أدى الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة مايو الماضي، إلى إغلاق معبر رفح، وهو شريان رئيسي للمساعدات الإنسانية، وفي هذا السياق، رفضت مصر السماح للمساعدات بالمرور عبر معبر كرم أبو سالم، الذي تسيطر عليه إسرائيل، للتعبير عن استيائها من نشر القوات الإسرائيلية على حدودها، لكن بعد محادثة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره الأميركي جو بايدن، وافقت مصر على السماح بمرور المساعدات بشكل مؤقت، وهو تنازل يعكس تحولًا في العلاقة بين البلدين، وذلك وفق تقرير حديث نشرته مجلة Foreign Affairs.
كانت مصر لعقود مرساة للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط ومتلقية أيضًا للمساعدات الأميركية، لكن توترت هذه العلاقات خلال العقد الأخير، خاصة مع تراجع أهمية مصر الاستراتيجية في المنطقة كما تصاعدت الانتقادات الأميركية لسجل حقوق الإنسان في عهد السيسي، وتأكدت هذه التوترات عام 2021 عندما حجب وزير الخارجية الأميركي جزءًا من المساعدات العسكرية بسبب مخاوف حقوقية.
وبالرغم من ذلك، تغيرت المعادلة مع تصاعد التوترات الإقليمية والحرب في غزة، حيث لعبت مصر دورًا محوريًا في التوسط لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، ما جعلها محاورًا رئيسيًا للولايات المتحدة، ويعزز هذا الدور من مكانة مصر في المنطقة ويعيدها إلى دائرة الضوء الدبلوماسي بعد فترة من الإهمال.
بينما أصبحت العلاقة بين مصر والولايات المتحدة اليوم تُركز على الأمن والدبلوماسيةفقط، حيث تتلاقى المصالح المشتركة في قضايا إقليمية حاسمة، ومع تصاعد القلق الأميركي من تداعيات الحرب في غزة، أعاد الثنائي تشكيل العلاقة لتُصبح أكثر استقرارًا، مع تجاوز الولايات المتحدة لمخاوفها السابقة بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان، لصالح الحفاظ على شراكات تقليدية تضمن مصالحها الاستراتيجية.
العلاقات المصرية - الأميركية بعد عودة ترامب
وبعودة ترامب للبيت الأبيض يناير المقبل، قد تطمئن مصر إلى أن القضايا المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان لن تحتل الأولوية في تعاملاتها مع الإدارة الجديدة، ومع ذلك، فإن التكيف الأميركي مع الوضع القائم في مصر، الذي يعتمد على نموذج اقتصادي غير فعّال وقمع سياسي مستمر، قد يكون خطأ استراتيجيًا، فعلى الرغم من أن هذا النموذج عزز بقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي في السلطة، إلا أنه لم يعالج الاحتياجات المتزايدة للشعب المصري، ما يجعل البلاد عُرضة للأزمات المستقبلية.
تحولات العلاقة في عهد بايدن
وكانت قد شهدت العلاقات الأميركية المصرية تحولًا كبيرًا منذ تصريحات بايدن خلال حملته الانتخابية في 2020، حين أكد أنه لن يقدم "شيكات على بياض" للسيسي، على عكس التقارب الذي أبداه ترامب، الذي وصف السيسي بأنه "ديكتاتوره المفضل"، حيث جاء موقف بايدن مدفوعًا برغبته في تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، بجانب تجربته السابقة كنائب للرئيس باراك أوباما، الذي توترت علاقته بمصر 2013.
وكانت إدارة أوباما قد عقلت معظم المساعدات العسكرية لمصر، قبل أن تُعيدها عام 2015 مع فرض قيود جديدة، مثل إنهاء التمويل النقدي واستخدام المساعدات بشروط محددة، ورغم ذلك، استمرت العلاقة في التوتر، حيث اعتُبرت مصر آنذاك عبئًا بدلًا من أن تكون شريكًا استراتيجيًا في الشرق الأوسط.
ومع شعور مصر بعدم الرضا تجاه سياسات أوباما، يُعتقد أنها حاولت التأثير على انتخابات 2016 لصالح ترامب، وفقًا لتقارير صحيفة واشنطن بوست، فهناك اعتقاد أن السيسي حاول التبرع بمبلغ 10 ملايين دولار لحملة ترامب عبر البنك الوطني المصري، وأثار هذا التحويل تحقيقًا أميركيًا أُغلق لاحقًا بقرار من المدعي العام ويليام بار.
مستقبل العلاقات المصرية الأميركية
وعودة ترامب قد تُعيد دفء العلاقات، ولكن الاعتماد على الترتيبات التقليدية دون معالجة القضايا الاقتصادية والسياسية في مصر قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات، ويُعد هذا التحول فرصة للولايات المتحدة لإعادة تقييم استراتيجيتها تجاه مصر بما يخدم مصالحها الإقليمية ويعزز استقرار المنطقة.
دور مصر في غزة
أجبرت أزمة غزة في أكتوبر ٢٠٢٤ بايدن على التعاون مع مصر للتوصل إلى وقف إطلاق النار، ما خفف من التوتر بين الطرفين، وفي الحرب الحالية، اعتمدت واشنطن مجددًا على مصر، التي دعمت مواقفها الرافضة للنزوح القسري للفلسطينيين ولإعادة احتلال إسرائيل لممر صلاح الدين في رفح.
ورغم تعثر محادثات وقف إطلاق النار، ظهرت مناقشات لإشراك قوة دولية لضمان أمن غزة، وهو تحول جديد في موقف مصر التقليدي المتردد من التدخل المباشر.
تعزيز التعاون في ملفات إقليمية ودولية
كما امتد التعاون الأميركي المصري إلى ليبيا، حيث خففت واشنطن من قلقها السابق بشأن دعم مصر للسلطات الليبية في الشرق، ولعبت مصر دورًا مفاجئًا في دعم الجهود الدولية بشأن أوكرانيا، رغم تحفظها على إعلان ذلك.
ورغم التحسن في العلاقات الأميركية المصرية، لا تزال قضايا مثل المساعدات العسكرية المشروطة ومخاوف حقوق الإنسان تثير الجدل، فقد حاولت إدارة بايدن إظهار جدية أكبر في قضايا حقوق الإنسان عبر حجب بعض المساعدات العسكرية عن مصر في ٢٠٢١.
لكن مع تحسين القاهرة لتعاونها في غزة، أعيدت الشريحة الكاملة من المساعدات مؤخرًا، ما يعكس تحولًا نحو تعزيز العلاقات بدلًا من استغلال التمويل كوسيلة ضغط، بينما ما يزال الاقتصاد المصري هشًا، والنموذج الاقتصادي الحالي غير قادر على تلبية تطلعات الشعب، كما يعوق النهج المستبد قدرة مصر على مواجهة التحديات، خاصة مع غياب النقد البنّاء والمساحة الكافية للنقاش العام.
مستقبل العلاقات في ظل إدارة ترامب
ومع فوز ترامب، من المتوقع استمرار نهج الدعم غير المشروط لمصر، لكنه قد يتجاهل قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومع ذلك، فإن انحياز ترامب المحتمل لسياسات إسرائيل المتشددة قد يقلل أهمية التعاون في ملف غزة.
لكن رغم كل هذه التحديات، يمكن لمصر تحويل أزماتها إلى فرص، بشرط أن تلتزم من جانبها بإصلاحات شاملة تعزز من دورها الإقليمي وعلاقتها بشركائها الدوليين.