ناهد نصر: شغوفة بفهم الناس.. أحيانًا النساء يقفن عقبة في طريق قريناتهن.. المرأة تتجاوز قضاياها وتقدم رؤيتها للعالم (حوار)

ناهد نصر هي مخرجة وصحفية مصرية، استطاعت أن تصنع لنفسها مكانة مميزة في مجالي الإخراج والكتابة الصحفية، من خلال أعمالها الفنية التي تعكس قضايا إنسانية من زوايا مختلفة وجريئة، تعمل صحفية في جريدة "الأهرام ويكلي"، وتتنوع أعمالها بين التحقيقات الصحفية والإنتاج السينمائي.

بدأت ناهد مسيرتها الفنية بفيلمها القصير "الفيلم"، وحقق نجاحًا ملحوظًا وفاز بالجائزة الأولى في مهرجان الجيزويت، بالإضافة إلى جائزة لجنة التحكيم في مهرجان المرأة لسينما الموبايل. وواصلت تميزها بفيلمها "البحر"، الذي لاقى إشادة واسعة وشاركت به في عدة مهرجانات، منها زاوية للأفلام القصيرة، والسودان للسينما المستقلة، ورؤى للفيلم القصير.

ومن خلال فيلمها التسجيلي الطويل "العائلة الملكية"، الذي اختير للمشاركة في ورشة مهرجان القاهرة الدولي لسينما المرأة، أضافت ناهد نصر بُعدًا جديدًا إلى رحلتها.

عملت ناهد مخرجة ومنتجة لسلسلة برامج تلفزيونية أبرزت العديد من الفرق الموسيقية والمسرحية المستقلة في مصر، مسلطة الضوء على الإبداع الحر والتجارب الفنية الجديدة.

وفي مجال الصحافة، تخصصت ناهد بكتاباتها الاستقصائية والمقالات الثقافية المنشورة باللغتين العربية والإنجليزية، وتناولت من خلالها ملامح متنوعة من المشهد الثقافي المصري، مع التركيز على التجارب المستقلة في القاهرة والمحافظات.

وإلى جانب أعمالها الفنية والصحفية، أسست ناهد منصة "كايرو فيلم فاكتوري"، التي تهدف إلى خلق شبكة تواصل بين صُنّاع الأفلام والفنانين البصريين، لتبادل الخبرات وإيجاد طرق مبتكرة لإنتاج الأفلام.

تتسم رؤية ناهد نصر بالجرأة والوعي، وتسعى إلى مناقشة قضايا المرأة من خلال عدسة سينمائية فنية، وتعمل على كسر الصور النمطية وتقديم نموذج ملهم للنساء كصانعات محتوى مبدع ومؤثر.

وفي حوارها مع فكّر تاني، تحدثت ناهد نصر، عن تطور وضع النساء في صناعة السينما المصرية وأصواتهن التي تناقش القضايا المجتمعية من منظور مختلف ورؤية واعية.

إلى نص الحوار..

المخرجة ناهد نصر في حوارها مع فكّر تاني
المخرجة ناهد نصر في حوارها مع فكّر تاني
  • في البداية، كيف ساهمت تجربتك كمخرجة وصحفية في تشكيل رؤيتك للسينما، خاصة فيما يتعلق بدورها في التعبير عن قضايا المجتمع وإحداث تأثير حقيقي فيه؟

الفضول.. كان دافعي الأول والأساسي وراء دخولي عالم الصحافة والإخراج.

أنا شغوفة بفهم الناس والتعمق في حكاياتهم، ومن خلال الصحافة، تعلّمت أن أرى الناس أبعد من مظهرهم الخارجي، وكيف أكتشف تفاصيل قصصهم والرغبة في التعمق أكثر لفهم العالم من حولي وتجميع أجزاء الصورة للوصول إلى رؤية أكبر وأكثر شمولًا.

وهذا الفضول نفسه هو ما يدفع أي عمل فني، ففي صناعة السينما، نتعلم كيفية التعبير عن هذه الأفكار والمشاعر بصريًا، وهو تحدٍّ ممتع، وأحببت العمل في هاتين المهنتين التي تعتمد إحداهما على الكلمات، بينما تعتمد الأخرى على الصور، وفي الحالتين الهدف واحد، هو نقل القصة..

  • إلى أي مدى تؤثر قضايا المرأة في المجتمع المصري على اختياراتك الفنية؟ وكيف تنعكس هذه القضايا على المواضيع التي تتناولينها في أفلامك؟

لا يمكن الفصل بين كوني امرأة تعيش في هذا المجتمع وبين المواضيع التي أهتم بها في أعمالي.

فالتجارب التي تمر بها النساء في مجتمعاتهن تُصقل رؤيتهن للعالم، وتجعل نظرتهن للأمور مختلفة تمامًا، وهذا الاختلاف ينبع من التحديات والمعوقات التي تواجههن في حياتهن اليومية، والتي تُشكل وعيهن وتؤثر على اختياراتهن، على المستويين الشخصي والمهني.

وعندما نعيش في مجتمع يفرض قيودًا ويضع العقبات أمام النساء، نصبح أمام خيارين: إما أن نتبنى وجهة النظر القامعة لنا وندور في دائرتها، أو  نختار أن نكون إضافة إيجابية للمجتمع. 

لكن للأسف، كثيرًا ما نرى نساء يقمن بدور العقبة في طريق أخريات، لكنني أؤمن بالخيار الثاني، وهو السعي لفهم الظروف المحيطة ورؤية الأمور من زاوية مختلفة، ليس فقط فيما يتعلق بقضايا النساء، بل بقضايا الإنسان بشكل عام.
ولا أرى أن المرأة يجب أن تنتج أعمالًا فنية تتعلق فقط بقضاياها، لدينا أمثلة كثيرة لرجال قدّموا أفلامًا تناولت الشأن النسوي، وكانت أعمالهم مليئة بالتعاطف والإنسانية، لكن الفارق في الطريقة التي ترى بها النساء المجتمع، لأن تجاربنا الخاصة تجعل رؤيتنا للعالم مختلفة، وأكثر تعاطفًا مع الآخر.

على سبيل المثال، فيلم "درامز" ليس موجهًا لدعم قضية نسوية، إلا أنه يتناول التنميط الذي يفرضه المجتمع على الآخرين، وأعتقد أن كوني امرأة هو ما جعلني أكثر وعيًا بهذه النمطية من خلال تجربتي الشخصية وأكثر حساسية تجاه الظلم الناتج عنها.

لذلك، عندما نقول إننا بحاجة إلى مزيد من النساء في السينما، فذلك ليس لأننا نريد أفلامًا عن قضايا نسائية فقط، بل لأننا بحاجة إلى وجهات نظر مختلفة ورؤى أعمق وأكثر تنوعًا.

النساء يمتلكن خبرة حياتية فريدة، وإذا لم نسمع أصواتهن في السينما، فنحن نحرم أنفسنا من رؤية العالم من زوايا جديدة ومختلفة.

اقرأ أيضًا: رولا عادل رشوان: التقليل من شأن الأعمال النسائية سببًا في غياب ترجماتها من الروسية.. الذكاء الاصطناعي بعيد عن الإبداع (حوار)

  • كيف استطعتِ تحقيق التوازن بين رؤيتك الفنية كصانعة أفلام وبين تناول القضايا المجتمعية في أعمالك؟

لكل منا رؤيته الخاصة في الحياة والفن، ولكن الدافع الأساسي هو شيء "يلمس" من الداخل، شيء يُثير فضولي وأريد تناوله بطريقتي الخاصة، الطريقة التي تعبر عن رؤيتي للعالم، ورغبتي في تقديم ما يحمل بصمتي الخاصة.

المهم بالنسبة لأي صانع أفلام هو أن يملك رؤية واضحة لما يريد أن يوصله، وأن يدرك من هو، وماذا يريد أن يقول من خلال الفيلم.

  • هل تعتبرين فيلم درامز نموذجًا لكسر القوالب النمطية، سواء من حيث الفكرة التي يطرحها أو في صناعته؟

بالنسبة لـ درامز، فهو عرضًا لفكرة إنسانية أثارتني، فيلمًا لا حوار فيه، تناولت من خلاله رحلة البطل منذ طفولته وحتى اللحظة الحالية، وهذه الرحلة الشخصية هي ما لمستني، هي رحلة عن الاختيار والثمن الذي ندفعه مقابل اختياراتنا، وكيف ندفع هذا الثمن.

فيلم درامز
فيلم درامز

هذه الأسئلة فتحت أمامي مساحة للتفكير في قضايا أكبر، كالقمع والرقابة الذاتية، هناك كثير من الموضوعات التي يشعر الناس بعدم الحرية في التحدث عنها، وهذا الأمر ينعكس على صانع الفيلم نفسه. 

عندما يعمل صانع الأفلام على موضوع حساس، يدخل في صراع داخلي حول كيفية استقبال الناس للفكرة، وما مصير الشخص الذي صنع الفيلم لأجله، كما أن هناك أيضًا الخوف من منع الفيلم من العرض أو من التهديدات التي قد تواجه صانع الفيلم بسبب الموضوع المطروح.

كل هذه الأمور قد تجعل المخرج يتراجع أو يُعيد التفكير في المشروع. 

لكن في النهاية، أعتقد أننا بحاجة أحيانًا إلى كسر حاجز الخوف من الرقيب الداخلي الذي يعيش بداخلنا أولًا، لأن هذا الرقيب هو ما يُعيق تقدمنا ويبطئ خطواتنا نحو التعبير الحر.

وبالطبع، فإذا كان صانع الفيلم امرأة، فيتضاعف هذا الخوف، فالنساء في مجال صناعة الأفلام يواجهن تحديات إضافية، منها القلق من ردود الأفعال أو النظرة المجتمعية لما يقدمنه، لذلك، أؤمن بأن التحرر من هذا الخوف الداخلي هو خطوة ضرورية للتقدم، لإنتاج أعمال فنية أكثر صدقًا وحرية.

  • تناولتِ قضايا المرأة في العديد من أعمالك. كيف تنظرين إلى تطور دور المرأة في صناعة السينما المصرية؟

أرى أن تمثيل المرأة في السينما، رغم تحسنه مقارنة بالماضي، ما يزال بعيدًا عن أن يكون كافيًا، سواء من حيث عدد المشاركات أو حجم أدوارهن أو حتى مدى تأثيرهن. 

صحيح أن هناك تطورًا ملحوظًا، خاصة في السينما المستقلة، حيث بدأت النساء في شق طريقهن وإثبات حضورهن بشكل أكبر، إلا أن هذا التقدم ما يزال غير مرضٍ بالقدر المطلوب، وأعتقد أن السبب الرئيسي هو أن ما نشهده اليوم من حضور نسائي في صناعة السينما والذي يعتمد بشكل أساسي على جهود فردية، سواء في إثبات أنفسهن أو في دعمهن لبعضهن البعض، وليس على قوانين أو لوائح تضمن لهن مساحة عادلة ودائمة في هذا المجال.

لا توجد حتى الآن جهة تنظيمية تفرض سياسات تُلزم المؤسسات السينمائية بإعطاء النساء فرصة حقيقية متساوية لصناعة الأفلام أو المشاركة في صنع القرار، وبالتالي، فإن المساحات التي تمكّنّ فيها من الوصول كانت نتاجًا لمجهوداتهن الذاتية، سواء من خلال التعليم أو التواجد في المشهد السينمائي، وليس نتيجة تغييرات مؤسسية مدعومة بسياسات واضحة.

وما نحتاجه بالفعل هو وجود قوانين أو آليات تضمن تمثيلًا أكبر للمرأة في صناعة السينما، بحيث لا تظل هذه الجهود محصورة في محاولات فردية؛ فغياب هذه السياسات يجعلنا أمام ما يمكن تسميته بـ "حراس البوابات"، أي أشخاص أو جهات تسيطر على المشهد وتمنع دخول أعمال أو أصوات جديدة لا تتماشى مع معاييرهم التقليدية. 

هؤلاء الحراس هم العقبة الرئيسية أمام التجديد والتغيير في السينما.

اقرأ أيضًا: التشكيلية سلوى رشاد.. "البحث عن معنى" في المشاعر والأحلام والمخاوف (حوار)

  • كيف ترين تأثير السينما في تغيير الصور النمطية عن النساء في المجتمعات العربية؟

تعكس الأفلام القضايا التي تشغل بال صناعها، لكن، عملية صنع الفيلم نفسها تستغرق وقتًا طويلًا، الكتابة نفسها تتم على مراحل ولعدة مرات، ثم مرحلة البحث عن منتج، وغيرها من الإجراءات التي قد تستغرق سنوات. 

أرى أن  الصوت المنبعث من تلك الأفلام حقيقيًا ونابعًا من دواخل صانعيها، السينما بالنسبة لهم ليست مجرد سلعة استهلاكية، بل هي وسيلة للتعبير عن واقعهم الداخلي.

إن السماح لهذه الأفلام بالوصول إلى جمهور أكبر قد يجيب على أسئلة لم تكن في الحسبان، السؤال هنا ليس ما إذا كانت السينما تُغير الصور النمطية عن النساء أو لا، بل يتعلق بمدى قدرة هذه الأفلام على الوصول إلى الناس. 

المخرجة ناهد نصر في حوارها مع فكّر تاني
المخرجة ناهد نصر في حوارها مع فكّر تاني

لكن للأسف، الأفلام المستقلة لا تصل إلى الكثير من الناس، ونحن بحاجة إلى قنوات توزيع أوسع وعقلية مختلفة في التوزيع، لكي تتاح الفرصة للوصول إلى جمهور أكبر، وبالتالي طرح المزيد من الأسئلة ودعوة الجميع لإعادة النظر في عديد من الأمور.

فكلما ارتبطت السينما بنمط ثابت من الإنتاج وطرق عرض تقليدية، مع توقعات جماهيرية محددة، تقلّ احتمالية نشوء رغبة حقيقية لتحدي هذا النمط، وعندما يكون هناك انسجام بين ما يُقدّم وما يتوقعه الجمهور، يصبح من الصعب دفع حدود المألوف وتجربة أساليب جديدة أو مبتكرة. 

بالطبع، يجب أن تظل السينما وسيلة للتسلية والترفيه، لكن الإشكالية في الطريقة التي يتم بها تحقيق ذلك، فلا يجوز أن تُستخدم السخرية أو الإهانة تجاه النساء أو أي فئة اجتماعية معينة كوسيلة لإضحاك الجمهور. 

الهدف من الفيلم يجب أن يكون إمتاع الجمهور، ولكن في نفس الوقت، يجب أن يترك أثرًا إيجابيًا، حيث نخرج منه ونحن قد تعلمنا شيئًا أو تأملنا في فكرة معينة.

  • برأيكِ ما نحتاجه ليصبح الفن وسيلة للتغيير في الوعي المجتمعي أو على مستوى القوانين؟

قد يكون الفن أحد أدوات التغيير الفعالة، لكن هذا الدور مرتبط بشكل مباشر بالمساحة المتاحة من الحرية في التعبير، وكلما ازدادت هذه المساحة، أصبح من السهل على الفن أن يعكس هموم الناس ورؤيتهم للواقع بشكل أعمق، ما يساهم في رفع الوعي وإحداث تأثير حقيقي في المجتمع. 

الفن يدفعنا بطبيعته إلى إعادة النظر في الأفكار والمعتقدات الراسخة، ويفتح المجال لطرح أسئلة جديدة حول ما نعتبره طبيعيًا أو بديهيًا.

لكن عندما تُفرض القيود يصبح الفنان مقيدًا، ويضطر إلى التفكير كثيرًا قبل أن تناول أي موضوع، خوفًا من العواقب، وتقلل هذه القيود من مساحة الفن نفسه، وتحد من قدرته على التطرق إلى القضايا الشائكة أو التعبير عن مشكلات الحقيقية للناس. 

وعندما يُخنق صوت الفن يُصبح محصورًا في الأطر الآمنة أو الموضوعات التقليدية التي لا تُحدث جدلًا أو تأثيرًا.

اقرأ أيضًا: منصورة عز الدين: على الكاتبات أن يتحررن من التمييز.. والذكاء الاصطناعي لا يُشكل خطرًا فالكتابة ابنة التجربة الإنسانية (حوار)

  • ما تقييمك لتطور وضع السينما المستقلة خلال العشرين عامًا الماضية؟ وما أبرز التحديات والعوائق التي واجهتها خلال هذه الفترة؟

دعيني أؤكد أنه لا يوجد أي تطور ملحوظ في بيئة صناعة السينما من حيث القوانين أو مؤسسات الدعم. على سبيل المثال، لا توجد منح مخصصة لدعم صناعة السينما المستقلة، لكن ما حدث مؤخرًا هو تطور ملحوظ في سبل تعليم السينما من خلال الورش ومدارس السينما. 

وهذا التطور انعكس في ظهور العديد من النجاحات، وبدأنا نرى تنوعًا أكبر في أساليب تعليم السينما، ما أتاح للعديد من المخرجين الشباب فرصة لتعلم هذا الفن بطرق متعددة.

لنأخذ المخرج عمرو سلامة كمثال، فقد مر بالكثير من العقبات مقارنةً بالمخرجين الحاليين من الشباب، حيث كانت وسائل تعلم السينما محدودة جدًا في البداية، وحينما نتحدث عن عمرو سلامة الذي لم يلتحق بمعهد السينما، هو من النماذج الملهمة التي يراها الشباب اليوم، فقد تمكن من بناء نفسه بنفسه من الصفر في وقت لم يكن فيه هذا الأمر مألوفًا. 

لكن يمكن القول أن عام 2024 كان مهمًا للغاية، حيث شاركت عديد من الأفلام المصرية في مهرجانات دولية مرموقة مثل كان وبرلين، كما شهد مهرجان البحر الأحمر مشاركة سبعة أفلام مصرية طويلة، وكان مهرجان القاهرة أيضًا حافلاً بعدد من الأفلام المتميزة.

لكن على الرغم من هذه النجاحات، فما زلنا نفتقر إلى الدعم المؤسسي، وهو ضروريًا للغاية، فإذا توافرت برامج دعم مدروسة، سواء من خلال منح أو مشروعات دعم مخصصة لصناعة السينما المستقلة، فتلك خطوة هامة تُساهم ذلك في تقليل الوقت والجهد المبذولين، ما يتيح لهم التركيز بشكل أكبر على تطوير أعمالهم الفنية.

مصر تستحق أن يكون عندها دعم رسمي ومدروس تُقدمه للصناعة، ما يتيح لصناع الأفلام الإنطلاق في مسيرتهم دون الاضطرار إلى الاعتماد على جهودهم الشخصية فقط، ما يؤدي لإنتاج أفلام ذات جودة أعلى ويمنح الفرصة للتنافس عالميًا، ويُبرز السينما المصرية كقوة ثقافية وفنية في العالم.

  • في ظل التحولات السياسية والاقتصادية التي شهدتها مصر خلال العقد الأخير، كيف أثرت هذه المتغيرات على طبيعة الإنتاج السينمائي المستقل؟

لا شك أن التحولات الاقتصادية، وخاصة الارتفاع المستمر في الأسعار، أثرت سلبًا على طبيعة الإنتاج السينمائي المستقل في مصر، فتكلفة استئجار الكاميرات، ومعدات الصوت، وحتى أماكن التصوير، شهدت زيادات كبيرة نتيجة للتغيرات الاقتصادية. ما يشكل تحديًا إضافيًا أمام صُنّاع الأفلام المستقلين الذين يعتمدون بشكل أساسي على ميزانيات محدودة.

لكن في الحقيقة، التحدي الأكبر لا يكمن فقط في ارتفاع التكاليف، بل في محدودية الفرص المتاحة للدعم. فهناك عدد كبير من صُنّاع الأفلام المستقلين الذين لديهم أفكار وأعمال جديرة بالاهتمام، لكنهم يواجهون نقصًا في التمويل وفرص العرض. 

سواء كان ذلك من خلال مهرجانات سينمائية أو صناديق دعم محلية ودولية، فإن عدد المستفيدين من هذه الفرص محدود جدًا مقارنة بعدد المخرجين الذين يسعون لتحقيق مشاريعهم.

  •  مع تنامي دور التكنولوجيا والمنصات الرقمية، كيف ترين تأثير هذه التطورات على صناعة السينما المستقلة؟

أرى أن التطورات التكنولوجية والمنصات الرقمية قد فتحت آفاقًا جديدة أمام السينما المستقلة، خاصة فيما يتعلق بتوفير مساحات عرض بديلة كانت غائبة لسنوات طويلة، كما أن هناك الكثير من الأفلام المستقلة، سواء الطويلة أو القصيرة، التي لا تصل إلى الجمهور بسهولة بسبب عدم توفر قنوات عرض واضحة. 

ففي السابق، كان المشاهدون يعتمدون على نسخ مُسربة أو يبحثون عن عروض محدودة في مهرجانات سينمائية، لكن مع وجود هذه المنصات الرقمية، أصبح من الممكن لهذه الأفلام أن تصل إلى جمهور أوسع.

تمنح هذه المساحات الجديدة الفرصة لصناع السينما عرض أعمالهم دون التقيد بالطرق التقليدية لتوزيع الأفلام أو الاعتماد على دور العرض التجارية، وهذا بحد ذاته يشكل دافعًا لتحفيز عجلة الإنتاج، حيث يشعر المخرجون بأن هناك فرصة لمشاهدة أفلامهم وتقديرها من قبل الجمهور، وأعتقد أن هذا الانتعاش الرقمي ضروري على كل المستويات.

المخرجة ناهد نصر في حوارها مع فكّر تاني
المخرجة ناهد نصر في حوارها مع فكّر تاني

 

اقرأ أيضًا:آية طنطاوي: الكتابة رحلة شفاء واكتشاف ذات وتحقق لكل امرأة (حوار)

  • في رأيك، كيف تساهم الفكرة الجوهرية التي انطلقت منها منصة "كايرو فيلم فاكتوري" في دعم صناع السينما المستقلة من الشباب؟

"كايرو فيلم فاكتوري" هي مبادرة لدعم وتبادل الخبرات بين صناع السينما المستقلة، كما تهدف إلى توفير مساحة مفتوحة تجمع بين الأشخاص العاملين في المجال بشكل عملي، الهدف الأساسي هو إتاحة الفرصة لكل من يرغب في دخول عالم صناعة الأفلام، أو من هم في بداية مسيرتهم، لتعلم المزيد من تجارب الآخرين، ولخلق حوار بنّاء بينهم.

تقوم المنصة على عدة مشروعات، ومن أبرزها مشروع محادثات كايرو فيلم فاكتوري، في كل جلسة من هذه المحادثات، نختار ضيفًا من العاملين في المجال، ونناقش موضوعًا تقنيًا محددًا مرتبطًا بالصناعة، فعلى سبيل المثال، قد يكون النقاش حول تسجيل الصوت في مواقع التصوير، فنستضيف مهندس صوت محترف يشرح التقنيات المستخدمة والتحديات التي يواجهها، أو قد يكون الموضوع حول علاقة المخرج بالنص السينمائي، وكيفية تطوير السيناريو لتحقيق رؤية المخرج، وما يميز هذه الجلسات هو التركيز على التفاصيل العملية والتقنية التي يحتاجها صناع الأفلام الشباب. 

ما نحاول القيام به هو تقديم محادثات عميقة ومحددة، وليست مجرد جلسات عامة تطرح أسئلة تقليدية، نحن نؤمن أن صناع الأفلام لا يحتاجون فقط إلى الجلوس مع أصحاب الخبرة الأكبر منهم، بل يحتاجون أيضًا إلى مناقشة موضوعات دقيقة تتعلق بجوانب صناعة السينما، وأن يكون المتحدث شخصًا يمتلك خبرة محددة في الموضوع المطروح.

وبالإضافة إلى ذلك، نطمح في كايرو فاكتوري لتقديم ورش عمل متعمقة وطويلة المدى، تتضمن إنتاج مشاريع سينمائية، أملًا في أن تكون المنصة قادرة على تقديم حلول عملية لصناع الأفلام، والإجابة عن الأسئلة التي تواجههم أثناء العمل على مشاريعهم، خاصة في لحظات التعثر أو عند مواجهة العقبات.

كما أننا نرحب دائمًا بانضمام متطوعين جدد، ونشجع أي شخص لديه أفكار مبتكرة للمشاركة في تطوير المنصة، لأن هدفنا الأكبر هو نقل التجربة إلى نطاق أوسع، وجعلها مساحة متاحة لكل من يرغب في تعلم السينما ودخول هذا العالم، حتى نتمكن من دعم جيل جديد من صناع الأفلام المستقلة.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة