في واقعة أثارت جدلًا كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي الأيام الماضية، شهدت الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري في مصر مشادة كلامية تطورت إلى اشتباكات بين مجموعة من الشباب ومارة في منطقة مساكن شيراتون بالقاهرة، إثر اعتقاد البعض أن أحد الشباب يحمل علم المثلية.
الحادثة التي جرت وقائعها في ساحة المؤسسة التعليمية أثارت غضبًا واسعًا، خاصة بعد تداول مقاطع فيديو تُظهر رفع العلم وردود فعل طلاب الأكاديمية الغاضبة، التي انتهت بمواجهات جسدية. وفيما نفت الأكاديمية صحة بعض المعلومات المتداولة، تباينت ردود الأفعال ما بين التأكيد على رفض هذه الممارسات باعتبارها مخالفة للقيم المجتمعية والدينية، والمطالبة بمناقشة أعمق لحقوق المثليين في الإعلان عن وجودهم.
إن تواجد المثليين في المجتمع لا يعني فرض وجودهم، لأن المشكلة الحقيقية ليست في وجودهم بحد ذاته، وإنما في النظر إلى وجودهم كفكر مغاير لإرادة المجتمع المتصورة. في الواقع، لا يمكن الحديث عن "فرض وجود"، إذ أن ما يحدث هو "إعلان وجود" كجزء من نسيج المجتمع.
ومع ذلك، يرفض العقل الجمعي للمجتمع المصري، أو ما يُعرف بقيم الأسرة وروح المجتمع، كل ما هو مختلف، ويعمل ضد حقوق وحريات جميع الأقليات.
يظهر هذا الرفض بدرجات متفاوتة؛ فبينما يكون مستوى الاضطهاد أقل تجاه الأقليات الدينية، فإنه يبلغ ذروته عند التعامل مع الأقليات الجنسانية، ورغم ذلك، فلا ينبغي الاستسلام لهذا الوعي، حيث أن قيم الأسرة، على سبيل المثال، تدعم ممارسات مثل جرائم الشرف وتشويه الأعضاء التناسلية بالختان، ومن ثم، يجب تفكيك هذه القيم ومواجهتها بالحجج.
اقرأ أيضًا:عمليات التأكيد الجندري محفوفة بالمخاطر.. من التشويه إلى الوفاة
هل المثلية الجنسية حديثة العهد في المجتمع المصري؟
بالطبع لا. لكن العقل الجمعي يؤثر بشكل كبير على طريقة التعامل مع الأقليات الجنسانية، وغالبًا ما يعتمد على حسابات المكسب والخسارة. في المجتمعات القروية أو القبلية، يكون الفرد المثلي مقبولًا نسبيًا بسبب قوة عائلته أو توازنات القوى الاجتماعية.
ويتم التعامل مع المثلية كحالة فردية، وليست ظاهرة مجتمعية، إذ لا يُطالب هؤلاء بإشهار زواجهم أو رفع أعلام تشير إلى هويتهم. أما في المجتمعات المدنية، فالأمر مختلف؛ إذ يتعرض الأفراد لنبذ شديد لأن سلوكهم قد يُنظر إليه على أنه قد ينتشر مجتمعيًا، وهو ما يُعد غير مقبول، كما حدث في "حادثة الجامعة".
أسباب انتشار الهوموفوبيا
جزء كبير من "الهوموفوبيا" أو رهاب المثلية، يعود لأسباب دينية دون محاولة فهم تجارب وأسباب حقوق الأفراد المثليين، ويصل الأمر في بعض الأحيان إلى مهاجمة أي شخص يظهر تصالحًا مع المثليين، ومحاولة وصمه بالغربة عن قيم المجتمع. الغريب في الأمر هو إصرار المجتمع على معرفة ميول الأفراد وتصرفاتهم في حياتهم الخاصة، رغم أن ذلك يجب أن يكون أمرًا شديد الخصوصية.
ومن التخيلات السائدة أن المثليين متحرشون أو قد يفرضون علاقاتهم على الآخرين، وهنا يجب التفرقة بين التوجه الجنسي كهوية وبين الأفعال؛ فالعرض أو الإعجاب يمكن رفضه أو قبوله دون وصم، أما الابتزاز أو التحرش فهو سلوك غير أخلاقي بغض النظر عن التوجه الجنسي.
هل المثلية الجنسية مرض نفسي؟
في السابق، كان يُنظر إلى المثلية الجنسية كمرض نفسي أو اضطراب سلوكي، بناءً على مفاهيم مجتمعية ودينية قديمة، وليس استنادًا إلى أدلة طبية. جرت محاولات لعلاج المثلية بأساليب مؤذية شملت العزل المجتمعي، وجلسات الكهرباء، والعلاج بالهرمونات، أو حتى التدخلات الجراحية مثل الإخصاء أو جراحات الدماغ.
لم تنجح هذه المحاولات في تغيير ميول الأفراد، بل زادت من معاناتهم النفسية، وأدت إلى ارتفاع معدلات القلق، الاكتئاب، والانتحار، ورغم كل ذلك، استمر وجود المثليين في المجتمعات، حتى وإن اختاروا عدم الإعلان عن أنفسهم خوفًا من الانتقام المجتمعي.
اقرأ أيضًا:كراهية ووصم العابرات/ين جندريًا.. حكايات من الواقع
تطور النظرة الطبية للمثلية الجنسية وواقع التحديات المجتمعية
بدأت النظرة الطبية للمثلية الجنسية تتغير خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، عندما أكدت الأبحاث العلمية أن المثلية ليست مرتبطة بأي اضطرابات نفسية أو جسدية. وأظهرت الدراسات أن المشاكل التي يواجهها المثليون ناجمة عن التمييز والرفض المجتمعي، وليس عن المثلية ذاتها. ومع تطور تعريف المرض النفسي ليعتمد على فكرة الضرر النفسي أو الجسدي للشخص أو المجتمع، ومع غياب أي ضرر من المثلية، أزالت الجمعية الأمريكية للطب النفسي المثلية من دليل الأمراض النفسية، مؤكدة أنها ليست اضطرابًا.
هذا التغيير استند إلى أبحاث أظهرت أن المثلية الجنسية لا ترتبط بأي اضطرابات نفسية أو جسدية، وأن المشاكل التي يواجهها المثليون ناجمة عن التمييز والرفض المجتمعي، وليس عن المثلية ذاتها. في عام 1990، أزالت منظمة الصحة العالمية "WHO" المثلية الجنسية من قائمة الأمراض النفسية في التصنيف الدولي للأمراض "ICD".
بينما تعتبر المثلية الجنسية، في الوقت الحالي، جزءً من التنوع الطبيعي للتوجهات الجنسية، وأثبت العلم أن المثليين يمكنهم العيش حياة طبيعية وسعيدة دون أي تدخل طبي. وأشار الباحثون إلى أن المعاناة النفسية والجسدية التي قد يعاني منها المثليون ترتبط بردود الفعل البدائية والعنيفة تجاه كل ما هو مختلف.
ويؤكد الواقع أن المجتمعات التي تجاوزت هذه العقلية البدائية، خاصة على مستوى القوانين والسياسات، تشهد حياة أفضل لأفرادها.
التغيير والمخاطر المصاحبة له
أي تغيير يستلزم كفاحًا وتضحيات للوصول إلى الحقوق، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في حجم التضحيات المطلوبة، لا سيما بالنسبة لأمن وسلامة الأفراد. ويبقى السؤال: هل نحن كمجتمع، وبالأخص مجتمع الميم عين، مستعدون لدفع هذا الثمن؟
تحليلًا للوضع الحالي، نجد أن الظروف الاقتصادية الحالية تؤدي إلى تراجع الوعي الجمعي، حيث ينصب تركيز الأفراد على تلبية احتياجاتهم الأساسية، مصحوبًا بعنف ناتج عن الرغبة في البقاء، وفي هذا السياق، فإن إثارة موضوع المثلية والتصريح عن ميول الأفراد يعد مغامرة محفوفة بالمخاطر، تهدد أمنهم وسلامتهم.
ورغم أن تسليط الضوء على القضايا الشائكة قد يساهم في تطبيعها وإخراجها من دائرة المحرمات إلى خانة الأمور الطبيعية، إلا أن ذلك قد يؤدي أيضًا إلى استقطاب حاد في المجتمع، كما هو الحال الآن.
من هنا، فإن الأكثر أمانًا هو تجنب الإعلان المباشر عن الميول والتوجهات الجنسية، مع التركيز على الدعوة لقبول الأقليات الجنسانية كجزء طبيعي من المجتمع.