيس برلمان 2015، المستشار علي عبد العال. وكان الأخير قد تجاهل هذا النص الدستوري وعمّم مبدأ سرية جلسات مجلس النواب، مكتفياً حينها بقوله إن هناك اقتراحاً من 40 عضوًا بوقف البث المباشر لجلسات المجلس.
ولم يتغير الأمر كثيرًا في البرلمان الحالي، إذ استمر المجلس في تبني قاعدة أن التعتيم هو الأصل "باستثناء الجلسة الافتتاحية لدور الانعقاد الأول للفصل التشريعي الثاني لمجلس النواب (2021-2026)"، وذلك رغم بعض المطالبات السياسية والبرلمانية بعلانية الجلسات.
للاطلاع على الورقة.. اضغط هنا
البرلمان يتغافل عن إنشاء مفوضية مكافحة التمييز
تطرقت الورقة البحثية إلى أنه كان من المفترض أن يصدر قانون خاص بإنشاء مفوضية مكافحة التمييز، إلا أنه حتى اللحظة لم يتم البتّ في هذه المسألة من قِبَل البرلمان المصري.

وينص الدستور المصري، بتعديلاته الأخيرة، في مادته رقم (53) على أن: "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو اللغة أو الإعاقة أو المستوى الاجتماعي أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون. تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض".
حرية تداول المعلومات مقيدة في مصر
أشارت الورقة البحثية إلى غياب مسألة حرية تداول المعلومات، بالرغم من تشديد الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، في محورها الأول، على أن من أهم التحديات التي تواجه حرية التعبير هو "عدم وجود إطار قانوني ينظم الحصول على المعلومات، والبيانات، والإحصاءات الرسمية وتداولها". ولذلك، وضعت الاستراتيجية إصدار قانون حرية تداول المعلومات ضمن مستهدفاتها الرئيسية.

ولفت الباحث، في الورقة إلى أنه رغم وجود العديد من المؤشرات التي تعكس أهمية وجود إطار تشريعي حاكم لمسألة حرية تداول المعلومات، خصوصًا مع وجود أزمات مرتبطة بعدم قدرة العديد من المحامين على الاطلاع على أوراق التحقيقات في القضايا والاتهامات الموجهة للعديد من المواطنين، فضلًا عن انعكاسات أخرى لهذه الأزمة فيما يتعلق بقضايا البحث العلمي، إلا أن وضع إطار تشريعي ينظم حق الحصول على المعلومة غاب عن أجندة البرلمان الحالي.
قانون الإجراءات الجنائية المثير للجدل
اعتبرت الورقة البحثية أن قانون الإجراءات الجنائية، الذي أثار الجدل وتعرض للكثير من النقد خلال الفترة الماضية، معيب على كل المستويات؛ إذ إنه لا يتيح ضمانات للمحاكمة العادلة، ويزيد من الأعباء والتحديات الملقاة على عاتق المتهمين، مما يتنافى مع فلسفة علم الجريمة والعقاب. فضلًا عن ذلك، يسير القانون عكس مخرجات الحوار الوطني الخاصة بمسألة الحبس الاحتياطي.

قدمت الورقة عرضًا لبعض بنود القانون التي قوبلت بالرفض من قِبَل المهتمين بالشأن العام والكثير من منظمات المجتمع المدني ونقابتي الصحفيين والمحامين، بالإضافة إلى العديد من الشخصيات العامة. فلم يتضمن مشروع قانون الإجراءات الجنائية المطروح أي ضمانات خاصة بحق المتهم في الاتصال والتواصل مع ذويه ومحاميه، كما لم تتم الإشارة إلى أن عدم تمكين المتهم من الاتصال بأهله أو محاميه من شأنه أن يؤدي إلى بطلان الإجراءات وبالتالي تبرئة المتهم.
كما لم يأتِ المشروع بجديد في ملف الحبس الاحتياطي أو بنقاط إيجابية، باستثناء النص في المادة 120 على أنه: "إذا رأت النيابة العامة مد مدة الحبس الاحتياطي، وجب عليها قبل انتهاء مدة الأربعة أيام المشار إليها بالمادة 112 من هذا القانون أن تعرض الأوراق على القاضي الجزئي ليصدر أمراً مسبباً، بعد سماع أقوال النيابة العامة والمتهم، إما بالإفراج عن المتهم أو بمد مدة الحبس الاحتياطي لمدة أو مدد متعاقبة بحيث لا تزيد كل منها على خمسة عشر يوماً، ولا يزيد مجموعها على خمسة وأربعين يوماً".
قوانين لم تأخذ حقها في النقاش
في السياق ذاته، انتقدت الورقة البحثية أداء البرلمان في مسألة الاستعجال في مناقشة وإقرار بنود بعض القوانين، مثل قانون المسؤولية الطبية وقانون العمل الجديد، حيث واجه الأخير التجاهل لفترات طويلة. ثم استأنف مجلس النواب المصري، في أواخر ديسمبر 2024، مناقشة قانون العمل الجديد.

لكن اللافت أن القانون الجديد، الذي قدمته وزارة العمل إلى مجلس النواب ليتم مناقشته من خلال لجنة القوى العاملة بالبرلمان، افتقد إلى عنصرين رئيسيين:
الأول هو عدم وجود تغييرات جوهرية، مما جعله أقرب إلى تعديل طفيف على القانون الحالي.
الثاني أن القانون، وفقًا لدار الخدمات العمالية والنقابية، لم يواكب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها العمال في ظل أزمة اقتصادية خانقة، بل انحاز بوضوح إلى أصحاب العمل، إلى جانب انتقادات أخرى شابت القانون.
أداء غير إيجابي
استخلصت الورقة البحثية عددًا من الاستنتاجات، أهمها أن أداء البرلمان لم يكن إيجابيًا على مستوى دعم منظومة الحقوق والحريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر. فلم يدفع البرلمان باتجاه تبني أي تحركات لتحريك المياه الراكدة سياسيًا، بل على العكس من ذلك، أقر حزمة من التشريعات والقوانين التي تنافت مع سردية التوجه نحو فتح المجال العام، وزادت من الأعباء الاقتصادية والتداعيات الاجتماعية السلبية على المواطن.

بالإضافة إلى ذلك، فإن كافة المشاريع والقوانين التي أقرها البرلمان الحالي، والتي سبق الإشارة إليها، لم تمثل فقط تهديدًا لمنظومة المبادئ الحقوقية والمبادئ الخاصة بالحريات، بل خالفت أيضًا فكرة الشرعية. وهذه الفكرة تعني أن تلك القوانين شكلت التفافًا على الدستور ومخالفة له، مما يرسخ لفكرة عدم التقيد بمواد الدستور وجوهره ومقاصده.
كما يعكس مسار تعامل البرلمان الحالي مع الحكومة، سواء من خلال التشريعات التي تقدمها أو القرارات التي تنفذها، بالإضافة إلى حالة البرلمان في ممارسة دوره الرقابي، غياب مبدأ "الفصل بين السلطات".
وأكدت الورقة أيضًا أن البرلمان الحالي ساهم، عبر حزمة القوانين التي سبق الإشارة إليها، في زيادة وتيرة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المواطن المصري. وقد أغفل في هذا السياق أن كاهل المواطن مثقل بالفعل بسبب أزمات التضخم، وارتفاع الأسعار، واختفاء العديد من السلع من الأسواق، وغيرها من الأزمات.
للاطلاع على الورقة.. اضغط هنا